لم تختر الدراسة والتخصص في مجال التجارة، لكن "لينا عامر" اختارت مستقبلها في عملٍ تجاري تشاركي، وأن تكون صاحبةَ دار للنشر وتؤسسَ مشروعها الثقافي الأدبي، وتخطّ رؤاها في المنشورات المترجمة وترعى أقلاماً مبتدئةً بفكرة التجديد وخلق الفرص.

مشوارُ عملٍ وبناء دعائم عزز الحضور لسيدة حاولت السير وفق هواها المنتمي لفكر الكتاب والكلمة كما تحدثت من خلال مدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 16 شباط 2020 وتقول: «لم أسجن نفسي بالوظيفة ويبدو أنّ القدر أراد لي طريقاً آخر والبداية كانت مع مكتبة "فاتن" التي تشاركت فيها أنا وأخي، مكتبة بدأت صغيرة بشعارها "لتكن القراءة عادة" عام 2004، وبالرغم من وجود آراء محبطة وتنبئ بالفشل عن حسن نية من بعض المحيطين، إلا أنّ الإصرار والشغف كان الأساس فكان التوفيق برأس مال بسيط وبفضل تقدير الزبائن وتطورنا بمؤازرة من الأهل للحصول على قرض لنحصل على مقرٍّ دائم، لم نوفر جهداً وخبرةً إلا طرقناها حتى أنني تعلمت التجليد الفني والتصميم لتلبية احتياجات العمل المتزايدة.

فخورة بإطلاق أسماء جديدة في مجال الترجمة الأدبية التي تختلف بخصوصيتها عن ترجمة المقالة، أعتز بكل من وثق بنا لإنتاج إصدارات أردناها مميزة تعكس تقديرنا لعملنا، وأردد دائماً بأننا لن نختلف على شيء، إلا فيما تقتضيه مصلحة الكتاب وجودته ساعين لتقديم كل ما ينسجم مع خط الدار

بعد سنوات ومع اتساع الأفق كان التفكير بتأسيس دار النشر؛ المشروع الذي لم يخلق من فراغ تضيف: «أفكار أخرى أخذت تتطور مع اهتمامي بالكتاب، وهاجسي به صديق أتشوق لأنهل منه المزيد، تروق لي فكرة البحث عن كتاب اسم الكاتب إصداراته أفكاره ودار النشر، وأخذت وأخي نتابع فكرة الانطلاق لمشروع الطباعة والبحث لإغناء المعرفة قبل التجربة، وهنا كونت ذخيرة معرفية جيدة دعمناها بالعمل لخلق ذائقة أدبية ثقافية قادرة على تبني كتاب، وتشجيع نشره والانتماء بصدق لما بين دفتي هذا الصديق الذي لا يمكن أن تصل معه للامتلاء وتبقى في ظمأ دائم للمعرفة، وهنا كانت كلمة "ظمأ" اسم لمشروع بدأت خطواته الأولى بعد عمل وسهر واقتناص للأفكار ليكون الكتاب السقية والغذاء».

الناشرة لينا عامر

وتضيف: «كنت شاكرة وممتنة لكل من تعاون معنا ووثق برأينا بما قدمنا من أفكار، وكانت خبرة المكتبة سابقة لعملية انتقاء العنوان وتبني فكرة الكتاب.

ومن خلال مقدمة اخترتها لتكون مرافقة لكل إصداراتنا بينت أنه ومن خلال تجربتنا مع القراء التي جاءت نتيجة لعملنا في متجر للكتب، أن القارئ العربي يتخوف من الكتاب على الرغم من التنوع والثقافات الكثيرة في مجتمعاتنا العربية، وبالأخص من الكتب التي قد توحي أنها مختلفة عما تبناه من أفكار ومعتقدات وأيديولوجيات، وكأنه في اطلاعه على ثقافات أخرى سيكون مجبراً على مجاراتهم وهذا لا يطابق الواقع أبداً لذا فإن الاختلاف لا يعني خلافاً، وانطلاقاً من هذا المبدأ أدعو الجميع للقراءة فالمعرفة والوعي هما اللذان سينهضان بمجتمعاتنا، لنقرأ مع أخذ مسافة أمان بيننا وبين الكتاب لأن الكتاب صديق إذا أحسنت محاورته فقد تجد ما يزيل الغبش عن عينيك، وقد تجد ما يؤكد قناعاتك».

مع الكاتبة أحلام أبو عساف

الترجمة فعل ثقافي متنوع النوافذ المشرعة على ثقافات وعوالم أخرى، كما كانت قريبة من الأقلام الشابة وتضيف: «فخورة بإطلاق أسماء جديدة في مجال الترجمة الأدبية التي تختلف بخصوصيتها عن ترجمة المقالة، أعتز بكل من وثق بنا لإنتاج إصدارات أردناها مميزة تعكس تقديرنا لعملنا، وأردد دائماً بأننا لن نختلف على شيء، إلا فيما تقتضيه مصلحة الكتاب وجودته ساعين لتقديم كل ما ينسجم مع خط الدار».

ولأنها خريجة معهد تجاري وامتلكت الخبرة وحاولت توسيع إطار المشاركة تقول: «بالاعتماد على المكتبة ككيان مالي وتجاري حاولت منذ البداية تنويع إصداراتنا، وهي نتاج حوار طويل يخدم القارئ والناشر والمؤلف أو المترجم لننتج ما هو جدير أن يقدم على الساحة العربية من خلال المعارض وخلق مساحة من الثقة بين القارئ والناشر من خلال تقديم أعمال تحترم ذائقته، وأعرب عن فخري بكل من عمل مع "ظمأ" من مؤلفين ومترجمين وقراء وتملؤنا الثقة بأننا سنتابع مشواراً نحاول من خلاله إغناء المكتبة العربية بمنتج ثقافي راق، وقد كان أبرز الأعمال المترجمة كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" الذي تم التعاون في نشره مع زملائنا من "الأردن" دار "ورد" مشكورين، الذين رغم عدم معرفتنا الشخصية بهم قد منحونا حقوق طباعته في "سورية" وغيره الكثير من الأعمال المترجمة والأعمال المحلية التي لا تقل تميزاً عن الأعمال المترجمة، والتي توسمت فيها التجدد والحداثة».

شاركت بالمعارض التي تفتح فيها أبواب للتعرف على الآخرين تغني الفكر وتثري التجربة إذ تقول: «اليوم وخلال أربع سنوات نصل لتسجيل العنوان الستين بين رواية ودراسة وشعر من إصداراتنا وبالرغم من قلة عدد العناوين، إلا أن الثقة في نوعية المنتج كانت الحامل لخوض المغامرة رغم صعوبتها والمخاطر المحتملة في ظل قلة عدد القراء وتردي الوضع الاقتصادي لأغلب الدول وإن كان بنسب متفاوتة. ومن أنجح المعارض بالنسبة لي كان المعرض الأول لمكتبة "الأسد" بعد توقف دام خمس سنوات وكان ذلك عام 2016 ليترافق مع بداية مشوار "ظمأ"، كما أننا اشتركنا بجناح مشترك في المعارض الخارجية لتقاسم الأعباء والمصاريف وكانت دار "كنعان" ودار "التوفيق" أحد أبرز من تقاسمنا وإياهم الآمال والهموم.

وأؤكد رؤيتي أن لا خوف من الكتاب بوجود ناشر مسؤول يعمل على كتابه فالنشر صناعة، ولا بدّ من الإلمام بكل التفاصيل والمتابعة للوصول لمرحلة العرض، وتقديم ما يستحق التقديم قد لا يحقق الربح السريع، لكنه يقدم رؤى جديدة وما أبحث عنه اليوم سلسة خاصة برواية اليافعين "نص آمن"، كي نقدم ما نرضى عنه ولعلّ تجربة أولى مع اليافعين بدأت تقودنا للنجاح المأمول التي تتكامل مع دعمي الكامل للتجارب الأولى».

الصحفي "حسين قطرجي" قال عنها: «التقيت "لينا" أول مرة في معرض "دمشق" للكتاب وهي مديرة دار للنشر وكانت من تلك القلّة القليلة من أصحاب دور النشر الذين ما اتّكلوا على الوكلاء أو البائعين والمسوّقين، بل شاهدتُ حرصها على استقبال زوّار رواق دارها ونقاشهم ومساعدتهم في ترشيح الكتب التي تستهوي أمزجتهم المختلفة، قرأتُ في حديثها المصاعب التي يكابدها النّاشرون، وأنّ على النّاشر الناجح أنّ يمتدّ فكره الواعي إلى خارج حدود ثقافته، وأن يرى نفسه في عيون الآخرين، فيقدّم لهم الملهم والبنّاء ومع كلّ إصدارٍ يضيء شمعةً في الأفق المعتم، تقف إلى صف الكتاب الشباب وهذه مغامرة جريئة، لكنها تنظر لها على أنها نافذة مفتوحة يحق للجميع أن يتنسم منها نسائم الفكر الحر».

"أحلام أبو عساف" كاتبة نشرت من خلال دارها تتحدث عن علاقة وطيدة جمعتهما وتقول: «من خلال المكتبة تحاورنا بهدف البحث عن كتاب أقتنيه واقترحت هي كتاباً، وفعلاً كان نقلة أساسية وطدت علاقتي بالرواية من بعدها أخبرتها أنّ الكتاب يعني لي الكثير وأخبرتني بحلمها بتأسيس دار، وعندما أنجزت روايتي الأولى "ظمأ امرأة" أخذت المخطوط وتحاورنا وبعد القراءة والنقاش قررت النشر ولمست مدى حرصها وشغفها وتعاملها الراقي والمدروس واهتمامها بكل جديد وبالتجارب الأولى، بعدها كتبت "رحيل العوسج" وكررنا التجربة.

هذه التجربة ورعايتها للبداية عكست فهمها للدعم لتشجيع الأقلام الجديدة رغم تحيز كثر للأقلام التي حققت الشهرة، لكن من عرف إصرارها، وكيف بنت دارها وعملها الدؤوب يعرف أنها جديرة بهذا العمل الذي أثبتت من خلاله حضوراً قوياً خاصة في المعارض التي تميزت فيها بين عدة دور، وبإصدارات لاقت الرواج والاستحسان من جمهور القراء».

ما يجدر ذكره أنّ "لينا عامر" من مواليد "السويداء" عام 1972 خريجة معهد تجاري اختصاص محاسبة صاحبة دار نشر سجلت مشاركتها في معارض داخلية، وفي عدة مدن عربية منها "بغداد"، "أربيل"، "الشارقة"، "عمان"، "البحرين"، ومؤخراً "القاهرة".