بين حالتين صحيتين تقاسمت سنوات العمر، يرسم "حسان شقير" ابن بلدة "القريا" مشوار حياته الذي لا يمنعه من العمل، أو ممارسة موهبة الغناء والتفاعل مع المجتمع بعمل ثقافي له أثر.

في مكتبه يمارس مهمته في تنظيم المحاضرات وانتقاء المحاضرين، ودعوة أهالي القرية وفعالياتها مستثمراً ملكة حفظ الأرقام والعمل بمفرده، ليكون حضوره مميزاً وفاعلاً، هذا الحضور يرضيه بناء على رغبته الشخصية. فهو يحدثك عن التأقلم ومحاولة الاعتماد على الذات التي اختارها، تجربة فيها معاناة، لكنها لا تخلو من المتعة التي تقدم له التعويض عن التعب والجهد الذي يبذله لمتابعة مشوار الحياة، كما تحدث من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 كانون الأول 2017، وقال: «اختلفت حالتي الصحية عن إخوتي منذ الصغر، وكانت لدي صعوبة التنقل والمشي، وكانت فرصتي قليلة للعب والتحرك مثل أقراني؛ إذ ولدت مع إعاقة بالأطراف السفلية وتطورت الحالة، وأدركت في مرحلة مبكرة ما علي فعله لأحصل على شهادة علمية تحصن وجودي في الحياة، وتعبد طريق الحصول على عمل ينسجم مع وضعي الصحي.

تعلمت العزف السماعي في مرحلة مبكرة، وتابعته في سنوات الجامعة وما بعدها، لكن بفضل الأستاذ "عدنان الحمد" وهو مدرب متخصص، تمكّنت من إتقان العزف وفق "النوتة"، هذه الموهبة قدمت لي الكثير، وهي المساحة التي تسعدني برفقة الأصدقاء والأهل، وقد شاركت في حفلات جمعية "المعوقين جسدياً" في المحافظة، وشاركت في عدة مهرجانات كانت جماهيرية وممتعة. وفي مواسم الصيف ومع النوادي الصيفية للأطفال في المركز، نشارك معهم في أجواء ممتعة؛ نتعلّم منهم، وأعلّمهم بعض الأغاني التراثية الجميلة؛ أؤديها بصوتي، وأعزف على العود الذي يرافقني كل الأوقات

حين تابعت مراحل الدراسة حتى الشهادة الثانوية لم أنتبه إلى توصيات الطبيب بأن لدي مشكلة كبيرة في العينين لكون المياه الزرقاء أثرت في مستوى الرؤية، وتابعت الدراسة، لكن النتيجة كانت غير ما توقعت؛ لأفقد البصر ولم تعد تجدي العملية نفعاً، هنا كان للإعاقة وضع آخر أضاف صعوبات جديدة أتعبتني مدة قصيرة، ولكوني حصلت على الثانوية على الرغم من الصعاب، كان خيار علم الاجتماع مناسباً جداً من حيث طريقة الدراسة والتخصص، لكونه يتلاقى مع رؤيتي للمجتمع ورغبتي في فهمه وتطوير نفسي لأكون عنصراً فاعلاً ومؤثراً فيه، وأضعف الإيمان أن لا أكون عالة عليه».

حسان شقير

ذاكرته اختزنت أرقام أهالي البلدة وكل الأسماء التي يحتاج إليها في عمله اليومي، كما أضاف بالقول: «في الجامعة كانت آلة التسجيل وسيلتي للنجاح، لكن النجاح في العمل يحتاج إلى جهود ووسائل أخرى، تعرفتها من عملي اليومي في المركز الثقافي في بلدتي، فعليّ مجموعة من الواجبات أحاول إنجازها، بكل ما لدي من طاقة حاولت تطويرها ودعمها بمهارات جديدة ودربت ذاكرتي، ويكفي أن أسمع الرقم مرة لأعيده وأحفظه، ولا أنكر مساعدة الزملاء والأهل، لتبقى محاولتي دائمة لأقوم بعملي كاملاً وكما يحتاج من جهد واهتمام.

وما لا يساعدني البصر على رؤيته، أستعين بالخيال لأعرفه وأفهم ما يحيط بي، فغياب البصر بعد مرحلة الشباب كان أصعب مما تخيلت؛ فقد كنت بحاجة إلى التأقلم مع واقع جديد، أتصور أنني تمكنت من استيعابه جيداً كي لا تقف العوائق في وجهي لممارسة حياة طبيعية وهادئة.

مع ثائر شلهوب

فمنذ سنوات لا أجد صعوبة في التحضير لبرامج المركز الثقافي من محاضرات وندوات، حيث التنسيق مع المحاضرين والفرق وتنظيمها الدقيق، إلى جانب الدعوات والانتباه إلى كافة أصدقاء المركز وخلق علاقات جديدة مع مهتمين بما نقدمه من أنشطة ثقافية متنوعة لا تقل أهمية عن أي فعالية في هذه البلدة الكبيرة، ووجودي في هذا المكان ساعدني على بناء علاقات اجتماعية جيدة مع أهالي بلدتي وأصدقاء من "القريا" وخارجها، وتكوين محيط تعوّد طريقتي المرحة في الحياة والتعامل مع الأمور».

الغناء موهبة تابعها وأرفقها بالعزف على العود انطلاقاً من محبته للغناء الأصيل والتراثي، وقال: «تعلمت العزف السماعي في مرحلة مبكرة، وتابعته في سنوات الجامعة وما بعدها، لكن بفضل الأستاذ "عدنان الحمد" وهو مدرب متخصص، تمكّنت من إتقان العزف وفق "النوتة"، هذه الموهبة قدمت لي الكثير، وهي المساحة التي تسعدني برفقة الأصدقاء والأهل، وقد شاركت في حفلات جمعية "المعوقين جسدياً" في المحافظة، وشاركت في عدة مهرجانات كانت جماهيرية وممتعة.

وفي مواسم الصيف ومع النوادي الصيفية للأطفال في المركز، نشارك معهم في أجواء ممتعة؛ نتعلّم منهم، وأعلّمهم بعض الأغاني التراثية الجميلة؛ أؤديها بصوتي، وأعزف على العود الذي يرافقني كل الأوقات».

التقنيات الحديثة استثمرها بما يخدم عمله وتواصله مع المجتمع، كما حدثنا "حسان" بالقول: «ألفت التعامل مع أجهزة الهواتف النقالة القديمة، وأتقنت الطريقة لأتمكن من الاتصال والرد، لكن مع ظهور الأجهزة الحديثة بتقنياتها المتنوعة والمعقدة بدأت التعلم من جديد، اليوم أستخدم تقنية القارئ الآلي للتعامل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولدي عدد كبير من الأصدقاء أستعين بهم في التنسيق لبرامجنا الثقافية، وكذلك عبر "الواتس آب" ومختلف التطبيقات، التي فهمت طرائق التعامل بها، واستمتعت بالوقت الذي تشغله وما يمكن الحصول عليه من معلومات أهتم بها والمعرفة التي أرغب بها في التعرف إلى كتب جديدة ومؤلفين جدد، والبحث عن مواضيع وأفكار أحتاج إليها، فأنا أحب عملي ومن خلاله أحب الحياة بكل ما فيها، فلولا الصعاب لما لمسنا جمال الحياة».

يتابع عمله بإخلاص وتفانٍ؛ فالإعاقة لم تمنعه من العطاء والتميز، كما تحدث "ثائر شلهوب" مدير المركز الثقافي في "القريا"، وقال: «سنوات طويلة منذ بدأ "حسان" عمله في المركز، وقد عرف عن نفسه من خلال العمل وصدق التعامل، فللعمل لديه أهمية كبيرة، نشيط متابع، يؤدي واجبه بطريقة لم نعد نستغربها اليوم، وجاءت مغايرة للتوقع تبعاً لوضعه الصحي.

فقد نجح في عمله وتميز وامتلك مهارات كبيرة، أهمها الذاكرة القوية التي تمكّنه من حفظ الأرقام والأسماء ومهمة كل شخص، ليتمكن من تنظيم الفعاليات بدقة ونجاح مهما كان نوعها، والجميع يساعدونه بمحبة تبعاً لأسلوبه اللطيف وتعامله الراقي والجميل.

اليوم أوكلت إليه مهمة معاون مدير المركز، وهو بحق قادر على القيام بهذه المهمة وغيرها، ويستحق عليها التقدير والاحترام إلى جانب موهبته المتميزة في الغناء والمساعدة في الحفلات التي يقيمها المركز، وهو شخص فاعل ومنتج نحترم عطاءه وتميزه وحضوره الغني في المركز.

وهو عضو فاعل في جمعية "المعوقين جسدياً" يساعد غيره من المعوقين، وأحد المنظمين لحفلات ممتعة في عدة مناسبات أتمنى أن يستمر بهذه الطاقة ويحقق أمانيه، وهو جدير بالنجاح».

ما يجدر ذكره، أن "حسان شقير" من مواليد "القريا" عام 1973، خريج جامعة "دمشق"، علم اجتماع، متزوج، ومطرب يؤدي الغناء الجبلي والأصيل والعزف.