دأب الشيخ "مزيد صيموعة" على توثيق كل ما يتعلق بقريته "عرمان" بمفكرات خاصة طوال ستين عاماً من دون أن يترك يوماً واحداً، حتى أثناء اغترابه الطويل عنها. وقد تحوّل مع الزمن إلى مرجع للمعلومات، وشاهد على حوادث كثيرة وصلت إلى القضاء.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 23 كانون الثاني 2017، الشيخ "مزيد صيموعة"، الذي تحدث عن هوايته هذه، حيث قال: «أنا من جيل لم يكن التعليم فيه أمراً سهلاً أو متاحاً للجميع، فقد ولدت عام 1944، وتعلمت حتى الصف الخامس في مدرسة ابتدائية بمدينة "السويداء"، وتحديداً في مدرسة القلعة، وذلك بفضل المجاهد الكبير ابن بلدتي "قاسم أبو خير". وصلت إلى الصف الخامس الذي يعدّ شهادة في ذلك الوقت عام 1957، ودخلت صغيراً العمل بحثاً عن الأمان في ظل الفقر الذي كان سائداً ولا يساعد على تأمين المستقبل. فقد تعلمت في ورشة للحدادة الإفرنجية، وظلت هذه مهنتي حتى تقاعدت عن العمل في سن متأخرة، وبعد أن أحسست بالأمان لي ولأولادي من بعدي.

هي عبارة عن أمانات يضعها أصحابها على سبيل الأمانة، ومنها ما يتعلق بالحجج التي يكتبها أصحابها لتظهر عند الوفاة، وهي عادة قديمة جداً في "جبل العرب"، وتعدّ من الأمانات الكبيرة التي يجب المحافظة عليها، إضافة إلى حجج البيع والشراء

تعلقت بالمفكرات في سنّ مبكرة، فعندما بلغت الثانية عشرة من العمر كنت أجني المال من عملي في الورشة، وخطر ببالي أن أقتني مفكرة أكتب فيها ما يحصل معي وما أجنيه من مال، كنت أفكر بعقل طفل يحلم بأن يكبر بسرعة لكي أحقق أحلامي، وهكذا بدأت قصة التوثيق في بداية عام 1960 فعلياً، وتحوّلت مع الوقت إلى هواية دائمة».

مجموعة من المفكرات السنوية

عمّا كان يدوّنه في تلك الأوراق، أضاف: «في البداية كنت أدوّن ما أجني من مال وما أشتريه، ومحصلة ذلك.

ورحت أكتب أسماء من غادروا الحياة بالساعة واليوم والشهر والسنة، وأدوّن أي حدث كبير حصل في القرية، لكنني كنت أركز أكثر على الوفيات وأسبابها، حتى عندما سافرت إلى "الكويت" مدة 15 عاماً كنت أتابع هذا الأمر، ومفكرتي لا تغادرني أبداً. وقد وثّقت الأشخاص الذين ماتوا بعيداً عن الوطن أيضاً، وذكرت سبب الوفاة، وهكذا يمكن لأي باحث أن يجد ما يطلبه من إحصائيات عن هذا الموضوع، وبإمكانه أن يستفيد من المعلومات الحياتية اليومية عن الأسعار وقوة الليرة السورية، والمواسم من خلال ما كنت أدوّنه عن وضعي بالتحديد، وعما كان يحصل في أي يوم من ذلك التاريخ حتى اللحظة».

يوثق الحياة يومياً في قريته

كثيرة هي القصص التي كان فيها الناس يعتمدون عليه لمعرفة التاريخ بدقة، لكن قصة المحاكم التي تستدعي شاهداً موثوقاً هي ما أعطت هذه المفكرات وزنها الحقيقي، وعرّفت الناس بقيمة التوثيق، حيث أضاف: «كانت أشهر القصص تلك التي استدعاني فيها القاضي للشهادة بين شاب من قريتنا وزوجة والده الراحل حول الميراث، وكانت معرفة تاريخ الوفاة بدقة هي الطريقة الوحيدة لمعرفة الحقيقة، وكانت مفكرة هذا العام الذي توفي فيه الرجل هي الدليل القاطع على كشف الحقيقة أمام القاضي».

تسلّم الشيخ "مزيد" لجنة الوقف في "عرمان" منذ أشهر قليلة بعد وفاة والده الشيخ "سليم صيموعة"، وهذه المهمة الثقيلة بنظره أمانة كبيرة، لكن التوثيق تحوّل إلى عمل أكبر من تدوين الأحداث، فهناك أعمال أخرى تحمّل مسؤوليتها من جديد، حيث قال: «هي عبارة عن أمانات يضعها أصحابها على سبيل الأمانة، ومنها ما يتعلق بالحجج التي يكتبها أصحابها لتظهر عند الوفاة، وهي عادة قديمة جداً في "جبل العرب"، وتعدّ من الأمانات الكبيرة التي يجب المحافظة عليها، إضافة إلى حجج البيع والشراء».

المغترب في دولة "الكويت" "مروان أبو خير" ابن المجاهد "قاسم أبو خير"، تحدث عن معرفته بالشيخ "مزيد" وخاصة في الغربة: «كان الشيخ "مزيد صيموعة" من المغتربين الذين استقر بهم الحال في "الكويت" مدة طويلة حتى كوّن نفسه جيداً، وعاد إلى الوطن ليستقر فيه. والده الشيخ "سليم صيموعة" الذي يعرفه الناس بنظافة اليد واللسان، والأمانة الكبيرة، وقد ورث ذات الصفات عن والده الراحل. وأخوه الفنان التشكيلي المعروف "عبد الأنيس صيموعة" صاحب الريشة الذهبية، والأنامل الساحرة.

اهتمّ بالتوثيق وكتابة أخبار الناس من الوفيات والأفراح، وتحوّل إلى مرجع مهمّ، خاصة أنه وصل بتوثيق ذلك إلى ستين عاماً من دون أن يعتكف يوماً واحداً، ونحن نعتمد عليه في معرفة ما نريد لثقتنا بأن المعلومة الصحيحة عنده. وهو أمين على ما يودعه الناس من أسرار وثبوتيات».