موهبة جديدة في البحث العلمي لتحقيق التطوير والتنمية في سورية عامة والسويداء خاصة، والتي سوف تساهم في إيجاد العديد من الحلول الناجعة لمشكلة بيئية تعاني منها محافظة السويداء ألا وهي مشكلة نقص الموارد المائية...

ما دفع الآنسة وفاء بلان إلى أن تتصدى لموضوع بحث قامت بإعداده بإشراف الأستاذ الدكتور حسين القاضي لنيل درجة الماجستير في قسم المحاسبة كلية الاقتصاد بعنوان: "دور المحاسبة البيئية في الحد من تلوث مياه الشرب في محافظة السويداء"، بحضور لجنة الحكم المؤلفة من: أ.د. حسين القاضي رئيساً ومشرفاً على البحث، وعضوي لجنة الحكم: أ.د. إسماعيل إسماعيل، وأ.د. مأمون حمدان. وعدد من المهتمين والمتخصصين في هذا المجال وأساتذة من كلية الآداب والطلاب والأصدقاء والأهل.

أ.د. حسين القاضي المشرف على البحث أكد أهمية البحث، إذ تعتبر محافظة السويداء إحدى المناطق المقبلة على مشكلة مياه قادمة. فهي تعاني من عجز مائي بسبب قلة عدد الينابيع وعدم وجود أنهار دائمة الجريان، ما يجعلها تعتمد على السدود السطحية، وبعض الآبار التي يتم حفرها على أعماق كبيرة، إضافةً إلى بحيرة المزيريب كمصدر رئيسي مشترك مع محافظة درعا.

كما تتعرض مصادر المياه الموجودة حالياً لمشاكل التلوّث نتيجة أسباب متعددة كاستخدام الأسمدة والمبيدات الزراعية بكثرة في مناطق الأحواض المائية، ومشاكل الصرف الصحي، ومشاكل نقل المياه، ومشاكل التنْزه والرعي قرب بعض المصادر.

وأوضح د. القاضي أن معالجة التلوث ضرورة اقتصادية واجتماعية تنعكس على الفاتورة الصحية للمواطنين كما تؤدي إلى جذب السياح إلى المحافظة التي تتمتع بإمكانيات سياحية ممتازة، وإن دراسة كيفية معالجة الحد من تلوث المياه تلقي الضوء على ضرورة تخفيض تكاليف مؤسسة المياه لجعل تكلفة الماء تقل عن الوقت الحاضر ما يفسح المجال لزيادة النفقات الاستثمارية التي يجب أن تصرف في سبيل جعل المياه أكثر نقاءً.

وبين المشرف د. حسن القاضي أن الباحثة وفاء بلان بذلت جهداً كبيراً في إعداد هذه الرسالة نظراً لصعوبة الحصول على البيانات وارتباط البحث في مسائل فنية وتكنولوجية وصحية اضطرت لتتعامل معها لكي تحدد المشكلة ورسم الحلول البديلة.

ومن بين الحضور الدكتور كمال بلان الأستاذ في كلية التربية الذي تحدث قائلاً: مما تقدم من الأطروحة والدفاع يتضح أننا أمام موارد مائية محدودة (عجز مائي) ومشكلة تلوّث. ولا يوجد مصادر مائية بديلة حالياً. والاستغناء عن الماء أمر مستحيل... ما يجعل مسألة المحافظة على المياه نظيفة والحدّ من تلوّثها أمراً حيوياً وضرورياً ولا بدّ من إعطائه أولوية تتناسب مع أهميته، هذا عدا كونه من المواضيع الحضارية، خاصة أنّ محافظة السويداء منطقة سياحية، كانت على مرّ العصور مقصداً للرحالة والباحثين الأجانب الذين حاولوا دراسة حضارتها وآثارها. وتتوافر فيها مقومات سياحية هامة جداً مثل الآثار والمناخ الملائم ونقاء الجو.

وعلى هامش المناقشة في كلية الاقتصاد كان لموقع eSuweda وقفة مع الباحثة وفاء بلان:

  • هل لك أن تضعينا بصورة أطروحتك المقدمة اليوم؟...
  • يعتقد البعض أنّ المحاسبة عبارة عن حساب لتكلفة المياه أو حساب لتكاليف معالجة المياه لتصبح أكثر نقاءً؛ لكنّ الواقع أنّ طرق القياس المحاسبي وما ينتج عنها من إفصاح له آثار عميقة في الحدّ من تلوّث مياه الشرب.

    من هنا انطلقت فكرة الدراسة في البحث عن الحلول الملائمة لمعالجة مشكلة تلوّث المياه في محافظة السويداء لتبين إن ما يتم في الوقت الحاضر معالجة مياه السدود من خلال محطات التصفية التي تعتمد الترشيح بنوعيه السريع والبطيء، أما مياه الآبار ومياه بحيرة المزيريب فيتم تعقيمها بإضافة بعض المواد المعقمة فقط.

    كما يتم أيضاً إجراء استبدال وتوسيع لخطوط شبكات المياه بموجب خطة دورية على مستوى المحافظة كلها.

  • هل يوجد حلول مقترحة من باحثين متخصصين في هذا المجال؟...
  • نعم أكد المختصون أنّ الإجراءات التي ذكرتها سابقة ليست كافية لمعالجة المشكلة تلوّث المياه في محافظة السويداء ولا بدّ من البحث عن بدائل أخرى.

    والحلول الفنية التي توصلنا إليها من خلال البحث عن طريق استخدام أسلوب المقابلات الشخصية مع بعض الأساتذة والمختصين في هذا المجال، إلى تطوير أساليب التنقية والتعقيم نحو أساليب أكثر حداثة، كما هو الحال في التعقيم بالأوزون والتعقيم بالأشعة فوق البنفسجية، ومراقبة أنابيب المياه وتوصيلاتها، ومعالجة الأسباب الأساسية كما هو الحال في مشاكل الصرف الصحي، واستخدام الأسمدة والمبيدات الزراعية.

    لكن العديد من الحلول الفنية المقترحة كما هو الحال في ترشيد استخدام المبيدات الزراعية والتعامل مع مشاكل الصرف الصحي تعتبر مواضيع حضارية يحتاج تطبيقها إلى توعية وبرامج طويلة الأمد، وإلى خبرة وتعاون من كافة الجهات المعنية الحكومية والخاصة، كما أنّ التكاليف الناتجة عنها متشعبة جداً وبعضها حتّى لا يمكن قياسه كما هو الحال في رفع المستوى الحضاري الذي يتطلبه القيام بهذه البرامج والتي لا يمكن أن نجد لها تكلفة تقاس.

  • لكون مشكلة المياه هامة في حياتنا اليومية، برأيك هل يوجد حلول يمكن تطبيقها حالياً؟...
  • نعم هناك حلول قابلة فنياً للتطبيق في الوقت الحاضر والتي تنحصر بتحسين وضع شبكات النقل والتوزيع وهذا يتطلب استكمال الخطة المنفذة خلال عام 2006 لاستبدال وتوسيع الأنابيب. وقد أكّد المختصون في مؤسسة مياه السويداء إمكانية استخدام الأوزون حالياً في محطات التصفية في المحافظة لكونه أفضل صحياً من الكلور، ويؤدي إلى تحسين مواصفات الماء.

  • ألا يزيد ذلك في تسعيرة المياه وزيادة في تكاليفها؟...
  • إنّ تسعيرة المياه المطبقة حالياً مستقلة عن التكلفة، فهي تسعيرة مركزية تخضع لنظام الشرائح حسب الكميات المستهلكة، لذلك فإنّ حساب تكلفة المتر المكعب الحالية هو القاعدة الأساسية لمعرفة أثر الإجراءات السابقة على التكلفة ولدى حسابها تبيّن بأن التكلفة الإجمالية للحصول على المتر المكعب من المياه حسب أرقام المؤسسة بلغت 31 ل.س. أدى اعتماد هذه التكلفة في حساب المبيعات إلى انخفاض خسارة المؤسسة بمقدار286855891 ل.س. ولدى إعادة تصنيف التكاليف واستبعاد كلّ من فوائد صندوق الدين العام، الاستهلاكات، العمالة غير المباشرة أصبحت هذه التكلفة 6 ل.س. وقد أدى اعتماد هذه التكلفة في حساب المبيعات إلى زيادة الخسارة بمقدار 19394109 ل.س حيث إنّ هذه التكلفة أقل من سعر المبيع الحالي للمياه. وهي تمثّل التكلفة المباشرة للمتر المكعب حيث تتعامل فقط مع التكاليف الجارية من عمالة ومواد تعقيم وكهرباء على أنّها تنعكس على فاتورة المستهلك، أمّا التكاليف الأخرى فهي تدخل ضمن واجبات الدولة في الوقت الراهن.

  • ما النتائج التي أظهرتها الدراسة في تكلفة المتر المكعب وهل هي ملائمة؟...
  • أظهرت الدراسة أنّ هذه التكلفة هي الأكثر ملاءمة لقضايا تسعير المياه والحدّ من تلوّثها. وقد تبيّن ذلك واضحاً من خلال حساب تكلفة استخدام الأوزون في التعقيم، وبالانتقال نحو محطات التعقيم بالأوزون فقد تبين أنّ تكلفة هذا الإجراء سوف ترفع تكلفة المتر المكعب بمقدار 5 ل.س استناداً إلى نظرية التكاليف الإجمالية حيث تصبح تكلفة المتر المكعب 36 ل.س. و 1 ل.س استناداً إلى نظرية التكاليف المباشرة حيث تصبح تكلفة المتر المكعب 7 ل.س. ما يدلّ أنّ هذه النظرية حققت هناك ثباتاً نسبياً للتسعيرة، وهذا أمر مطلوب كسياسة قصيرة الأجل للمؤسسة. كما أنّها تشجّع الاستثمار في مجال الحدّ من التلوّث حيث إنّها تفصل بين سياسات الإصلاح وتسعيرة الماء. (هنا مثلاً إذا تمّ اتخاذ القرار بالاعتماد على نظرية التكاليف الإجمالية فقد يتم إلغاء المشروع).

  • برأيك هل تساهم الدولة بإيجاد الحلول للحد من التلوث إضافة للدراسات والأبحاث الفنية؟...
  • لا شكّ أن تحمّل الدولة مسؤولية بناء المرافق الأساسية أو تأسيس البنية التحتية لبناء الاقتصاد يعطي آثاراً مباشرة في مجال الحدّ من تلوّث المياه، حيث سينعكس ذلك على صحة أفضل للمواطنين، خاصة أنّه كما أظهرت الدراسة فإنّ الأثر الصحي لتلوّث الماء هو أثر واسع نسبياً بحيث يصعب حصره بشكل دقيق، وهذا يجعل الموضوع أكثر إلحاحاً، كما تؤدي إجراءات الحدّ من التلوّث أيضاً إلى رفع المستوى الحضاري للمنطقة كلّها، وتدعيم قيمتها الجمالية والثقافية. وبالتالي فهو يشكّل مركز جذب سياحي، ما يرفع القيمة الاقتصادية للمنطقة عموماً ويرفدها بمورد جديد للدخل، ويفتح أمامها آفاقاً تنموية جديدة.

  • كلمة أخيرة تحبين قولها؟....
  • بالنتيجة نقول كما يقول المثل الدارج: "درهم وقاية خير من قنطار علاج". فمعالجة آثار التلوّث بعد حدوثها ليست حلاً لمشكلة التلوّث رغم أهميتها. فالصحة التي تدهورت وحياة الإنسان التي فقدت لا يمكن استعادتها في الواقع بأي مبلغ من التكلفة، عدا المشكلات المعنوية التي تكتنف هذا النوع من القياس والتي ترفض التعامل مع الإنسان وآلامه كقيم نقدية. ومع أنّ قياس هذه الآثار يعتبر مؤشراً هاماً لمعرفة أهمية المشكلة ودرجة خطورتها، ما يساعدنا على حلّها تلافياً لحدوث مثل هذه الأضرار. إلاّ أن معالجة مشكلة التلوّث تتطلب إيجاد حلول جذرية متكاملة تنطلق من رؤية عميقة للمشكلة بأبعادها المختلفة وهذا يستدعي حساب التكاليف التفصيلية لها وللنتائج المترتبة عليها بموجب أرقام دقيقة، ما يوفر قاعدة تحليلية ملائمة لتصميم السياسات والمقارنة بين البدائل.

    وفي نهاية الحوار مبارك لك شهادة الماجستير التي فزت بها عن جدارة بدرجة /امتياز/ وبعلامة قدرها /90/ .