وُلِدَ بينَ حجارةِ البازلت الصُلبة، وحافظ على إرث أجداده، وورث عنهم الكرمَ والشغفَ والأصالة، وتعلم أنّ ما بين يديه هو ثروة لا تقدر بثمن، فجمع طوال عشرين عاماً آلاف القطع التراثية، ليصنع متحفاً نادراً في محتوياته ومكانته.

بدأت قصةُ "شادي اسليم" في بيتٍ يعودُ زمنُه للعصر الروماني؛ ويطلق عليه اليوم "دوار المشنقة"، وقال لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 25 أيلول 2019 عن تلك الأيام: «كانت ولادتي بين أحضان البازلت القاسية في الشكل، لكنها تعلم الكثير من الصفات الإنسانية بفضل ساكنيها الذين حافظوا على موروثهم الحضاري، فالمنزل الذي يطلق عليه اليوم "دوار المشنقة"، وبات معلماً أثرياً حضارياً كان ملكاً لعائلتنا، ومنه ورثت أولى القطع التراثية التي كان أجدادي يستخدمونها في حياتهم، مثل أدوات الزراعة، وعدة الخيل، وأدوات المطبخ القديمة، والإضاءة، والزينة، وبعض الأنتيكات التي لا يخلو منها بيت فيما مضى من الزمن، وهي كانت الشرارة الأولى التي جعلتني أتعلق بتلك القطع المعلقة على الجدران الصماء، وتضفي عليها جمالاً خاصاً لا تؤمنه الجدران البيتونية، وهكذا بدأت رحلة البحث عن كل ما يكمّل مجموعتي من الأنتيكا ذات القيمة المعنوية العالية، وتحوّل ذلك إلى شغف مستمر منذ عشرين عاماً».

وهناك قسم المعدات الزراعية والحجرية، وكل ما كان أجدادنا يستخدمونه من (لوح الدراس أو النورج، والمذراية، والحقف، والغملوش، والمناشل ورواية المياه، وأطباق القش، والدست، والخلقينة، واللكس، والكازات، والسراج)، إضافة إلى العديد من القطع المتعلقة أيضاً بالحياة الزراعية والحياة اليومية للمزارع والفلاح

قسَّم "اسليم" متحفه إلى أقسام عدة، ساعده على ذلك هندسة المنزل الحجري الذي أكمل قسماً جديداً منه لكي يتسعَ للكمّ الكبير من القطع، وتحدث عن تلك الأقسام بالقول: «هناك القسم الإسلامي، وفيه العديد من القطع الفنية غير المكررة التي تعود للعصر الإسلامي والعثماني، وفيه عدة الخيول وكل ما يتعلق بها بأعداد كبيرة وقديمة لها قيمتها المعنوية لندرة معظمها مثل: الطناجر، أباريق الوضوء، (طاسات) المكتب، المناقل، راديوهات من مقاسات وأحجام كبيرة بعضها يبلغ طوله المتر، مطاحن القهوة الإنكليزية من مقاس 50 سم، وزن 75 كيلو غرام، الصناديق المصدفة، مهابيج البطم، البياطس من المقاسات والأحجام الكبيرة جداً، حجريات وقطع فخار، ماكينات الخياطة قديمة، وكل ما يتعلق بتلك الحقبة التاريخية من فوانيس وزجاج ومطبخ وغيرها حيث يتراوح عمر القطع الإسلامية بين 400 و500 عام حسب خبراء وشيوخ الكار».

قسم الأسلحة النادرة

ويتابع: «وهناك قسم المعدات الزراعية والحجرية، وكل ما كان أجدادنا يستخدمونه من (لوح الدراس أو النورج، والمذراية، والحقف، والغملوش، والمناشل ورواية المياه، وأطباق القش، والدست، والخلقينة، واللكس، والكازات، والسراج)، إضافة إلى العديد من القطع المتعلقة أيضاً بالحياة الزراعية والحياة اليومية للمزارع والفلاح».

أما القسم الأهم بالنسبة له، فأضاف عن محتوياته: «القسم الثالث وهو قسم الأسلحة، والسيوف، والخناجر، والمسدسات، و(الطبنجات)، و(السنكات)، و(الكامات)، و(اليطقان)، و(السنكات). وضمن هذه المجموعة تبرز مسدسات تعود للقرن الثامن عشر، وهي من النوادر جداً، وبندقية فرنسية نوع جرس تعود للعام 1872 مع بطاقة الضابط المعدنية وأيضاً هي نادرة جداً، ولدي (سنكي) اسمها "يطقان"، وهي سلاح عثماني استخدم في العصر الأيوبي، ومجموعة جميلة جداً من السيوف الدمشقية المجوهرة القديمة، والتي يقدر عمرها بمئات السنين.

منظر عام للمتحف

وفي هذا القسم يوجد عدد كبير من دلال القهوة النادرة جداً على مستوى الوطن العربي، ويصل عددها إلى 200 دلة، بالإضافة إلى عدة القهوة من (المحاميس) المطعمة، ومطاحن القهوة بكافة أشكالها، ومقاساتها.

ويضم قسم الزجاج مصابيح الأوبلين النادر، وأواني الملك "فيصل"، والصحون المزخرفة بأشكال وألوان متعددة؛ منها الأزرق والأحمر والتركوازي، وثريا الكاز من زجاج الأوبيلين الازرق النادر، وثمنها باهظ جداً إذا وجدت».

النحاسيات

ويتابع "شادي" حديثه عن قسم المنمنمات بالقول: «يتوضع هذا القسم الذي يضم آلاف القطع؛ على طاولة بازلتية بطول ستة أمتار، وعرض متر، تحتوي ما يقارب 4 آلاف قطعة من العملات الورقية والنقدية، ومصاغاً وحلياً من الفضة العربية القديمة، ومحابرَ إسلامية قديمة، ومكتبة، وخواتمَ فضة كبيرة الحجم مع ختمها، وأختامَ مخاتير وعائلات من "السويداء"، وكذلك مفاتيحَ وأقفالَ يتراوح عددهم بين 600 و 700 قطعة، وهناك طبقُ العروس وهو من القش الرفيع الملون حيث كانت الفتيات يصنعنه لكي يكون زينة جهازهن، أما الأجمل والنادر فتلك النواظير الألمانية والفرنسية، والإنكليزية التي تمّ اغتنامها من قبل الثوار في "جبل العرب"».

وتبرز عدة قطع نادرة الوجود، مثل الخلقينة العثمانية، ويزيد عمرها على 400 سنة، وهناك عدد كبير من الميازين بكافة الأشكال والأحجام؛ مثل قبان "أبو بيضة"، وهو من النوادر العثمانية؛ مصنوع من الفولاذ المطعم بالنحاس، وميزان الكفة بخمسة مقاسات، وميزان الذهب وهو ثلاثة أنواع، وتعدُّ قطعاً نادرة جداً. كما أخذت الخوذ الإسلامية والألمانية، والإنكليزية، والفرنسية، وهي أيضاً من النوادر.

وعن التكلفة المادية للمتحف، قال: «المشروع بدأ منذ طفولتي، وهذا الشغف المستمر والمتزايد يومياً لا قدرة لي على حسابه مادياً، فالتعب والبحث اليومي، والوقت الطويل، وانتظار قطعة ما تعادل ثروة مادية هائلة بالنسبة لي، بيت المتحف بجانب منزل حجري قديم، وبات من أجزائه، ولم يكتمل بعد إلا القسم الأول منه، لكن الذي أعرفه كتكلفة مادية في هذا القسم فقط فهو 17 مليون ليرة، أما تكلفة الموجودات فلا تقدر بثمن أبداً، والبحث دائماً مستمر، وكوني خبير لا أقتني غير القطعة التي أحتاجها، فلا أتاجر وليس لي علاقة بالبيع والشراء، فالتراث والأنتيكا موهبتي وعشقي وشغفي، وطوال عشرين عاماً كل قطعة لدي لها قصتها بحلوها ومرها وصعوبة اقتنائها، وخاصة القطع النادرة جداً في العالم التي تشكل عندي حكاية كاملة لا تنتهي من الحب».

المتحف الذي فتح أبوابه للزوّار، ونال الكثير من الدهشة، قالت عنه الأديبة "سلمى سلامة عبيد": «15 عاماً وهو يعمل بدأب وشغف على مشروعه الثقافي والتاريخي بالغ الأهمية، "شادي عدنان اسليم" 39 سنة افتتح متحفه للمقتنيات الأثرية والأنتيكا، وخصص مساحة تزيد على الثمانين متراً للمتحف، جمع فيها مقتنيات من البنادق والسيوف وأدوات القهوة والفلاحة والإنارة والطهي وغيرها الكثير، وبعضها نادر.

لدينا في "السويداء" عدد من جامعي التراث المهمين مثل "جمال مهنا"، "عصمت بو زين الدين"، "غازي حمزة"، "وضاح الحجلي"، والآن "شادي اسليم"، ولهم كل الاحترام على حفظهم وتوثيقهم هذه المقتنيات الجميلة والمهمة».

يذكر أنّ جامع التراث "شادي اسليم" من مواليد مدينة "السويداء" العام 1980.