نشأ في قريةٍ تعدُّ العمل التطوعي ثقافةً وتربيةً وسلوكاً، وما زال على هذا النهج في مهنته المقدسة يعطي بكل تواضع أينما تطلب منه الواجب، ومكافحاً مع الأهالي لكي يحافظوا على موروثهم في الشأن العام رغم ظروف الحياة القاسية.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 6 نيسان 2020 المربي ومدرس مادة الفلسفة المعروف "مروان كرباج" ليتحدث عن عمله التدريسي، ورؤيته للمنهاج المدرسي، فقال: «بدأت التعليم في الثانوية الصناعية بمدينة "شهبا" عام 1982، وانتقلت بعدها إلى ثانويتي "إبراهيم زين الدين" و"زيد كرباج"، وبقيت فيهما 17 عاماً أدرّس المادة التي أعشقها، وأحاول بكل شغف أن تكون مادة محببة ومفيدة وقريبة من عقول الطلاب، فالفلسفة المجردة صعبة على العقل كونها غير مرئية وحسية، وكان المنهاج القديم يركز على جوانب المنطق والفلسفة اليونانية.

المهمة ليست امتياز، فهي خدمة للمواطنين، وهي اللغة الوحيدة التي أتعامل فيها مع الجميع، فمكتبي هو مضافتي، وأي مراجع يجب أن ينال حقه الطبيعي، وهذا واجبي، حيث سعيت إلى عدم ظلم أحد، وإعطاء الحقوق لأصحابها ضمن القانون، وكانت لغة المحبة هي السائدة. أنا دائماً مدين للناس ولمحبتهم الخالصة، ولهذا اخترت العودة للتعليم بعد أن انتهت مهمتي، لأن الصف عطاء متبادل، ومعرفة جديدة، وثانوية القرية بيتنا الذي نزرع فيه الخير والعلم رغم كل الظروف، ومع الوقت اكتشفت أن أفضل أسلوب تربوي في الحياة هو القدوة الحسنة، فتراني آتي إلى المدرسة قبل الطلاب، وأقوم مع الكادر التربوي والإداري بمبادرات كثيرة للمحافظة على الأثاث، وزرع الأشجار والورود، وغيرها، وكانت نسبة النجاح 100 %

بعد الأحداث في "سورية" تألفت سلسلة جديدة راعت الجانب التكاملي بين الطالب والمدرس والمنهاج، وأعطت حيزاً مهماً للطالب من أجل التفكير والإبداع، والمناقشة والتعليق، وبرأيي هو منهاج يساهم في بناء الطالب ويقدم دروساً مهمة للحياة، كالمحبة والتسامح وثقافة العنف واللاعنف، وهناك هامش من علامة الامتحان يقيس فيها الطالب فهمه للموضوع ورؤيته، ومنها تكتشف أن الطلاب قد استوعبوا الفكرة، وبرأيي أن الفلسفة بما تحويه من مواضيع إنسانية قادرة على زرع المحبة في النفوس، وتغرس روح التسامح بين الناس».

مدرب المناهج الحديثة

خاض غمار العمل الإداري مدة ست سنوات، وعاد للتدريس عن قناعة تامة أنه الحل لكل المشاكل، حيث قال عن ذلك: «تكلفت كموجه للمادة في العام 2007، وفي العام 2009 تكلفت بوظيفة معاون مدير التربية للتعليم الأساسي مدة أربع سنوات، وخيرت بعدها بأي مكان فاخترت العودة للتدريس المهنة التي أحب، والتي لا أجد أي مكان يعادلها. تعاملت خلال الأزمة مع الكثير من الحالات، وخاصة عندما تفشت ظواهر غريبة في المجتمع، وكنت أصر على أن العلم هو مفتاح الحل والمستقبل.

كانت الرؤية غير واضحة المعالم لكثير من الطلبة نتيجة الأزمة السورية الحالية، وظهرت أمامهم العديد من الحوادث التي لا تمت بصلة إلى المجتمع، وأخذ نظرة سيئة عن العلم، وماذا يمكن أن يعطي، لكننا حاولنا بكل الوسائل الممكنة أن نأخذ بيد الجيل سواء كانوا طلاب فلسفة أو أي فرع، وتواصلنا معهم بشكل دائم، ونؤكد على العلم لبناء العقل والشخصية المستقلة، فهو السلاح الصحيح والاستثمار الحقيقي».

محاطاً بالكادر التدريس في ثانوية قريته

وعن الفترة التي شغل فيها معاون مدير تربية للتعليم الأساسي قال: «المهمة ليست امتياز، فهي خدمة للمواطنين، وهي اللغة الوحيدة التي أتعامل فيها مع الجميع، فمكتبي هو مضافتي، وأي مراجع يجب أن ينال حقه الطبيعي، وهذا واجبي، حيث سعيت إلى عدم ظلم أحد، وإعطاء الحقوق لأصحابها ضمن القانون، وكانت لغة المحبة هي السائدة. أنا دائماً مدين للناس ولمحبتهم الخالصة، ولهذا اخترت العودة للتعليم بعد أن انتهت مهمتي، لأن الصف عطاء متبادل، ومعرفة جديدة، وثانوية القرية بيتنا الذي نزرع فيه الخير والعلم رغم كل الظروف، ومع الوقت اكتشفت أن أفضل أسلوب تربوي في الحياة هو القدوة الحسنة، فتراني آتي إلى المدرسة قبل الطلاب، وأقوم مع الكادر التربوي والإداري بمبادرات كثيرة للمحافظة على الأثاث، وزرع الأشجار والورود، وغيرها، وكانت نسبة النجاح 100 %».

في العمل العام يقف "كرباج" وصحبه كخط أمان متقدم لمواجهة أي ظرف طارئ، ومحاولة جعل قريتهم نموذجاً في العمل والتطوع، حيث قال عن ذلك: «أتعامل مع الزملاء في الجمعية الخيرية بأية مبادرة، لأنها أقيمت للجميع، ومبادرة المدارس على سبيل المثال أنا معني فيها مع زملائي المدرسين كونها تخدم أبناءنا الطلبة فكل شخص يقدم حسب وقته وجهده، وأنا أجد متعة وسعادة بكل شيء متعلق بالخدمة العامة، فهذه القرية بحاجة لجهد كل فرد من أبنائها، ودائماً على استعداد لأي أمر يخدم المصلحة العامة سواء في "أم الزيتون"، أو أي مكان في المحافظة، فالهدف هو الإنسان أولاً وأخيراً.

شهادة تكريم من مديرية التربية

أينما أجد متسعاً من الوقت أتطوع تلقائياً للعمل، فهذا واجبي، وقد وجدت في مشروع "السورية للتنمية" لذوي الشهداء والجرحى، مكاناً لي، وكان هناك طالبان رسبا في مادة الفلسفة، واحد منهما يقطن في مدينة "السويداء"، حيث كنت أذهب إليهما لتزويدهما بالعلم، وكانا من الناجحين في الشهادة الثانوية للفرع الأدبي، وهي سعادة لا توصف».

المربية "ميساء الشيباني" مديرة مدرسة الشهيد "فاروق الداهوك" للتعليم الثانوي قالت عنه: «المربي "مروان كرباج" رجل معطاء بلا حدود، ولا يبخل بالنصح والإرشاد لأي كان، دائماً تجده سباق لعمل الخير ويتحمس له ولكل عمل يصب في المصلحة العامة، تجده حاضراً بكل مبادرات القرية من نظافة وزراعة وبناء، أو المساهمة في حل المشاكل الطارئة.

زد على ذلك تواضعه اللافت، فهو رغم كبر عمره يتعامل مع الجميع وكأنه أقلهم منزلة، حريص أشد الحرص على ألا يخسر أحداً، فهو دبلوماسي في التعامل، ويطرح وجهة نظره بطريقة محببة ومهذبة، ومنذ سنوات وهو المسؤول عن مبادرة مغتربي أبناء القرية في "الإمارات" في دعم طلابنا بالدورات، حيث يخطط وينسق ويتابع الطلاب والمدرسين أثناء الدورات بشكل يومي، ويرفض أن يتقاضى أي أجر، والأهم أنه مدرس ناجح محبوب متمكن من مادته، أسلوبه رائع، ولا يمل من العطاء، فلطالما ساهم بالإعداد والتدريب في دورات مناهج للمدرسين دون أجر، وبتبرع شخصي منه».

يذكر أنّ المربي "مروان كرباج" من مواليد قرية "أم الزيتون" العام 1960.