يعمل "سلمان قطيش" على نشر مبادرة التعليم والتعلّم، ويسعى نحو المعرفة على الرغم من فقدان بصره، ليكون نموذجاً للإرادة والتصميم نحو الحياة ومواجهاتها بكل واقعية، ومن دون أن يكون الماضي عائقاً في حياته الحافلة.

حول مسيرة حياته وفضاء المعاناة، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الثاني 2018، التقت "سلمان قطيش" الجامعي الصامت، الذي بيّن قائلاً: «في قرية "مصاد" كانت ولادتي عام 1962، ضمن أسرة يكتنفها التناقض؛ حبّ العلم والمعرفة، والفقر الجامح، والعمل الدؤوب في الزراعة، فقد تفتحت عيناي وأنا أرى خيرات الأرض تعكس جمالها على روح أفراد الأسرة التي ضمت تسعة أفراد، فبعد أن درست الابتدائية في قريتي أتممت دراستي الإعدادية والثانوية بمدينة "السويداء"، ودرست عاماً في الهندسة المدنية بجامعة "حلب"، حتى جاءتني منحة منظمة "الهلال الأحمر" إلى "الاتحاد السوفييتي" سابقاً لدراسة الطب البشري، فكانت بالنسبة لي الأكثر رغبة، فشديت الرحال للسفر، وبالفعل درست الطب حتى السنة الرابعة، وإذ بدأ المرض يأخذ طريقه إلى عينيّ؛ وهو مرض وراثي يدعى التهاب الشبكية الصباغي، وعلى الرغم من مقاومته كثيراً، إلا أنه تغلّب عليّ فتراجع بصري. كنت مؤهلاً ولي دراسات وأبحاث عديدة، عدا الأبحاث التي سعيت لأجلها، ونتيجة عدم قدرتي على إتمام دراسة الطب تحولت إلى اختصاص التربية وعلم النفس، فكوّنت مع اللغة الروسية علاقة مميزة، حتى بدأت كتابة الشعر الروسي، كما الشعر العربي، وأقوم بترجمة وتدريس الأدب الروسي، ومساعدة الطلاب الوافدين في عدة اختصاصات، وكم أدهشني التناقض بين الفلسفة المادية السائدة والاعتقاد الشعبي الروحاني الأقرب إلى الوثني، وفي تلك الظروف اكتملت شخصيتي الثقافية، ولم أقف عند حدّ علم النفس، بل اطلعت على علوم كثيرة منها إبداعية في الأدب، وأخرى تطبيقية، ومنها علوم قائمة على التجريب والنظريات العلمية».

عرفت "سلمان قطيش" منذ عقود في الغربة حين كنا ندرس في "الاتحاد السوفييتي" معاً، عرف بتميزه وفطنته وقوة إدراكه وسرعة حفظه، وإتقانه للغة الروسية بتميز منقطع النظير في وقت قصير جداً، حتى كتب الشعر الروسي وألقاه في بعض المناسبات، وبات مرجعاً للروس أنفسهم في تاريخهم وأدبهم، وهو اليوم يقوم بمبادرة إنسانية تنحصر في تدريسه الطلاب المحتاجين للعلم المواد العلمية والأدبية مجاناً. وعلى الرغم من وضعه الصحي إلا أن إرادته تغلبت على صعابه ومعاناته، وبحق يعدّ مرجعاً في قضايا عديدة، والأهم أنه عاد والتزم منزله وعمد العمل الحر الزراعي؛ من خلال تربية عدد من رؤوس الأبقار لكسب العيش الكريم، ولم يترك المتابعة لأهم وأحدث الدراسات العلمية من الفيزياء والعلوم التطبيقية، والرياضيات، والفلك، والطب، والأدب بأجناسه، إذ يملك موهبة شعرية ويستطيع الارتجال في اللحظة التي يريد من الشعر الفصيح وعلى البحور المعروفة، ولعمري لو قيض لمؤسسة حكومية أو منظمة غير حكومية أن تتبنى هذه شخصية العلمية الإبداعية، لحققت فائدة كبرى للمجتمع وللعلم معاً

وتابع يسرد حكايته مع العلم والمبادرات الذاتية التي قام بها: «لأن لغتي الروسية قوية جداً، استطعت أن أدرك قواعدها، وأثناء دراستي التربية وعلم النفس كانت لي مبادرات في إعطاء الدروس التعليمية ومساعدة الكثيرين في كتابة رسائل التخرج، حتى إنني بتّ أشرح للروس أنفسهم دروساً في الفيزياء والكيمياء والطب، وأعدّ التصنع في السلوك نوعاً من التخريب. حين عدت إلى أرض الوطن لم أبحث عن عمل وظيفي، بل اقتنعت أنني خلقت للطبيعة وإلى الطبيعة أعود، وهي تمنحني القوة والإرادة، لهذا عملت على إحداث مزرعة صغيرة لتربية الأبقار أجني منها ما يكفي عيشي وقوتي اليومي، وقمت بتدريس طلاب الحي والحارة التي أقطن فيها مجاناً مواد علمية وأدبية، حتى بتّ -على الرغم من وضعي الصحي- المرجع لهم في التعليم، وأنا أؤمن بأن التقانة الوافدة إلينا لا بد من استغلالها في نشر أفكارنا الإبداعية، كالشعر مثلاً، لهذا أنشر أشعاري التي أكتبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها هذه القصيدة على سبيل المثال:

الدكتور بسام أبو ترابي

تجشمت الفؤادَ ورحت أحبو... على شوكِ الحياةِ وصوتي يخبو

أمر بهامــش الدنيــا خفيــفاً... أغازل وحدتي وإلـيها أصبو

الأستاذ سلمان قطيش

تبــادلني الغرام ولا تـبالـي... إذا قومٌ لســوء الظــنِّ هـبّوا

وأسألها الوصـال بلا حياءٍ... فيدنو وصالها ويطيبُ قربُ

تعانقني وتبذل فــي سخاءٍ... حنانـاً ينتـشي للــقاه قــلبُ

واليوم أعيش عزلتي مع نفسي وبين أفكاري، وأعبر بصوتي الأدبي والثقافي وفق المتاح لي من أساليب التواصل، مؤمناً بما أقدم لنفسي، راضياً بما وهبت».

وأوضح الدكتور "بسام أبو ترابي" الأكاديمي في جامعة "دمشق" علاقته بـ"قطيش"، قائلاً: «عرفت "سلمان قطيش" منذ عقود في الغربة حين كنا ندرس في "الاتحاد السوفييتي" معاً، عرف بتميزه وفطنته وقوة إدراكه وسرعة حفظه، وإتقانه للغة الروسية بتميز منقطع النظير في وقت قصير جداً، حتى كتب الشعر الروسي وألقاه في بعض المناسبات، وبات مرجعاً للروس أنفسهم في تاريخهم وأدبهم، وهو اليوم يقوم بمبادرة إنسانية تنحصر في تدريسه الطلاب المحتاجين للعلم المواد العلمية والأدبية مجاناً. وعلى الرغم من وضعه الصحي إلا أن إرادته تغلبت على صعابه ومعاناته، وبحق يعدّ مرجعاً في قضايا عديدة، والأهم أنه عاد والتزم منزله وعمد العمل الحر الزراعي؛ من خلال تربية عدد من رؤوس الأبقار لكسب العيش الكريم، ولم يترك المتابعة لأهم وأحدث الدراسات العلمية من الفيزياء والعلوم التطبيقية، والرياضيات، والفلك، والطب، والأدب بأجناسه، إذ يملك موهبة شعرية ويستطيع الارتجال في اللحظة التي يريد من الشعر الفصيح وعلى البحور المعروفة، ولعمري لو قيض لمؤسسة حكومية أو منظمة غير حكومية أن تتبنى هذه شخصية العلمية الإبداعية، لحققت فائدة كبرى للمجتمع وللعلم معاً».