اختبرت علاقة مثالية مع الأطفال بعمر صغير، ولعل تجربتها مع ابنة أخيها التي عاشت في منزلهم كانت السبب لمعرفة قدراتها وإمكانياتها في هذا المجال، فانطلقت إلى عالم الطفل متسلحة بخبرة التعامل مع أطفال الحروب.

"سمر أبو شقرا" تحدثت لمدونة وطن "eSyria" عن تجربتها الناجحة مع الأطفال، ونشرها ليوغا الطفل في محافظة "السويداء" بتاريخ 7 تشرين الأول 2017، حيث قالت: «كنت الصغيرة بين إخوتي، ووالدي عاش حياته ضريراً، يؤلمني أنه لم يشاهدني أبداً ولا يعرف شكل وجهي، كان رجلاً حكيماً، وإلى اليوم صدى كلماته يتردد في ذهني، وهي أول شيء يخطر في بالي عند مواجهة أي موقف صعب. نضجت باكراً بوجود مكتبة كبيرة في بيتنا، فقرأت كثيراً، وكنت أتجه إلى الأدب العالمي في قراءاتي؛ وهذا ما دفعني إلى دراسة الأدب الإنكليزي في الجامعة.

لم أكتفِ بما تعلمت واكتسبت من مهارات، أضفت علاج نقص التركيز لدى الطفل، وعدم الاندماج وطرائق التفكير الإيجابي، وجميعها من خلال الأنشطة الترفيهية والتفاعلية مع الأطفال، فأنا أستطيع أن أصنع من الطفل الطبيعي طفلاً أكثر تميزاً ونجاحاً

تربطني علاقة جميلة مع الأطفال منذ الصغر، فقد عاشت في بيتنا ابنة أخي، وكانت الأقرب إليّ، وعندما كبرت كانت فتاة ناجحة، ومن تجربتي معها شعرت بأننا قادرون على صنع الأشخاص».

سمر أبو شقرا

أما عن علاقتها مع اليوغا، وكيفية دخولها هذا المجال، فتضيف: «عام 2012 بدأت الاهتمام باليوغا، من خلال القراءة والبحث، وفي عام 2013 سافرت إلى "لبنان"، ودعيت للعمل في منظمة "آمورت" العالمية؛ وهي منظمة عالمية للكوارث والأوبئة والحروب والأمراض، بدأت العمل فيها كمعلمة لغة والتحقت بأكثر من دورة تأهيلية للتعامل مع أطفال الحرب، ولم أتقاضَ أي أجر.

بعد شهرين تماماً ونتيجة الجهد الذي قدمته أصبحت مديرة المدرسة، ومسؤولة عن الأطفال، وخاصة أطفال الحرب».

مع الأطفال في أحد الأنشطة التفاعلية في الحقل

وعن الأساسيات التي تقدمها المدرسة للأطفال، تابعت: «نظام المدرسة يهدف إلى تخليص الطفل من الرواسب النفسية التي خلّفتها الحرب، مع التلقين السليم للمبادئ في الحياة، كالصدق والنظافة والأخلاق، وليس بأسلوب نظري، بل من خلال الأنشطة التفاعلية، كالرسم، والموسيقا، والنشاطات الترفيهية.

بعد عام واحد عدت إلى "السويداء"، وبدأت العمل مع الأطفال من خلال مدرسة "اليوغا" الموجودة في المحافظة».

الأطفال أثناء النشاط التفاعلي

"السويداء" محطة جديدة ومهمة في حياتها، وعنها تقول: «لم أكتفِ بما تعلمت واكتسبت من مهارات، أضفت علاج نقص التركيز لدى الطفل، وعدم الاندماج وطرائق التفكير الإيجابي، وجميعها من خلال الأنشطة الترفيهية والتفاعلية مع الأطفال، فأنا أستطيع أن أصنع من الطفل الطبيعي طفلاً أكثر تميزاً ونجاحاً».

لعل مفهوم يوغا الطفل غريباً للوهلة الأولى، لكنه مهم بفحواه، حيث قالت: «في يوغا الطفل ننطلق من مفهوم المحبة، بأن نجعل الطفل يحب ذاته وظروفه والوضع المعيشي الذي يعيش فيه، ومنزله.

هذا الحب يجعله يفكر بطريقة إيجابية، يعطيه ثقة بنفسه وتوازناً وقدرة على الاندماج بأي ظرف.

و"اليوغا" تتضمن تمارين استرخاء وتفاعلية من خلال الرسم والموسيقا واللعب، وهي أشياء يحبها الطفل ويتعلم من خلالها، والزراعة أيضاً كانت حاضرة في التمارين للتعامل مع الأرض والنبات.

وهناك شرط أساسي في التعامل مع الأطفال، وبوجه خاص الذين يعانون ظروفاً حياتية قاسية، يجب عدم التعاطف معهم بأسلوب واضح، ويجب ألا نشعرهم بالشفقة؛ فهذا من شأنه إضعافهم.

ومن أنشطة "اليوغا" تعليم القصة القصيرة، حيث لا آخذ قالباً جاهزاً من القصة وأقرأه، بل يكتب الطفل قصته بنفسه، اكتشفت مواهب مذهلة من خلال القصة القصيرة. وهناك نشاط جماعي اسمه "الماندلا"، وهو رسم جماعي على لوحة كبيرة تقسم إلى أشكال متداخلة، ويتناوب الأطفال على الرسم عليها.

والمسرح مهم جداً وضروري لكسر حاجز الخجل؛ يتضمن تمثيلاً إيمائياً وتحفيزاً للخيال؛ وهي خطوة من شأنها دمج الفرح واللعب».

"زاهية عزام" مؤسسة جمعية تطوير الذات وعضو مجلس إدارة فيها، تحدثت عن علاقتها مع "سمر" بالقول: «أقامت العديد من دورات اليوغا للأطفال، واستطاعت أن تخلق حالة من الألفة والتفاهم والانسجام مع الأطفال وذويهم، الذين طرحوا عليها العديد من المشكلات التي تواجههم مع أبنائهم وساعدتهم بالتغلب عليها، دخلت إلى أعماق الأطفال من خلال الرسم والقصص والمسرح والزراعة، واستخرجت مكنوناتهم وإبداعاتهم، هي شخصية عملية ديناميكية، عملت مع منظمة عالمية تعنى بشؤون أطفال الحرب والأزمات، ولديها خبرة واسعة في هذا المجال».

"لميس حاتم" مديرة روضة خاصة للأطفال، أضافت: «لدى "سمر" القدرة على التواصل مع الأطفال والتفاعل معهم، والتأثير بهم، هي طفلة حيث يجب أن تكون طفلة، ومربية حيث يجب أن تكون مربية، ربما يهمنا الحديث عن النتائج من خلال الدورات التي أقامتها؛ فالنتائج كانت مذهلة ورائعة، وهي تملك أفكاراً إبداعية خلاقة، وتصمم برامج النشاط للأطفال بنفسها».

بقي أن نذكر، أن "سمر أبو شقرا" من مواليد "السويداء" عام 1974، خريجة جامعة "دمشق"، كلية الآداب، قسم الأدب الإنكليزي.