عشق المدرّس "مثقال الحجلي" اللغة العربية، وخرج معها بطلابه من فروض التقليد والقوالب الجاهزة، إلى فعاليات حية تحاكي الواقع منطلقاً من فكرة أن التعليم ليس لإعداد شخصية تقضم المعلومات.

لأن التعليم فسحة للتربية والتنشئة على جميل المعاني وأناقة العبارة وفي رحاب جمالها، يذهب المدرّس ليطبق نموذجه الخاص المتكئ على ما تجود به اللغة، بأنشطة ثقافية تعتمد المهارات الذاتية التي تجسد منهجاً تربوياً؛ وذلك لقناعته بأن اللغة قادرة على بث جمالها وعطائها وقيمها عبر الأجيال، وهذا ما جاء في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 نيسان 2018، وقال: «أؤمنُ بأنّ لغةَ شعبٍ ما هي مكوّن أساسي من مكونات وجودِه، كالتاريخ والعادات والتقاليد، وهي الناقلة والحاملة لإرثه وحضارته وعلومه. علاقتي باللغة العربية بفصيحها وبلهجاتها المحكية وكل ما يتصل بها من قصص ومآثر قديمة تعود إلى مرحلة الطفولة، حين كانت تستهويني القصص والردود والبلاغة، والأبيات الشعرية المؤثرة، وشاءت الأقدار أن أدرسها دراسة أكاديمية، وأكتبها شعراً ونصاً قصصياً لطلابي نصيب كبير منه، ليتحول إلى فعاليات تجعل اللغة محببة وقريبة منهم».

هي نشاط تمثيلي حواري فكرته تتلخص بحارة مفتوحة على ساحة واسعة، وعلى جوانب الساحة مجموعة من المحال والبسطات التي يحمل كل اسم مثل مدرسة لغة الحياة، طيبات اللغة، أجمل أشعار الحكمة، أجمل ما قيل في الكنايات، محكمة اللغة، وواحة الشعر، حيث البائعون الأساسيون يلبسون لباساً تراثياً، ويقدمون بضاعتهم اللغوية. والغاية من هذا النشاط اكتساب قوة الشخصية وتمكين اللغة العربية لفظاً وتعبيراً، وهذا نشاط يقدم في المدرسة بحضور الأهالي ومشاركتهم

مهنة التدريس ممتعة كما استطرد بالقول: «شخصياً أعطي لأنني لا أحبُّ أن أكون شخصاً عادياً، وقد يكون لأنني أحبُّ الكرم كإحدى الصفات النبيلة للإنسان بالحقيقة، ولأن الأقدار لعبتْ دوراً فأصبحتُ معلّماً وأنا لم أكن أعرف حتى كيف يصبح الشخص معلّماً، لكني أثق بالأقدار وأظنّ أنها اختارت المناسب لشخصيتي. ففي التعليم وجدتُ ذاتي ولو خُيّرت ألف مرة، لن أختار إلا أن أكون معلّماً. أما ما الذي يدفعني للعطاء على الرغم من الظروف؟ فالجواب: الظروف نفسها؛ لأنني أظن أن معلمنا استحق ويستحق أفضل من ظروف كهذه، وعلى كل الصعد، معلمنا مثالٌ يُحتذى وفارسٌ لا يشقُّ لهُ غبار في الخليج العربي وغيره، مثلي دائماً للعطاء، وما قاله "خالد بن الوليد" لـ"عمر بن الخطاب" بعد عزله بعد معركة "اليرموك": "إننّا نجاهدُ كي يرضى الجهادُ بنا، ولا نجاهدُ كي يرضى بنا عُمَر"».

المدرّس مثقال الحجلي

وعن فعاليات نظمها رغبة بتوجيه الطفل توجيهاً صحيحاً، وغرس بذور العلم، يضيف: «استثمرت ما تيسر لي من معلومات في مسرح الطفل، وتعلقي بالأدب، وحاولت مع زملائي إقامة فعاليات متنوعة كتبت لها، منها: "سوق عكاظ"، و"مدينة اللغة العربية"، وأنشطة يطول الحديث عنها لقناعتي بأن أفضل التعليم ما كان فيه المتعلمُ فاعلاً، وليس متلقياً فقط، لما له من دور في تكوين الشخصية وجمالية التجربة وانطلاق الموهبة، وهو ما تركّز عليه الآن المناهج الحديثة.

بالنسبة لي أؤمن بأنّ علينا إعداد شخصية متكاملة واثقة من نفسها، وليس إعداد شخصية تقضم المعلومات، وتجمعها جمعاً كالببغاء. من هنا كانت نشاطات مسرح الطفل، ومسابقات مدرسية مختلفة الأسماء والعناوين، كالمناظرات الثقافية بطرائقها المختلفة، ومسابقة من "سيربح المليون"، وألعاب رياضية صغيرة، وبطولة سنوية لكرة القدم أصبحت في عامها السابع، وبرنامج الاستضافة، ومسرح الدمى، ومسابقات الإلقاء الشعري، وآخرها نشاط "مدينة اللغة العربية".

من التحضير لفعالية مدينة اللغة العربية

وهدفٌ آخر أسعى إليه من خلالها، وهو توجيه الأطفال إلى ما فيه قيمة، ولو كانوا صغاراً؛ أؤمن بأنهم سيكبرون وتكبرُ معهم الفكرة، فيصيرون حماتها ودعاتها وفرسانها في مثلنا الشعبي نقول: "اللي ما بيربّي صغير، ما بيلاقي كبير"».

ومن أمثلة النشاطات يسوق لنا مثل "مدينة اللغة العربية" التي كتب نصوصها وقدمها مؤخراً وعرفنا بها، بالقول: «هي نشاط تمثيلي حواري فكرته تتلخص بحارة مفتوحة على ساحة واسعة، وعلى جوانب الساحة مجموعة من المحال والبسطات التي يحمل كل اسم مثل مدرسة لغة الحياة، طيبات اللغة، أجمل أشعار الحكمة، أجمل ما قيل في الكنايات، محكمة اللغة، وواحة الشعر، حيث البائعون الأساسيون يلبسون لباساً تراثياً، ويقدمون بضاعتهم اللغوية. والغاية من هذا النشاط اكتساب قوة الشخصية وتمكين اللغة العربية لفظاً وتعبيراً، وهذا نشاط يقدم في المدرسة بحضور الأهالي ومشاركتهم».

المدرّسة جيما بحصاص

بمحبة يقدم خلاصة أفكاره وأشعاره ونصوصه الأدبية، ويسخرها لمشروعه التدريسي وخدمة طلابه، كما تحدثت المدرّسة "جيما بحصاص" زميلته في أنشطة "مسرح الطفل"، وفعاليات أنجزاها خدمة للطفولة والطفل، وقالت: «يتميز بصفات نادرة للعطاء، ويتعب ليقدم ويجمع الجميع بمحبة من غير رغبة لتميز فردي، فعلى العكس كل نشاطاته تتميز بروح الجماعة، وقد امتلك مهارة بإجراء المسابقات الثقافية بين الطلاب التي يشارك فيها الأهل، الأمر الذي خلق أجواء رائعة من التنافس بمحبة. إلى جانب نشاطه الأدبي في الشعر والقصة القصيرة المسخر لمسرح الطفل، والإعداد لمسابقات الألعاب الصغيرة، التي تعودنا إقامتها سنوياً مع مباريات كرة القدم. وكنا نشهد مرحلة مميزة تسودها حماسة غير عادية، وكزملاء يشاركنا معه المسؤولية، وأجمل نشاط برأيي "سوق عكاظ"، حيث رتب حديقة المدرسة بطريقة جديدة، وقدم فيها الأطفال أشعاراً ومبادئ باللغة العربية قمة بالروعة، كل هذا جعل محبة الطلاب له لا تقبل المنافسة، ليبقى بالنسبة للطلاب قدوة رائعة للمعرفة والعطاء والمحبة».

ومن أشعاره:

"لأشــتُـمـنّـكَ مـن شـَتـْمِ الـذي صــامَ

عـن الـسُـبـابِ لأعــوامٍ وأعــوامــا

لأحــلِـفـنَّ عـلى عـذراءِ قـافــيتـي

لأسمينك للـعُـشـّاق ظـَلّامـا

يا سارقـاً لـغـتي.. همسي.. وخاطرتي

مـَنْ ذا يـناصـِرُ مـسلـوبـاً وأحـلامـا؟

نـامَ الجـنـونُ على آهاتِ أغنيـتي

وصـوتُ بـوحـِكَ في عـينـيَّ مـا نـامَ"

ما يجدر ذكره أن المدرس "مثقال صقر الحجلي" ١٩٧٩ قرية "المشقوق" تخرج من أهلية التعليم الابتدائي عام ١٩٩٩، ونال إجازة باللغة العربية من جامعة "دمشق" عام ٢٠٠٨. استحق التكريم من مديرة التربية ونقابة المعلمين ومن منظمة الطلائع عدة مرات، كتب الشعر الفصيح العامودي والشعر الحر والشعر الشعبي بمختلف ألوانه، والقصة القصيرة والمسرحية والخاطرة والزجل ولديه مجموعة شعرية خاصة لم تنشر بعد.