تغلبت على الوجعِ بصبرٍ وإرادةٍ حديدية، لتصنعَ الفارقَ بالعلم والتواضع اللذين نقلتهما إلى طلابها في جامعة "دمشق"، حاصدةً خلال فترةٍ وجيزةٍ من العمل والأبحاث والمبادرات النوعية شعبيةً كبيرةً في الوسط الجامعي والمجتمع المحلي.

الدكتورة "ربيعة زحلان" أخصائيةُ البيئة والتنوّع الحيوي النباتي، ابنةُ الريف التي عانت في صغرها من إعاقةٍ حركيةٍ وخضعت للعديد من الاختبارات القاسية، تحدثت لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 22 أيلول 2019 عن دراستها، واختيارها فرع العلوم الحيوية، فقالت: «نشأت بمنزل ريفي يحترم العلم ويقدسه، أحببت الدراسة والمدرسة وكل ما يتعلق بهذا العالم الوردي، لكن وضعي الصحي كان يعيقني أحياناً عن متابعة الحلم، لكنه أبداً لم يمنعني من الوصول إلى هدفي، كنت أداوم في كثير من المرات وأنا على العكازات نتيجة إجراء العمليات الجراحية، ورغم ذلك كنت على يقين رغم صغر سني أنّ هذا الأمر دافع لكي أتخرج من الجامعة وأكمل دراسات عليا، وهذا ما تحقق تماماً بفضل دعم أهلي المستمر، وخاصة والدي الذي آمن بقدراتي، وما زال داعمي الأول في العمل».

أحب مادة العلوم منذ صغري، وقد ذهبت خلال المرحلة الابتدائية إلى رواد الطلائع، وعند المفاضلة الجامعية كانت رغبتي، وهكذا بدأت بدراستها أكاديمياً وأحببتها كثيراً حتى قلت لوالدي لو ترجع الأيام لن أدرس غيرها، فهي بالمختصر اسمها كلية "علم الحياة" التي تدرس فيها كل الكائنات الحية وطريقة عيشها في البيئة

وتتابع: «أحب مادة العلوم منذ صغري، وقد ذهبت خلال المرحلة الابتدائية إلى رواد الطلائع، وعند المفاضلة الجامعية كانت رغبتي، وهكذا بدأت بدراستها أكاديمياً وأحببتها كثيراً حتى قلت لوالدي لو ترجع الأيام لن أدرس غيرها، فهي بالمختصر اسمها كلية "علم الحياة" التي تدرس فيها كل الكائنات الحية وطريقة عيشها في البيئة».

درس عملي في الطبيعة مع مساهمة للزراعة

أما عن بحث رسالة الدكتوراه، فأضافت: «البحث كان في العام 2015 عن استعمال سماد عضوي "الحمأة"، أي مخلفات الصرف الصحي الصلبة بتسميد الشعير وفق أسس علمية وآمنة، وكانت النتائج رائعة، حيث نشر البحث في مجلة عالمية، ولو قامت جهة رسمية بتبني المشروع كان سيعطي إنتاجاً كبيراً ويساعد الفلاحين ويقلل من مشكلة "الحمأة" كملوث للبيئة، فـ"الحمأة" تغني الترب الجافة، وتنتج بمحطات تنقية مياه الصرف الصحي مثل "عدرا"، وهي تتراكم يوماً بعد يوم على أرض المحطة دون معرفة كيفية التخلص منها كنفاية، وفي البلدان المتقدمة تستعمل كسماد بزراعة النباتات الحراجية والعلفية، وأعطت نتائج كبيرة، وهي لا تستعمل إطلاقاً للنباتات التي تؤكل طازجة، ولها قواعد معينة للاستعمال، وقد درست تطبيقها على 3 نباتات، وبعدها دخلت مجال التدريس الأكاديمي في جامعة "دمشق" قبل أن أنتقل إلى "السويداء" للبدء مع كلية العلوم هنا».

في "السويداء" بدأت الدكتورة "ربيعة" حكاية جديدة مع التدريس وسط بعض المعوقات التي حاولت التصدي لها بصبر وحكمة، وقالت: «الكادر التدريسي والإداري في الكلية جيد رغم قلته، ولكننا عانينا من نقص العملي، فما زالت مخابرنا متواضعة، وبحاجة الكثير من الأجهزة. وكل مرة يتم رفع احتياجات الكلية للجامعة الأم؛ لا تتم الموافقة إلا على القليل. وبالنسبة لموادي التي أدرسها؛ فقد حرصت كثيراً أن يكون مستواها عالياً، وبما أن التنوع النباتي بالمحافظة ممتاز، فقد ساعدني الأمر كثيراً. ورغم نقص المخابر المجهزة بالحد الأدنى؛ إلا أن الطالب نفسه يجب أن يعمل ويجتهد، ولدينا طلاب ينافسون طلبة جامعة "دمشق" بتفوقهم وتحصيلهم، وفي الوقت نفسه هناك طلاب لا يصلحون للتدريس، فالمجموع القليل المطلوب لدخول الكلية يؤثر سلباً في جودة المخرجات. والتدريس فن وأسلوب قبل أن يكون معلومة، وبالدرجة الثانية تمكن المدرس من المعلومة، وبحثه المستمر عن كل جديد، واتباع أساليب حديثة لإيصال تلك المعلومات، وجعل المتلقي يحب ما يسمعه».

مع أبناء السنديان في زراعة الأشجار

وعن المبادرات العلمية والمجتمعية التي اشتركت فيها، قالت: «موادي لها جزء عملي تطبيقي بيئي قريب من الطلاب، ونحن نقوم بالكثير من النشاطات التي تخص التنوع الحيوي والبيئة، وهذا الأمر متوفر بشكل كبير في "السويداء"، ودراستنا العملية بمعظمها تكون على أرض الواقع، من خلال جولات علمية في حديقة الجامعة للتعرف على النباتات. وقد شاركت وطلابي بحملات التشجير، وعددتها جلسات عملية، كما شاركنا بحملات تنظيف المدينة، وكانت رحلات للفرح والفائدة ومشاركة المجتمع المحلي همومه وقضاياه، وهذا أقل واجب، يزرع في النفس البشرية التفاؤل والاحترام، ويقدس العمل. وعندما يكون المحاضر قريباً من الطالب مع هامش احترام ومحبة تصبح العملية التدريسية أمتع للطرفين».

أما فيما يتعلق بنشاطاتها ومبادراتها الخاصة، فأضافت: «أنا منسقة أعمال اللجنة العلمية للأولمبياد العلمي السوري بالمحافظة لمادة علم الأحياء، وعضو بنادي الشباب التطوعي مع "شبيبة الثورة"، حيث نقوم بجولات على المدارس. كما ألقي محاضرات توعوية للنساء حول أساليب الحياة المعاصرة؛ وما هو ضار وما هو نافع مثل استعمال البلاستيك، وكيفية تفريز المؤونة، وشاركت بأسابيع العلم، وألقيت العديد من المحاضرات بالمراكز الثقافية. كما مثلت "سورية" بـ"مصر" العام 2006 بأسبوع علمي عربي، وهناك العديد من اللقاءات والندوات ضمن فعاليات وزارة البيئة. وأحاول دائماً المشاركة بأي عمل تطوعي مع الطلاب مثل حملات التشجير مع "أبناء السنديان" ومؤسسة "كرامة"».

في كلية العلوم

وعما يمكن أن نجنيه كبشر من تشريح الحيوانات والنباتات، قالت: «تشريح الحيوانات مفيد لدراسة المنعكسات العصبية، أي علم "الفيزبولوجيا". عندما كنت طالبة؛ رفضت نخع ضفدع، وذهبت إلى دكتور المادة الراحل "زياد قطب"، فكان رد فعله بالقول: (يا بنتي عندما أدخل مكتبي؛ وأجد الذباب على النافذة أخرجهم بكل هدوء، بينما لإجراء بحث يلزمني أن أقتل 100 سمكة كحيوانات تجارب، والمبرر الوحيد هو العلم والبحث العلمي). وكسوريين هناك الكثير من الأبحاث التي تهم البشرية، وهناك أبحاث تجرى من أجل الترفع أو التخرج، وتقليد الغير، ففي النهاية ليست كل الأبحاث على مستوى واحد، وهناك أبحاث ذات قيمة تطبيقية، لكن للأسف لا يوجد ربط حقيقي للجامعة بالمجتمع، فالعلوم مادة حية وحيوية، واستغلالها شيء أساسي للنهضة والتقدم».

الدكتورة "لينا زهر الدين" نائب عميد الكلية، وإحدى أهم الكوادر المؤسسة لكلية العلوم في "السويداء" قالت عن عمل الدكتورة "زحلان": «هي واحدة من أنجح الكوادر العلمية الموجودة في الكلية، ومن الأشخاص الذين يتمتعون بحب واحترام الجميع، وخاصة الطلبة الذين يقبلون على محاضراتها بشوق. فهي غير تقليدية، ودائماً ما تعطي المحاضرة حقها، وتصنع الفارق مع الطلبة من خلال دروس العملي التي تحولها إلى رحلة أو فسحة وتمرر معلوماتها بيسر وسهولة.

والدكتورة "ربيعة" كانت وما زالت السباقة بالمبادرات والنشاطات الحيوية. تفكر بشكل جمعي بعيد عن الشخصنة، وهو سر نجاحها».

يذكر أنّ الدكتورة "ربيعة زحلان" من مواليد قرية "الجنينة" في محافظة "السويداء" عام 1974.