تُعبّر "ردينة عطا الله البربور" عن تجربة عمرها عشر سنوات، عقدت العزم على منازلتها لتأخذ أجمل ما فيها، محققة خطوات جديدة في التعليم ورعاية أسرتها وتحمّل المسؤولية.

في سنوات المراهقة، لم يكن لديها خيار لتتابع دراستها، حيث تزوجت بعمر مبكر، واستقرت مع زوجها في "السويداء"، وشاء القدر أن يتوفى بعمر مبكر، وتبقى مع أولادها الأربعة.

كلية الحقوق كانت رغبتي الأولى، لكن المعدل المطلوب كان أعلى من معدلي، فسجلت في قسم الفلسفة، وباشرت الدراسة، لكن التزامات العائلة منعتني العام الفائت من المتابعة، فقد كبر الأولاد وزادت احتياجاتهم. ومع بداية هذا العام هيأت نفسي، وباشرت الدراسة مع العلم أن لدي أعمالاً كثيرة ومرهقة، فأنا مضطرة أن أستفيد من أي فرصة عمل يمكن من خلالها تحسين الدخل، فراتب زوجي وراتبي يوفران جزءاً من احتياجاتنا كأسرة لها متطلبات كثيرة، ولغاية هذه المرحلة أعمل مع شركة تسويق متخصصة بدورات البرمجة اللغوية العصبية لأطور نفسي، وأكتسب مهارات إلى جانب تحسين الدخل، وأكمل تعليمي، ولدي ثقة أن الحصول على الشهادة الجامعية لن يكون نهاية المطاف

صدمة كبيرة ألقت أعباء كثيرة على عاتقها، عن هذه المرحلة وما تلاها تحدثت "ردينة" عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 27 كانون الثاني 2017، وقالت: «اختزنت ذاكرتي الكثير من الوجع، ولم أكن أتوقع أن تضعني الأيام في هذه التجربة، وتقودني الظروف لأكون مسؤولة عن كل التفاصيل، في مرحلة كان فيها أصغر أولادي لا يتجاوز عمره العامين.

المهندسة خلود مسعود

عشت في حالة حوار داخلي دائم، محوره حلم أن يحيا أولادي بسلام، وأتمكن من تأمين متطلباتهم، وكانت الخطوة الأولى الحصول على وظيفة، وهي وظيفة بسيطة في بلدية "السويداء"، حيث كان زوجي يعمل، وكان عملي لتعزيز ثقتي بنفسي متجاوزة شعور الوحدة والخوف من الفشل، ففي هذه المرحلة كانت القرارات صعبة وتحتاج إلى الثقة بالنفس والثبات. وبمتابعة أولادي في المدارس والاهتمام بتحصيلهم العلمي والوظيفة اليومية التي حملتني واجبات جديدة، انشغلت بترتيب أوضاعنا كأسرة كبيرة نسبياً، والاستفادة من الوقت بما يضمن إعطاء كل مهمة حقها، وللخروج من حالة التكرار، وتشجيع أولادي على الدراسة، وفي تلك الساعات الطويلة التي أرافقهم فيها رأيت نفسي طالبة مثلهم، وكنت بحاجة إلى تحسين وضعي الوظيفي من جهة، وشعرت بأن فرصة متابعة الدراسة التي فقدتها قد تعوض مع أولادي.

فتقدمت للشهادة الإعدادية، وخضت تجربة الامتحان، لكن التوفيق لم يحالفني في العام الأول، لكنني لم أفقد الأمل وأعدتها في العام التالي، وتقدمت وابني الأكبر "غالب" للامتحان، كنت أوقظه ليقرأ وأحضر له احتياجاته وبعدها أتابع المراجعة، كانت مرحلة تحتاج إلى كثير من العمل والاهتمام، قد تكون هي التي أهلتني للنجاح، وهذا الظرف تكرر بالشهادة الثانوية، فتجاوز الإعدادية حفزني للتقديم والحصول على الشهادة، وأنا أعرف ما للعلم من أثر، وكيف مدتني هذه التجربة بالقوة والعزيمة.

فالتعليم ليس مشروعاً عابراً أو إجرائياً، فمع كل مرحلة كنت أتلمس آفاقاً جديدة، لأن استقرار شخصيتي وامتلاك القرار والتروي، كان ثمرة حقيقية لهذه التجربة، وبالتحضير للشهادة الثانوية، والصعوبات الكبيرة التي واجهتني تضاعف الجهد، وباتت أوقاتي مملوءة بتفاصيل مختلفة، ولا أنكر أنني وجدت صعوبة بالمنهاج، وحصلت على دروس وقدمت ما لدي من جهد، كنت أدرس وابني، وكنا نتعامل كرفاق دراسة، لكن الاهتمام الأكبر كان به وإخوته، وقد حصلت على الشهادة، لكن فرحتي لم تكتمل؛ لأن ابني لم يوفّق في ذلك العام».

متابعة الدراسة الجامعية حلم تعمل بإصرار لتحقيقه، وتقول: «كلية الحقوق كانت رغبتي الأولى، لكن المعدل المطلوب كان أعلى من معدلي، فسجلت في قسم الفلسفة، وباشرت الدراسة، لكن التزامات العائلة منعتني العام الفائت من المتابعة، فقد كبر الأولاد وزادت احتياجاتهم. ومع بداية هذا العام هيأت نفسي، وباشرت الدراسة مع العلم أن لدي أعمالاً كثيرة ومرهقة، فأنا مضطرة أن أستفيد من أي فرصة عمل يمكن من خلالها تحسين الدخل، فراتب زوجي وراتبي يوفران جزءاً من احتياجاتنا كأسرة لها متطلبات كثيرة، ولغاية هذه المرحلة أعمل مع شركة تسويق متخصصة بدورات البرمجة اللغوية العصبية لأطور نفسي، وأكتسب مهارات إلى جانب تحسين الدخل، وأكمل تعليمي، ولدي ثقة أن الحصول على الشهادة الجامعية لن يكون نهاية المطاف».

لم تجعل همومها ترافقها للعمل، كما حدثتنا "خلود مسعود" ماجستير بالهندسة الزراعية، ونائبة مديرة مركز النافذة الواحدة في مجلس مدينة "السويداء"، وقالت: «عملت "ردينة" في مجلس مدينة "السويداء" منذ سنوات، وقد عرفتها من خلال عملها والتزامها، هي صورة جميلة لسيدات كثر في منطقتنا امتلكن القدرة على تحدي الصعاب، وإثبات الشخصية، ومن الواقع نعرف أن المرأة بوجود الزوج تقوم بمهام كبيرة، فكيف عندما يتوفى.

ففي كل المراحل تابعتها، ولم أشعر يوماً بأنها أظهرت التعب، تقوم بواجبها بإصرار، ولا ترافقها هموم المنزل إلى العمل، ومنظمة كثيراً، فقد اكتسبت من تجاربها الثقة والقوة، تتعامل مع الواقع بصدق من دون مبالغة، ولم تستثمر ظروفها التي نعرف جميعاً أنها مرهقة وصعبة، متعاونة لكونها امتلكت الوعي واستطاعت الانتقال بأولادها في سنوات قليلة إلى حالة الاستقرار وتحقيق النجاح، وعلى الرغم من كل الصعاب، سارت على مسار التحصيل العلمي، وفي مرحلتها الجامعية الجديدة أعدّ وجودها مكسباً كبيراً تبعاً لجهودها، ومثالاً للعمل الجاد».

ما يجدر ذكره، أن "ردينة البربور" من مواليد قرية "الهويا"، عام 1975، طالبة فلسفة، سنة أولى، وأمّ لأربعة أولاد، وموظفة في مركز النافذة الواحدة في بلدية "السويداء".