لثقتها العميقة بأهمية المسرح، تعمل المعلمة "جيما بحصاص" على إنتاج أعمال مسرحية تكتبها وتخرجها من أجل التعامل مع جيل الطفولة والشباب بصيغة البحث عن الأجمل واستنطاق الموهبة.

هي مدرّسة مادة العلوم، لكنها ارتبطت بالحالة الفنية المسرحية ومردودها الإنساني، وتابعت مع طلابها لتقدم أعمالاً راقية للمسرح المدرسي، فنالت شهرة، ولاقت الاستحسان من الجمهور المتابع لها.

تجربة جميلة وممتعة تابعتها مع معلمتي "جيما بحصاص" عندما شاركت بتمثيل مسرحية "دعوة للسلام" منذ ثلاثة أعوام، حيث أمضينا وقتاً مفيداً خلال التدريب، وكانت تنقلنا بأسلوبها الجميل لعالم جديد تعرفت من خلاله إلى المسرح كفنّ يمكن أن يكون لنا فيه كشباب وأطفال مشاركة وتجربة، ومن خلال المواضيع التي تناولتها شعرت بأن أمامنا فرصة كبيرة للاطلاع لنبحث عن عناوين أثيرت ضمن النص، ونتعرف أكثر إلى أفكار جديدة تهمّنا وترشدنا إلى قضايا مختلفة، خاصة أن أسلوبها في التدريب سلس وهادئ. وكان اهتمامها منصرفاً بداية لنستوعب النص كفكرة وبعدها نتدرب على طريقة الأداء على المسرح والتحضير لملاقاة الجمهور؛ وهذا بحد ذاته دفعنا لنتعرف أكثر إلى قدرتنا وما لدينا من طاقات

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 تشرين الثاني 2016، استمعت إلى من تابع تجربتها التي نجحت في ظروف قلة الإمكانيات، ومنهم المدرّس "مثقال الحجلي" المتخصص في المجال الفني، الذي تابع معها هذه التجارب، وقال: «تجربتها رائعة تستحق الرعاية والدعم، فقد قرأنا ذلك في عيون الأطفال ولهفتهم، من يراها وهي تدرّب يشعر كم تحمل عبء الوطن وعبئاً يشمل الإنسانية ومناصرة الإنسان والقيم، دائماً تريدُ أن تقولَ شيئاً، وتريدُ أْن تصلَ إلى مكانٍ ما، وروحها التوّاقةُ دائماً إلى التميز لوّنت كل شيء في حياتها؛ عملها، وحضورها، وكتاباتها. كما رأيت أنّ المسرحيةَ لديها تبدأ كحلمٍ جميل يـُولَدُ برغبة المشاغبة، ثم يمرُّ بمرحلة التكوين كالمرحلة التي تسبق العاصفة، كلُّ شيء يوحي بأن ربيعاً أنيقاً سيحلّ ثم تكون الولادة الجميلة.

مع طلابها خلال التحضير لعمل جديد

تحاول دائماً أن تمزجَ بين النص النثري واللغة الشعرية، ويظهرُ لديها التمرّد على اللغة بذات مستوى التمرد على الفكرة، وكثيراً ما تتكرر الفتحة كعلامة إعرابية، وكثيراً في غير موضعها كأنها في انطلاقٍ وإبحارٍ دائم ترفضُ التقييد. في محاولاتها المسرحية تعتمد النهايات المفتوحة، وحتى في رسوماتها كذلك، لتترك المجال للمتلقي ليصبح مشاركاً حقيقياً في الحدث، وليس متلقياً فقط.

تظهر في لغتها الشعرية المسرحية ومن دون قصد، كثيرٌ من الحكم والعبارات الرائعة تنطلقُ من قلمٍ ذي بوحٍ أنيق، وأتذكر ممّا كتبتْ مرة: "مهما فعلتَ ستبقى وحيداً، فوجهُ الله في الإنسان"».

الطالبة ليلى عبد الباقي

بفعل الحاجة إلى عمل فني ثقافي يجعل من الطفولة محوراً للعمل المسرحي، تواصل بحثها الذي تحدثت عنه "جيما بحصاص" بالقول: «مع بداية العمل في مجال التدريس حرصت على خلق حالة من التواصل عرفتني بما يملكه الطفل والمراهق من صفات يمكن أن نبني عليها الكثير، وكانت المحاولات الأولى في الكتابة بالاعتماد على اهتمامي الكبير بالمطالعة والبحث عن نصوص ومعلومات تخدم عملي؛ ليكون للطفولة النصيب الأكبر من هذه النصوص، وكانت الحالة المدرسية فرصة للتعامل مع شريحة واسعة من الطلاب واستقطاب العدد الأكبر منهم ليكونوا ممثلين لهذه النصوص التي أعدّها وفق مراحلهم العمرية وما يساعدني على اكتشاف ما لديهم، وقد يستغرب بعضهم حالة الطفل مع المسرح والمساحة الإنسانية التي تخلقها خشبة المسرح للطفل لكونها في البداية تخرجه من حالة الدرس وجمود المعلومة بداية، وهي بذات الوقت تفتح الباب عريضاً لاكتشاف مواهبه في الأداء والحفظ، والأهم التعاطي مع الحالة الفكرية للنص؛ لأن الطفل في هذا الزمن قد خرج من حالة السذاجة والتفكير المحدود، وهو متفاعل مع التقنية، كما أنه حالة إنسانية واسعة المدارك قابلة للتفاعل وتقديم كل ما هو جديد ليكون الحوار عدة أسطر، لكن الذخيرة التي نزرعها في ذهن الطالب والعواطف المرافقة حالة لا تحدّها حدود، وهي الأفق الذي أحلم به ولا يبتعد عن مخيلتي».

الخروج عن فكرة النصيحة والتوجيه إلى مسارات توعوية حافز لتفاعل طلابي جميل ومنتج، فكرة تعرفنا من خلالها إلى مواضيع أعمالها وآلية إعداد النص، وتضيف: «ضمن الواقع الزماني والمكاني، على المدرّس الراغب بتقديم المسرح الطلابي في مختلف المراحل مجموعة مهام تتمثل في أنه الكاتب والمخرج والمعدّ لكل ما يرتبط بالعرض المسرحي، وهذه مسؤولية كبيرة، لكنها بالنسبة لي تجربة ممتعة فيها الكثير من البحث والعمل الذي أعدّه منتجاً، لذلك يكون اهتمامي بداية بالنص الذي أحاول من خلاله الابتعاد عن صيغة النصيحة والتوجيه المباشر، وكلمة لا القاطعة؛ ففي عالم الطفل مفاتيح تفتح أبواب الروح الشغوفة الحالمة القادرة على استجلاب حالة فرح ومعرفة، هنا أنتقل مع أبطالي الصغار إلى مراحلهم العمرية ومنظومتهم الفكرية حديثة التكون، أضيء على عوالمهم من نافذة واقعنا، وأقدم رسائلي عن البيئة والحياة والعائلة والصراع والمجتمع، و"الدعوة للسلام"؛ عملي الأخير الذي كان عبارة عن حوار بين الخير والشر ضمن سياق مسرحي متناغم مع حالة الطفل في مجتمعنا، ترافق مع مقاطع شعرية وأغنية ألّفتها ولحنتها وقدمها الأطفال، وهم عبارة عن فرقة صغيرة، كانت مواهبهم متميزة، تجاوبوا مع التدريب، وكانت تجربتي معهم دليلاً جديداً على أن الطفل عالم خطر وبحر من الأسرار، لكنه يخفي من الجمال ما يستحق الغوص ومقاومة الاختناق لتلمع درره ضمن المجتمع وتضيء لقادم نحلم أنه الأجمل والأقدر على صناعة حياة فيها مساحة للإبداع، وتمثل حالة مسرحية راقية تداخل مع المشروع التربوي، وتكون سفينة إنقاذ لروح الطفل من السطحية والخمول وضياع الأهداف، وهذا بالتأكيد مشروع يحتاج إلى الدعم من عدة جهات لعلنا نمتلكه على أرض الواقع».

طالبة الصف التاسع "ليلى عبد الباقي" عبّرت عن تجربة مفيدة خاضتها مع نصوصها المسرحية المتميزة، وقالت: «تجربة جميلة وممتعة تابعتها مع معلمتي "جيما بحصاص" عندما شاركت بتمثيل مسرحية "دعوة للسلام" منذ ثلاثة أعوام، حيث أمضينا وقتاً مفيداً خلال التدريب، وكانت تنقلنا بأسلوبها الجميل لعالم جديد تعرفت من خلاله إلى المسرح كفنّ يمكن أن يكون لنا فيه كشباب وأطفال مشاركة وتجربة، ومن خلال المواضيع التي تناولتها شعرت بأن أمامنا فرصة كبيرة للاطلاع لنبحث عن عناوين أثيرت ضمن النص، ونتعرف أكثر إلى أفكار جديدة تهمّنا وترشدنا إلى قضايا مختلفة، خاصة أن أسلوبها في التدريب سلس وهادئ. وكان اهتمامها منصرفاً بداية لنستوعب النص كفكرة وبعدها نتدرب على طريقة الأداء على المسرح والتحضير لملاقاة الجمهور؛ وهذا بحد ذاته دفعنا لنتعرف أكثر إلى قدرتنا وما لدينا من طاقات».

ما يجدر ذكره، أنّ "جيما بحصاص" خريجة معهد متوسط، مدرّسة مادة العلوم والفيزياء، ومن مواليد عام 1976، قدمت عدداً من الأعمال المسرحية ضمن المسرح المدرسي.