لدى "أيمن غرز الدين" تنوّع إبداعي؛ حيث أجاد العزف الموسيقي، والفن الدرامي، والمسرح، ومكّن ثقافته بالكتابة الدرامية المتلفزة، ولكنه ظل الإنسان العاشق لإنسانيته بمحبته لمهنته الأساسية التمريض.

حول شخصية "أيمن غرز الدين" الفنية والإبداعية، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 29 أيلول 2016، التقت المخرج "رفعت الهادي"، وعنه يقول: «عرفت "أيمن غرز الدين" قبل ما ينوف عن عقدين من الزمن، عملت وإياه في أعمال فنية مسرحية ودرامية عديدة، حيث تكوّنت لدي رؤية أنه شاب طموح يستطيع أن يخرج من إطار التقليد المحلي إلى الفضاء الأرحب والأوسع في عالم الإبداع، خاصة بعد يقيني بحبه لمهنة التمريض ودراستها علمياً، بعد أن قدم إلينا من قرية "خربة عواد" الحدودية، فالتعايش هناك قد يكون صعباً من حيث التماهي بين طبيعة الأرض الواحدة واختلاف نظام المجتمع، لكنه تغلب على نظام قريته المستهلك ليكون المنتج المبدع في أمور متعددة، أهمها مبادراته في الخدمة الإنسانية والاجتماعية من خلال التمريض وعلاقته مع الإنسان وارتباطه به بالمبادرات الإنسانية والاجتماعية والفنية، حيث كان التنوع لديه دلالة على حرصه التام لإيجاد روابط بين إبداعه الفني والروحي والإنساني، لذلك نراه يعزف على آلة العود بمهارة، وممثلاً مسرحياً جيداً، وكاتباً للدراما المسرحية والتلفزيونية، ونشاطه يعبر عن شخصيته ذات التجدد الدائم، ولكن أكثر ما أراه إنسانياً وهو في سلك التمريض الذي أحب أن يكون فيه».

ويبقى التمريض هو العامل الأهمّ لدي؛ لأنه العمل الأكثر ارتباطاً مع الإنسانية، والمبدع لمبادرات إنسانية وخيرية متعددة، حينما ترسم ابتسامة على شفاه مريض، تشعر بأن طاقة الإبداع لديك ارتفع منسوبها، وتعالت صيحات الوجد أن الإنسان المتماهي بالإنساني مع أخيه الإنسان، وهذا حافز أيضاً أن يكون المرء منتجاً لعمل اجتماعي أخلاقي وليس مستهلكاً لكل شيء في الطبيعة من دون خدمة المجتمع

وفي لقاء معه، تحدث "أيمن غرز الدين" عن مسيرة حياته، ويقول: «في قرية "خربة عواد" الحدودية، التي تبعد 50كم عن محافظة "السويداء" كانت ولادتي عام 1974، تعلمت بمدرستها الابتدائية، وانتقلت إلى مدرسة "الغارية" لأتابع تعليمي بمدارسها التي تبعد عن قريتي 10كم، تربيت بكنف أسرتي التي تنتمي إلى طبقة الفلاحين، لم يُشبع المشهد خيالي هاجس الحضور الدائم، يذكرني كل حين بالحمام الزاجل الذي يوصل الرسالة إلى مكانها مهما كانت المسافة بعيدة وطال الزمن، فكانت بدايتي بنقش الرسالة بدواة لم أعرف كيف مسكتها وتعرفت إليها، إنها آلة العود، هذه الآلة الموسيقية المحببة في "السويداء" وفي قريتي بوجه خاص، وحتى هذا الحين لا أعلم كيف تعلمت، إنها الفطرة، ولأن معظم شبان قريتي يعزفون على هذه الآلة، والواقع والحلم واحد؛ لذا كانت أول أغنية أصنعها كلمة ولحناً وأنا في عمر 17 عاماً؛ أُعبّر بها عن الحب والغربة والاشتياق إلى الوطن والدار بعنوان: "نحنى غلطنا وغبنّا يا دار"، تلتها أغنية "يا أغلى الغوالي" أهديتها إلى أمي بعيدها، ورأيت بها كما هي قريتي، تدفع بي إلى الأمام، وبالتزام ومسؤولية كبيرة، كنت أرى نجاح الأغنية من خلال سماعها بأصوات الآخرين».

المخرج رفعت الهادي

ويتابع عن جمعه بين الموسيقا ومهنة التمريض: «حين التحقت بمدرسة التمريض كان اعتقادي أن هذا المجال لا يتوافق مع متابعتي للموسيقا، ولكن بعد حين اكتشفت أن رسالة التمريض شأنها شأن أي رسالة إنسانية أخرى، فهي تتقاطع مع الرسالة الفنية بكثير من الأشياء، أهمها شعور الشخص بالآخرين، وترجمة هذه المشاعر من خلال رسم السعادة على وجوههم؛ وهذا ما أعطاني الدفع لاستئناف دراستي بالفن والعناية بدراسة المجالين الإنسانيين بحمل رسالة الفن والتمريض معاً، وبدأت دراسة أصول النوتة الموسيقية من دون العودة إلى معلم، وهو سبب عدم تطور العزف والأداء التكنيكي لدي، ولكنه لم يؤثر بإحساسي واستطاعتي بالتلحين، ربما لقناعتي أن الإبداع هو اكتساب، ولا يمكن أن يُدرّس.

ولأن الأغنية تحتاج إلى كمّ معرفي لتوليّد الإبداع، فقد لجأت إلى البحث بمواضيع متنوعة وقراءة كبار الشعراء، لأقوم بتلحين قصيدة للشاعر الكبير "نزار قباني" بعنوان: "من مفكرة عاشق دمشقي"، وقصيدة للشاعر "بدر شاكر السياب" بعنوان: "جيكور أمي"، وأخرى لـ"سلامة عبيد" بعنوان: "أوراق الخريف" من ديوانه "الله والغريب"، ثم تعاونت مع كثيرين من الشعراء في المحافظة، منهم: "مفيد النبواني"، و"هايل غرز الدين"، و"سيمون غرز الدين"».

أيمن غرز الدين الممرض

وعن المسرح، يضيف: «بعد تجربتي بالتلحين والبحث عن الجملة الشعرية والموسيقية وجدت نفسي أخوض عالم المسرح ببداية متواضعة كممثل ومؤلف في المسرح المدرسي، وذلك عندما كنت في المرحلة الابتدائية والإعدادية، ثم التحقت بدورتين في الإخراج المسرحي في "دمشق" عامي 1998–1999، وتميزت الثانية بحصولي على دور البطولة للعرض المسرحي "ليالي الحصاد"؛ وهو من تأليف الكاتب المصري "محمود ذياب"، وإخراج "هشام كفارنة"، ووظفت ألحاني بعنوان: "زرعتك ريحاني" في هذا العمل.

شاركت في أعمال تلفزيونية، منها: مسلسل "بقايا صور"، والمسلسل التاريخي "صلاح الدين"، و"انتقام الوردة"، و"هيك تزوجنّا"، وأول تجربة إخراج عمل مسرحي كانت "الملك هو الملك" لـ"سعد الله ونوس"، وقد أشرف على إنجاح هذه التجربة المخرج "رفعت الهادي"، كما أخرجت عملاً مسرحياً من تأليفي "محطات مشوشة" بالتوازي مع اشتراكي بالتمثيل في فرقة "حكايا"، ومشاركتي بعرض "كاليكولا" لـ"ألبير كامو"، فقد قُدمت هذه المسرحية في كافة المحافظات تقريباً، وحصدت الكثير من جوائز المهرجانات المسرحية، وشاركت بموسيقا تصويرية مرافقة للعرض المسرحي "رغيف السماء"، تأليف "منصور حرب هنيدي"، وإخراج "رفعت الهادي"، وكان لنا شرف المشاركة بمهرجان "السويداء المسرحي الأول" المقام بتاريخ 23-7-2016، بعرض مسرحي "كلب السفير" من إخراجي، وتأليف "ممدوح عدوان"، وتمثيل "فارس الحلبي" و"جميل مسعود"».

أيمن غرز الدين كاتب المسرح

ومن جانب آخر، يقول: «ويبقى التمريض هو العامل الأهمّ لدي؛ لأنه العمل الأكثر ارتباطاً مع الإنسانية، والمبدع لمبادرات إنسانية وخيرية متعددة، حينما ترسم ابتسامة على شفاه مريض، تشعر بأن طاقة الإبداع لديك ارتفع منسوبها، وتعالت صيحات الوجد أن الإنسان المتماهي بالإنساني مع أخيه الإنسان، وهذا حافز أيضاً أن يكون المرء منتجاً لعمل اجتماعي أخلاقي وليس مستهلكاً لكل شيء في الطبيعة من دون خدمة المجتمع».