صنعت عالمها المملوء بالعمل من واقع فرض عليها وهي صغيرة، فتلك الفتاة اليافعة أدركت مبكراً أنها أمام تحدٍّ مفتوح مع الزمن، ولا مجال للعب والمراهقة، حيث أتقنت مهن الرجال الصعبة، واستثمرت طاقتها في تخفيف آلام المرضى، وزرع المحبة أينما حلّت.

تعلمت مهنة السباكة وهي في الصف الثالث الإعدادي عندما كان الفقر يحتاج لأيادٍ تقهر زحفه على العائلة، فكانت زنودها الغضة تلتقط الإزميل والمطرقة وترسم خارطة العمل، وقالت المربية "سميرة سرايا" لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 9 كانون الأول 2019، عن تلك المرحلة: «كنت أصغر فرد في العائلة عندما أخذني والدي الذي يعمل في ورش البناء، كان وضعنا المادي عادياً، وكنت عند العودة من المدرسة ألتحق بوالدي لكي أساعده في العمل، وشيئاً فشيئاً تعلمت المصلحة، ووصلت لمرحلة العمل الكامل للورشة، بالإضافة إلى تعلمي الطينة والدهان والبلاط، وعلى ما يبدو أن هناك مورثات من والدتي للأعمال الفنية التقليدية مثل صنع القش، وخالي كان فناناً، وفي هذا الجو من العمل الفني واليدوي نشأت، غير أنني لم أترك الدراسة، وحصلت في النهاية على شهادة معهد هندسة العمارة».

عرفت "سميرة" مكافحة مجتهدة في الحياة منذ أن كانت صغيرة، وكانت تواظب على العمل مع والدها، وتدرس بالوقت نفسه، كانت وما زالت كتلةً من الحنان والعمل والإصرار، وتحقق طموحاتها، وتبني أسرتها بكفاح وصبر حتى وصلت. ولم تكتفِ بذلك، فهي التي تسير غالبية الأيام للبحث عن المحتاجين والمرضى، وتزورهم في بيوتهم، وتكون صوتهم، وسندهم في الحياة

وتتابع عن الأعمال التي أتقنتها: «عملت في صناعة الورد منذ زمن طويل، وكذلك في ألعاب الأطفال، وورد السيراميك، وأتقنت صنع الإكسسوارات النسائية لكنني لم أكن أبيع شيئاً منها، فبعد عام كامل من العمل جمعت صديقاتي وأهديتهن هذه الأعمال للتعبير عن محبتي لوجودهن في الحياة.

من أعمالها الخشبية

بعد ذلك اتجهت نحو العمل بالخشب والديكورات، فدراستي في المعهد أعطتني الكثير من الخبرة للوصول إلى ما أرغب من عمل، الرسم الذي تعلمته في المعهد من رسم هندسي، مدني، معماري، فني، وميكانيكي، حيث أجلب القطعة الخشبية، وأحاول استغلالها كاملة بناء على قياسات محددة في رأسي، وقد بدأت هذه الأعمال في منزلي، فكل الزوايا والطاولات والإكسسوارات من صنعي، ولدي ورشتي وآلاتي الخاصة التي أقضي بها ومعها وقتاً طويلاً، ورحت أبتكر تحفاً خشبية بقصد البيع وتحسين الواقع المادي. وكنت أشترك بالمعارض في "السويداء" و"دمشق"، وأبيع منتجاتي بعد حسابات دقيقة للعمل والجهد كي أتابع طريقي».

وعن قصة دخولها الأعمال التطوعية، أضافت: «بدأت العمل عام 2007، وكان لدي هاجس ألا أرتبط بجمعية أهلية، ولا أدع شيئاً يحد من عزيمتي تجاه هدف ما، وبدأ العمل من "عين الزمان"، وبجمعية "لمسة حنان" التي تهتم بمرضى السرطان، وتطوعت لفترة في "السورية للمعوقين"، وجمعية "الأمل للمعوقين"، وفي العام الماضي تسلمت رئاسة جمعية "الأيادي البيضاء" لأن المؤسسات قد هاجرن خارج الوطن، وطلبن مني عدم ترك الجمعية، وهي متخصصة بمساعدة الجميع، فنحن نعمل على مساعدة المرضى والمسنين، وتقديم الفرح لهم بالتعاون مع المجتمع المحلي والأصدقاء والمغتربين الذين لا يبخلون في مد يد العون لأي فعالية أو عمل إنساني، وأعتبر أنني متطوعة دائمة في الجمعية، ولا يمكن أن أترك طفلاً مريضاً، أو عائلة محتاجة مهما كان الوضع».

جزء من الحديقة من تصميمها

اهتمت الجمعية بأطفال مرضى السكري، وأقامت العديد من الأنشطة الترفيهية لهم، حيث قال "فادي عصام طحطح" الناشط الاجتماعي عن ذلك: «أعرف المربية "سميرة سرايا" منذ زمن طويل، فهي المرأة المكافحة منذ أن وعت على الدنيا، وعندما تسلمت جمعية "الأيادي البيضاء" حاولت بكل طاقتها أن تصل إلى كل محتاج في مدينة "السويداء" وحولها، وخاصة مرضى أطفال السكري والمسنين، وهدفها دائماً الوصول لكل بيت محتاج. والشيء الذي يميز شخصيتها حرصها على الفرح الذي يصاحب المساعدة دون أن يشعر أحد بما تعانيه من تعب لكي تجلب تلك المساعدات، وتحقق البسمة والفرح، وتكون راضية عن نفسها».

ربة المنزل "أمال بوز" التي عرفت "سرايا" وهي صغيرة، قالت عنها: «عرفت "سميرة" مكافحة مجتهدة في الحياة منذ أن كانت صغيرة، وكانت تواظب على العمل مع والدها، وتدرس بالوقت نفسه، كانت وما زالت كتلةً من الحنان والعمل والإصرار، وتحقق طموحاتها، وتبني أسرتها بكفاح وصبر حتى وصلت.

ولم تكتفِ بذلك، فهي التي تسير غالبية الأيام للبحث عن المحتاجين والمرضى، وتزورهم في بيوتهم، وتكون صوتهم، وسندهم في الحياة».

يذكر أنّ المربية "سميرة سرايا" من مواليد مدينة "السويداء" العام 1959.