أخذتْ على عاتِقها تربيةَ وتعليمَ من تخلى عنهم المجتمع، وتبنت شعارَ "أنا أستطيع"، فأبدعت نتاجاً تفخر به أمام المجتمع، وتنافس به في سوق العمل.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 6 تموز 2019 التقت "حياة منذر" في مركزها في بلدة "القريا"، فتحدثت عن ظروف حياتها قائلةً: «وُلدت في محافظة "القنيطرة" سنة 1957 حيث كان والدي يعمل هناك، وتعلمت في مدارسها حتى أنهيتُ دراستي الثانوية، وتابعتُ تعليمي في معهد التربية الرياضية، وتخرجت منه وتوظفت في مدارس "السويداء"، وعملت فيها حتى قدمت استقالتي في عام 2015؛ لأنتقلَ إلى عملٍ جديدٍ اخترته بنفسي وتحديتُ ذاتي والمجتمع فيه».

لاحظت الفرق في سلوك ابني بعد أن ذهب إلى المركز، فقد أصبح أكثر مرحاً في حياته اليومية، وأصبح يقدر قيمة الأشياء، ويتعامل مع أشقائه وأصدقائه بشكل أفضل، حتى نظرة المجتمع تغيرت اتجاهه

وتتابع عن الطريق الذي غيرَ حياتها: «رزقت بطفلي الأول "حسن " في عام 1980، حيث كان يعاني من (متلازمة داون)، والتي كان ينظر الناس إلى أصحابها على أنّهم متخلفين، لكن هذا الشعور لم ينتابني ولا للحظة واحدة، وكان تصميمي كبيراً بأنْ أجعلَ منه إنساناً يعيش حياة عادية، وبدأت التواصل مع الجمعيات والمعاهد التي تعنى بهذه الحالات، وكيفية التعامل معها وتنمية المهارات لديها، فلم يكن الأمر سهلاً؛ حيث إنّ معظمَ هذه المعاهد كانت في "دمشق"، والمواصلات صعبةٌ في ذلك الحين، ولكن تصميمي كان يزداد يوماً بعد يوم؛ وأنا أرى "حسن" يتطورُ ويستجيبُ بشكل جيد لتعليماتي وملاحظاتي، حتى أصبح قادراً على عمل أشياءَ كثيرةٍ يفاجئني بها، ويزيد ثقتي به».

مع الأطفال تعلمهم صنعة

وتتابع قائلة: «كنت أرى أقرانَ "حسن" الذين يعانون من المشكلة نفسها، ويؤلمني عدم حصولهم على الاهتمام اللازم والكافي ليصبحوا أناساً مندمجين بالمجتمع ومنتجين بالوقت نفسه، وهنا جاءت الفكرة بإنشاء مركز يعتني بهم ويعلمهم، ويسلط الضوء على مشكلتهم حتى نصنعَ من الضعفِ قوةً، ومن المستحيل واقعاً وإرادةً، ولنثبتَ للجميع أنّنا بالإرادة نستطيعُ تحويلَ الحلمِ إلى حقيقة، فبدأنا العمل بمجهودٍ شخصي، وبدعمٍ بسيطٍ من أفراد عائلتي، وبعضِ المتعاطفين معنا من أهالي بلدتي "القريا"».

وتضيف عن بداية العمل: «"أنا أستطيع"؛ كان الشعار والهدف الذي وضعته نصب أعيني لأنطلق من خلاله، وأجعل من هؤلاء الأشخاص أناساً فاعلين منتجين قادرين على تأمين مصروفهم، وحتى مساعدة عوائلهم ولو بشكل جزئي من خلال تعليمهم بعض الحرف اليدوية من صناعة وتشكيل الخرز وصناعة الإكسسوارات والمسابح والعقود، والتي أتقنوها بشكلٍ جيدٍ وبمساعدة بعض المتطوعين المختصين، حيث لاقت تلك الأعمال رواجاً في الأسواق، ودعماً من أهالي البلدة رغم قلة التصريف وعدم مساعدتنا بشكل فاعل وجاد من الجهات المسؤولة التي توقعتُ منها الدعمَ الكثيرَ لهذا المشروع الإنساني بامتياز، ولم أزلْ على ثقةٍ بدعمهم واهتمامهم».

الصيدلانية غالية مراد

"غالية مراد" صيدلانية متابعة لشؤون ونشاط مركز "أنا أستطيع" تقول: «أسست "حياة منذر" هذا المركز بجهودها وإرادتها الجبارة مع الإمكانات المادية القليلة، وذلك يعدّ خطوةً رائدةً على طريقِ دمجِ الأشخاصِ الذين يعانون من متلازمة الحب -كما أسمتها الأنسة "حياة"- مع المجتمع من خلال النشاطات التي يقوم بها؛ بالاشتراك مع الجمعيات الأهلية، والمنظمات المحلية، وهي تسعى لأن تحظى باهتمام ورعاية الجهات المسؤولة، ودعمها من جميع النواحي المادية منها والاجتماعية».

"حمود شقير" والد أحد الأطفال قال: «لاحظت الفرق في سلوك ابني بعد أن ذهب إلى المركز، فقد أصبح أكثر مرحاً في حياته اليومية، وأصبح يقدر قيمة الأشياء، ويتعامل مع أشقائه وأصدقائه بشكل أفضل، حتى نظرة المجتمع تغيرت اتجاهه».

ذوي الهمم مع معلمتهم