استطاعت "سوسن نصر" أن تجعل من التعليم مهنة لاكتشاف المواهب اليافعة، واتخذت من قلبها الدافئ عامل إبداع للإشراف على مواهب شابة وتقديم العون في اللغة والنقد والحضور الأدبي على المسرح الثقافي.

حول تكوين العلاقة بين التعليم والإشراف على المواهب الشابة وبداية المبادرة، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 حزيران 2018، التقت المربية "سوسن نصر" مدرّسة اللغة العربية في مدرسة "الكرامة" بمدينة "السويداء"، التي بينت قائلة: «لم تكن رغبتي في اكتشاف المواهب ومتابعتها وليدة مصادفة، بل جاءت عقب تفكير عميق بضرورتها، وانطلاقاً من أنني كنت يوماً أتمنى لو يؤخذ بيدي نحو هذا الطريق، لكن بقيتْ هذه اليد وحيدة، إلا ما كان عابراً، كما دكتور الجامعة عندما استوقفَه مطلع قصيدة كنت قد كتبتها ولم أضبط وزنها تماماً، وبداية رواية وبعض الخواطر والمذكرات السابقة. ومن هنا قررت أن أحمل هذه الرسالة، آخذة بعين الاعتبار المرحلة العمرية التي تبدأ بها الموهبة التفتح، فكان اختياري للمرحلة الإعدادية التي أظهرت لي في تلك المرحلة مواهب طلاب الصف السابع في المدرسة التي أعمل فيها، من خلال مناقشة مواضيع التعبير، حيث اصطفيت في ذاك العام سبع مواهب، طلبتُ منهم كتابة فنون أدبية مختلفة لأتفاجأ بمقال اجتماعي فلسفي "ظلُّ الله على الأرض"، وشعر وطني "بغداد مدينة الفرح"، وآخر "البيت الأبيض أسود"، وغيرها. من هنا اقترحتُ على إدارة المدرسة تقديم هذه المواهب المميزة على خشبة مسرح التربية، وكان اقتراحاً مستهجناً بالنسبة لهم، لكن نتيجة الإصرار وبعد مطالعتهم النصوص المميزة استجابوا لرغبتنا، فكانت الأمسية الأولى لتنشيط المواهب ودعم تمكين اللغة العربية التي كنّا السباقين فيها، وبدعم من أولياء الأمور ومساعدة إدارة المدرسة كان لنا ذلك، وحققنا نجاحاً لافتاً، ومن هذا النجاح شققنا الطريق لتكون الأمسية الثانية في العام التالي بعدد أكبر من المواهب وأعمار مختلفة وحضور أكبر وتقنيات جديدة».

عملت زميلتنا المربية "سوسن نصر" ضمن سلك التعليم على اكتشاف مواهب شبابية أدبية، وجاهدت في تقديمها على المسارح الثقافية المتنوعة، وتابعتها بأسلوب تربوي إلى درجة أنك تحس حينما يقدم أحد طلابها نصاً بأنه لها وملكها وتدافع عنه برغبة جامحة وحب عميق، لإيمانها القاطع برسالتها الإنسانية والأدبية والتربوية، وهذه المبادرة الطيبة التي تعدّ نادرة هذه الأيام اتخذتها "سوسن نصر" لتكوّن ثقافة خاصة بين المربين والمعلمين

وتابعت القول: «كان لا بد من تقسيم العمل والتخطيط الدقيق له، ودراسة نوع الموهبة وما إذا كانت مجرد طفرة ناتجة عن موقف ما كفقد أو مرض أو غيرها، أو أنها بالفطرة، ولكل منهما طريقة في المتابعة، كذلك تقبُّل أفراد المجموعة للأفكار المطروحة والتفاعل الإيجابي ضمن العمل الجماعي، فكان دوري هنا الحث على المطالعة، وتنقيح النصوص، وضبطها، والتدريب على طريقة الإلقاء، وتسهيل طرائق التعامل مع الشباب، فلكل موهبة طبيعة وطريقة تفكير، وفي مرحلة المراهقة الأكثر حساسية وانفعالاً خاصة لدى الفتيات. ومن هنا وجدت أن لكل فرد مفتاحه الخاص، ومن الواجب المرونة في التعامل معه، وفهم وجهة نظره والتقرب إليه، وكل ذلك منحني الخبرة في التعامل مع هذه الفئة، ومكّن أواصر الصداقة بيني وبينهم وجعلهم يتنافسون تنافساً إيجابياً ويشاركونني التخطيط ورسم الأهداف، فوصلنا إلى الارتقاء بالمجموعة، وتميز مواهبها عن بقية الفعاليات التي انطلقت بعدنا، فانضمت إلينا مواهب من مختلف أنحاء المحافظة، وأضحوا يعملون كخلية نحل، فكثفنا اللقاءات، وكان للتوجيه الاختصاصي في اللغة العربية دور في مواكبة نشاطاتنا وتشجيع مواهبنا، حيث قدمنا في أماكن مختلفة انطلاقاً من مسرح التربية إلى فرع اتحاد الكتاب العرب بـ"السويداء"، ثم المراكز الثقافية. ومن هنا توافدت إلينا المواهب المختلفة (أدبية وعلمية) وغيرها من موسيقا وغناء وتمثيل ورسم، وحاولنا استيعابها، كان لا بد من تعاون أفراد المجموعة الأقدم مع الأفراد الجدد ومساعدتي في صقل مواهبهم كلٌ حسب اختصاصه؛ وهو ما أدى إلى وجود بيئة يتبادل فيها الأفراد ثقافاتهم المختلفة.

نغم عماد

حاولتُ جاهدة تخصيص مجموعتنا ما يكفيها من وقتي يقيناً أنهم يستحقون كل جهد، فستوكل إليهم المهام لاحقاً، خاصة بعد أن أضحت المجموعة ذائعة الصيت على مستوى المحافظة واقعياً، وتخطت الحدود. لا شك أن الحب كان الدافع والوسيلة، فهو ما دفعني إلى تحقيق الفكرة، فعندما نحب الهدف نسعى إلى تحقيقه، وعندما نحب الأشخاص الذين نتعامل معهم نشعر بالتكامل والتكاتف، ويصبح سعينا مشتركاً أكثر إلى الأسمى، فكان إيماني مطلقاً بأن المحبة تبني الروح الجامحة، وأنها اللبنة الأساسية لبناء وطن معافى».

وبينت المربية "سلوى عبيد" قائلة: «عملت زميلتنا المربية "سوسن نصر" ضمن سلك التعليم على اكتشاف مواهب شبابية أدبية، وجاهدت في تقديمها على المسارح الثقافية المتنوعة، وتابعتها بأسلوب تربوي إلى درجة أنك تحس حينما يقدم أحد طلابها نصاً بأنه لها وملكها وتدافع عنه برغبة جامحة وحب عميق، لإيمانها القاطع برسالتها الإنسانية والأدبية والتربوية، وهذه المبادرة الطيبة التي تعدّ نادرة هذه الأيام اتخذتها "سوسن نصر" لتكوّن ثقافة خاصة بين المربين والمعلمين».

المعلمة سوسن نصر

ومن طالباتها "نغم عماد" تقول: «منذ كنت في الصف السابع، والمربية "سوسن نصر" تعمل معنا لإظهار مواهبنا، باحثة عن العديد من الزملاء الذين واكبوا المرحلة وتابعوا من دخل جديداً أيضاً، وكنت أشعر بأن اهتمامها يعني دوافع تحمل أبعاداً متعددة، أولها إنسانية: أن معلماً يقضي وقتاً هذه الأيام لأجل هدف ثقافي سامٍ، ربما هذا بات نادراً، لكنها أثبتت أنها الأم الحنون والمعلمة الفاضلة الباذخة بعطائها إلى درجة التفاني، وهي مصممة على الإشراف علينا باللغة والأداء والنقد والحضور والإلقاء. واستطاعت أن تخلق منا مجموعة أسمتها "بناة الفكر"، حيث وجدت في أكثر من عشرين طالباً وطالبة المناخ الأدبي المناسب ليمثل نموذجاً لأدب الشباب، اليوم أنا في الجامعة أدرس طب الأسنان، لكني ما زالت أمامها طالبة للعلم والمعرفة؛ أنهل من معينها الأدب والقيم والإصرار على تحقيق الهدف».

يذكر أن المربية "سوسن نصر" من مواليد "السويداء"، عام 1976.

من جلساتها مع طلابها