احترف العمل منذ أن كان طفلاً، وبصم في مدينته "شهبا" من خلال مبادراته وأعماله الخيرية التي تشهد له حتى الآن. وعلى الرغم من اتجاهه نحو الأعمال الحرة، إلا أنه استطاع أن يوازن بين العمل والمبادرات المجتمعية لرسم الفرح على وجه من يحتاج.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 9 كانون الأول 2017، المربي المتقاعد "هيسم دنون" في منزله بمدينة "شهبا"، ليتحدث عن حياته المتشعبة التي بدأت فصولها منذ الطفولة، فقال: «سافر والدي إلى الخارج، ولم يحالفه الحظ، كنت في الخامسة عندما بدأت العمل في جمع البحص من "الهشة" في مدينة "شهبا" مع إخوتي الصغار، فكنا نبيع نقلة الجرار بليرتين ونصف الليرة، وعلمتنا والدتي على قص المكانس، وكانت كل أربع مكانس تباع بليرة سورية. وبعد أن عاد والدي بسنة، كنت أعمل معه في تجليس المسامير. في عام 1975 سافرنا إلى "ليبيا"، وتركت العلم حتى عدنا عام 1978، بعد أن كنت أرافق والدي إلى العمل، وعندما عدنا كنت أذهب إلى المدرسة وأعود منها إلى الورشة حتى تغيب الشمس، وهكذا تابعت حياتي بين العلم والعمل حتى الصف التاسع عندما وثق بي أحد المعارف وأراد أن أشرف على ورشة كاملة حصلت منها على 18 ألف ليرة سورية حسّنت حياتنا كثيراً. وفي غمرة التعب والعمل لم يكن هناك أي وقت للطفولة التي لم أعشها».

أثناء عمله في تجارة الحديد، أسس صندوقاً استثمارياً للعاملين في هذا المجال، وكان حريصاً على أن يكون هذا الصندوق مصدر حماية لعائلة الحدّاد من العوز والفقر في حال استجد أي طارئ، وعمل على خلق مجتمع متماسك مع عدد من الأفراد في ظل الأزمة التي مرت عصيبة على الناس، وخاصة بمساعدة المحتاجين وإبعاد الأطفال عن هذه الظروف، وفي كل سنة يقيم في صالة الأفراح التي يمتلكها حفلة خاصة للطلاب الناجحين بالشهادة الثانوية بالتعاون مع "لمة محبة" التي ينتمي إليها، ويساهم في نشاطاتها الكثيرة التي ترسم الفرح وتحاول زرع المحبة ونشرها في المجتمع

بعد أن نال شهادة الثانوية العامة، دخل المعهد الرياضي في "دمشق" بعد اختبارات كرة القدم التي اجتازها بنجاح، وتابع عمله في أوقات الفراغ حتى يستطيع الاستمرار بسبب الفقر الذي كان يلاحقه أينما حل، وكاد أن يفصل من المعهد بسبب التزاماته في العمل، وعندما تخرج سنة 1985، عين في قرية "نمرة" وأسس جيلاً متميزاً بالرياضة، وأضاف: «حصلت مدرستي على المركز الأول بكرة القدم على مستوى المنطقة، وكذلك في لعبة الطائرة (ذكور وبنات)، وقدمت ستة أبطال على مستوى المحافظة في ألعاب القوى، وشاركوا في بطولة مدارس القطر. وكنت حريصاً على زرع المحبة والأخلاق قبل التعليم؛ لأن ذلك يصنع الرياضي الحقيقي.

في إحدى حملات التشجير

وفي عام 1986 دخلت مسابقة على مستوى القطر للإيفاد إلى "ألمانيا الشرقية"، وكنت من ضمن اثني عشر مقبولاً، لكن الحظ عاندني مرة أخرى، فكان لا بد من الاختيار بين عائلتي التي تحتاج إلى الرعاية وبين البعثة، فاخترت العائلة وسط ذهول كل من يعرفني، وخاصة زملائي في التربية.

وتابعت العمل الإضافي بعد الدوام المدرسي في ورشات العمل، وبعد أن أنهيت خدمة العلم، افتتحت مشروعي الصغير لبيع الحديد بكل أنواعه مع أحد الأصدقاء برأسمال صغير حصلت عليه عن طريق القروض، وعلى الرغم من كل الصعوبات التي واجهتها، وضعف رأس المال، والمنافسة الشديدة، إلا أنني اكتسبت بالإرادة والأمانة ثقة الكثيرين من الناس وأصحاب المعامل الكبرى في "حلب"، و"دمشق"، وكان أصحاب هذه المعامل يثقون بي ثقة عمياء، وكنت أعدّ هذه الثقة رأس مالي ومصدر فخري، فالذي يرسل لي بضاعة بملايين الليرات من دون أي مستند أو ورقة، ومن دون أن يلتقي بي مرة واحدة، لهي أمانة كبيرة كنت أحافظ عليها بالقلب والعين. كان إخوتي يعملون معي، وأسست مصالح مستمرة إضافة إلى عملي الأساسي، وكنت حريصاً على الرياضة كحرصي على العمل، فعينت موجهاً للمادة في منطقة "شهبا"، ودعمت النادي الذي أحب بما يقتضي الواجب.

مع لمة محبة

تزوجت وأسست مع شريكة حياتي عائلة صغيرة زرعنا فيها حب العلم والأخلاق الحميدة، ومساعدة الآخرين، وحاولنا أن ننمي مواهبهم على أكمل وجه، وكنت حريصاً على أن أعوضهم ما فاتني في طفولتي وبداية شبابي مهما كانت الظروف».

رحلة "هيسم دنون" التي انتهت بالتقاعد من التدريس، لم تنتهِ مع العمل، وله بصمات كثيرة في المجتمع، يورد بعضها الناشط في المجتمع الأهلي "أيمن حاطوم" بالقول: «أثناء عمله في تجارة الحديد، أسس صندوقاً استثمارياً للعاملين في هذا المجال، وكان حريصاً على أن يكون هذا الصندوق مصدر حماية لعائلة الحدّاد من العوز والفقر في حال استجد أي طارئ، وعمل على خلق مجتمع متماسك مع عدد من الأفراد في ظل الأزمة التي مرت عصيبة على الناس، وخاصة بمساعدة المحتاجين وإبعاد الأطفال عن هذه الظروف، وفي كل سنة يقيم في صالة الأفراح التي يمتلكها حفلة خاصة للطلاب الناجحين بالشهادة الثانوية بالتعاون مع "لمة محبة" التي ينتمي إليها، ويساهم في نشاطاتها الكثيرة التي ترسم الفرح وتحاول زرع المحبة ونشرها في المجتمع».

الفنانة "ميسون أبو كرم" تحدثت عن أسرة "دنون" المتميزة بالقول: «لا يوجد فعالية في المدينة إلا وتكون لهذه العائلة بصمة فيها، فقد أسس المربي "هيسم دنون"، وزوجته الفاضلة المربية "جهينة دنون" عائلة متميزة أخلاقياً وعلمياً؛ فالابنة الكبيرة "همسة" طالبة جامعية متفوقة، وتعمل مدربة في البرمجة اللغوية العصبية بعد أن اجتهدت كثيراً لامتلاك هذا العلم، وتقدم خدمات متميزة في هذا المجال الواسع للأطفال، والابن الأكبر "منصور" طالب سنة أولى هندسة معمارية، وهو عازف عود جميل، وكان رائداً على مستوى القطر بمجال العزف على العود، و"غزل" الرائدة على مستوى القطر في الخطابة والفصاحة ومتفوقة في دراستها، أما الصغير "هشام" ابن الأحد عشر عاماً، فقد حصل منذ أيام قليلة على بطولة شباب المحافظة في لعبة الشطرنج، وهو عازف كمان متميز. وفي الحقيقة إن هذه العائلة نموذج يحتذى به لما تمتلكه من أدب وأخلاق وتفرد».

يذكر أن المربي "هيسم دنون" من مواليد مدينة "شهبا"، عام 1964.