عبرت "جمال أبو منصور" عقودها التي قاربت الثمانية متكّئة على خبرة ومهارة فنّ حياكة الخيوط الدقيقة التي اشتهرت بها، وسبقت من خلالها الزمن الذي عاصرته.

ففي هذه المرحلة من العمر تنتج بيديها قطعاً فريدة التصميم تنتقيها شريحة كبيرة من المتذوقين لهذا العمل اليدوي. مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 19 تشرين الأول 2016، زارتها في منزلها الكائن في مدينة "السويداء" للتعريف بهذه المرأة التي تُجَمّل سنوات العمر بعملها، وتزركش بالخيوط الملونة مهارة لم يباغتها الزمن بالإهمال، بوجود نساء حافظن عليها؛ وفق حديث "ضحى عبيد" صاحبة الغاليري التي تعرض منتجاتها فيه، وقالت: «لم أقتنع بالسعر البسيط الذي تطلبه الخالة "جمال أبو منصور" لما تعرضه لدي من قطع بالمقارنة مع الوقت الذي تستهلكه لإنتاجها، وجودة العمل المتناظر والدقيق، هذه القطع ميزتها أنها حيكت بخيوط رفيعة جداً وتحتاج إلى مهارة فريدة ودقة وتميّز، وعلى الرغم مما يعرض في المعارض من منتجات الصنارة الواحدة، إلا أن هذا النوع هو من أكثر الأنواع ندرة وجمالاً، والقليل من النساء حافظن على هذا العمل العريق، وقد تابعتها، وأعرف أنها حاكت قطعاً بخيوط أرفع، والجميل أنها تطور الرسومات لتجد مع كل مجموعة أفكاراً جديدة تجعلها مختلفة وفريدة».

لم أقتنع بالسعر البسيط الذي تطلبه الخالة "جمال أبو منصور" لما تعرضه لدي من قطع بالمقارنة مع الوقت الذي تستهلكه لإنتاجها، وجودة العمل المتناظر والدقيق، هذه القطع ميزتها أنها حيكت بخيوط رفيعة جداً وتحتاج إلى مهارة فريدة ودقة وتميّز، وعلى الرغم مما يعرض في المعارض من منتجات الصنارة الواحدة، إلا أن هذا النوع هو من أكثر الأنواع ندرة وجمالاً، والقليل من النساء حافظن على هذا العمل العريق، وقد تابعتها، وأعرف أنها حاكت قطعاً بخيوط أرفع، والجميل أنها تطور الرسومات لتجد مع كل مجموعة أفكاراً جديدة تجعلها مختلفة وفريدة

لم تتعوّد ربّة المنزل "جمال أبو منصور" الركون للكسل، وكانت الصنارة بعد ماكينة الخياطة رفيقتها الوفية التي أنتجت بها آلاف القطع الجميلة لتأخذ من اسمها حصّة من الجمال، حيث تحدثت عن بدايتها مع العمل اليدوي بالقول: «لم ألبس إلا من خياطة يدي؛ فقد تعلمت الخياطة بعمر مبكر عندما وصلت ماكينات خياطة "سنجر" الماركة المعروفة والقديمة إلى المدينة، وتابعت ضمن دورات ساعدتني على إتقانها، لترافقني من سنوات الشباب رغبة العمل وعدم هدر الوقت، وأتابع الخياطة وتدريب الفتيات، ولم أتركها يوماً.

من أعمالها قطع تطلب منها كثيراً

وعندما سافرت مع زوجي إلى "فنزويلا" لاحظت في ذلك البلد أن الناس تعتني بالعمل اليدوي ومهاراته، فتعلمت الكثير، وكانت الحياكة والتطريز في تلك المرحلة فرصة لتحسين الدخل بالاعتماد على حياكة المفارش وأغطية الطاولات والقطع الصغيرة لزينة أثاث المنزل، حينئذ كنت أختبر مختلف أنواع الخيوط وأهتمّ بالخيوط الدقيقة منها، وأصمّم قطعاً رقيقة لها جمال يختلف عن المعتاد، وقد تطورت بهذا العمل لأنني أحبه منذ الطفولة عندما فككت رموزه من والدتي، مع أنني في ذلك الزمن حصلت على الشهادة الابتدائية، لكن العمل اليدوي كان هوايتي ورفيق الزمن الجميل والصعب أيضاً، فبعد رحلة السفر ووفاة زوجي كانت العودة والاستقرار، ولم تختلف الأمور، بل على العكس بات العمل ضرورة وجهداً استعنت به لمواجهة صعوبات الحياة؛ لأربّي أبنائي وأؤسّس حياة مستقرة لهم».

تعلّمت الإسبانية قراءة وكتابة، وكانت قادرة على متابعة المجلات المتخصصة بالحياكة وفنونها، وقالت: «في ذلك البلد استفدت من خبرات كثيرة؛ لأنني تعلّمت اللغة من جارتي، وحرصت على تجميع كل ما يفيدني من "بوردات" ومجلات أحتفظ بها، وأستعين بها لأدرس الرسوم بدقة، وأحسب عدد القطب لتكون القطعة الأولى بناء على المخطط، والثانية أعيدها وفق رغبتي وحسب التصميم الذي يعجبني وأحتاج إليه.

جمال أبو منصور وكارميلندا رسلان

ولدي اليوم عدد كبير من القطع بخيوط قياس أربعة؛ أي إنها رفيعة جداً، وقطع من خيوط أرفع متنوعة من درجات لا تتوافر اليوم بالأسواق، لأعتمد على المتوافر وأحيك عدداً كبيراً منها؛ لأنني لا أترك الصنارة إلا في ظروف المرض، وما بقي في منزلي هو عبارة عن "مساطر" مما أنتجته وأهديته وبعته لعدد يصل إلى الآلاف».

الصبر والهدوء والحرص على إنتاج قطعة دقيقة الصنع، فكرة تحدثت عنها "كارميلندا رسلان" من مشروع "نساء يعدن الحياة"، وقالت: «هذا العمل علّمها وعلّمنا الصبر واستثمار الوقت والمهارة، فقد علّمت الخياطة والحياكة لفتيات كثيرات ليكون لها أسلوبها الخاص؛ فالتصاميم التي تنتجها لا تتشابه مع عمل آخر، وعلى الرغم من سنوات العمل الطويلة والمتعبة بقيت تعمل من دون انقطاع، وكانت مشاركة بعدد كبير من المعارض بقطعها النادرة والمطلوبة، حيث وصلت أعمالها إلى الخارج مع صديقات لديهن اهتمام بهذا العمل، لتكون هدايا يدوية لطيفة ومميزة.

من أعمالها التي قدمتها في المعارض

واليوم تحتفظ بقطع من وسائد حاكتها بالصنارة الواحدة من خيوط الصوف لتظهر كأنها حياكة "نول"، ولديها مفارش قماش استخدمت في تزيينها الصنارة وخيوطاً رفيعة بالقياس الذي تستخدمه للخياطة، ومن جهازي أحتفظ بقطع من عملها أثناء الاغتراب، وهي التي تعودت طوال حياتها أن تهدي من شغل وإنتاج يديها، وتكون سعيدة لأن هذه القطع ستبقى ذكرى جميلة في منازل أقاربها وكل من أحبّها».

ما يجدر ذكره، أنّ ربّة المنزل "جمال أبو منصور" من مواليد "السويداء"، 1940، شاركت بعدد من معارض "أبناء الجولان"، وفي "التكية السليمانية"، ومنزلها تحوّل إلى معرض لهذه الأعمال اليدوية المميزة.