خلال تنقله في ريف المحافظة استمع بشغف إلى تجارب رجالات تلك المرحلة والمراحل السابقة، وبعد سنوات كانت صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي غنية بكنوز تلك الشخصيات والأماكن.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 آب 2016، موثّق شخصيات الجبل "عثمان حمزة" وهو موظف متقاعد في مديرية زراعة السويداء، فتحدث عن طفولته وما تركته في نفسه، ويقول: «أنا الثالث بين أشقائي السبعة، وكنت منافساً لأخي الكبير، ومحباً لكل قصص الكبار. وفي المدرسة أصبحت أسمع كلمات التشجيع من معلمتي؛ وهو ما جعلني أحب المدرسة أكثر، أخذ هذا التشجيع يزداد عاماً بعد آخر فوجدت نفسي محترماً في المدرسة أكثر من البيت، وأظنّ أن هذا الأمر جعلني أحب العلم، ثم تطورت حالة الحب فأثر بي الكثيرون من المعلمين العظماء، وأصبح الكتاب صديقي حتى خارج المدرسة، فقد كانت لدي هواية البحث عن الأخبار والقصص الغريبة والعلمية، وساعدتني ذاكرتي على حفظ الكثير من الأرقام والأخبار والأشعار».

أنا لا أعدّ نفسي كاتباً، ويلزمني الكثير للوصول إلى هذه الدرجة؛ فهي مجرد هواية، وأجد نفسي في الزراعة، ويكبحني عن ممارستها عدم توفر الأرض المناسبة، في "عرى" الأرض خصبة، ولكنها تحتاج إلى مياه؛ لذلك أطمح بالحصول على قطعة في "الجبل" يمكن استثمارها بالزراعة البعلية

وعن أهم المدرّسين الذين تركوا بصمة في حياته، يضيف: «كنت محظوظاً بلقاء أشخاص كانت لهم بصمتهم في الحياة العامة، وكانت هذه سمة المدرّسين الأوائل الذين حظيت بلقائهم، وأول من تأثرت به كان المدرّس الراحل "توفيق حمزة"، وبعده أستاذي القاضي المستشار "نمر الفريحات" الإنسان المثقف الذي يتمتع بحسّ إنساني وسعة صدر، ومدير مدرستنا المعلم "سلمان الفارس".

مع زملائه في المدرسة

في المرحلة الاعدادية التي قضيتها في مدينة "السويداء" كان الإهمال مسيطراً بسبب بعدنا عن مراقبة الأهل، وبعد ذلك وبسبب الوضع الاقتصادي اخترت "المعهد البيطري" في دراستي فهو مضمون الوظيفة، فتخصصت بالتلقيح الاصطناعي، وكان اختصاصاً جديداً، وعند تخرجي عام 1975 عملت به، ولم يكن في المحافظة من يعمل بهذا المجال سوى الدكتور "نجيب عزي"، وأول جهاز تلقيح بالمحافظة كان باستلامي من "دمشق"، لذلك كان صعباً جداً حينئذ إقناع مربي المواشي أن إبرة صغيرة تجعل البقرة تحمل وتلد، وبذلنا جهوداً مضاعفة لإثبات نجاح هذا العمل الجديد، ونجحنا، وأصبح لدي معارف في كل أنحاء المحافظة ساعدونا في الدعاية لاتباع هذه الطريقة لتحسين سلالات الأبقار الحلوب».

وتابع عن عمله: «وصلت بالعمل إلى مناطق بعيدة في المحافظة ومحافظة "درعا"، وكنت أقضي 14 ساعة في أحيان كثيرة متنقلاً على دراجتي النارية، وكان الناس يظنّون أنني طبيب بيطري؛ لأنني كنت أحاول مساعدة المربين على تقديم المعونة، وكانوا يستدعونني في الحالات المستعصية لثقتهم بقراري مهما كان، وقمت بتدريب العديد من الأطباء البيطريين الذين يثقون برأيي الفني. وحبي بالاطلاع جعلني أقرأ كل الكتب التي تدرّس في كلية الطب البيطري، ولم أدّخر جهداً بالاطلاع على المنشورات التي تخص هذه المهنة والبحث عنها، والحصول على كل جديد؛ وهذا الأمر جعل علاقتي بمربي الثروة الحيوانية علاقة صداقة وثقة، وليست علاقة عمل فقط.

مع عائلته

وفي أوقات الفراغ كنت أذهب إلى ثانوية "الحكمة" الخاصة لأحضر دروس المربي الفاضل "رضوان رضوان" الذي كنت أستمتع بدروسه وطريقته؛ فهو ممن أثروا بطريقة تفكيري وحتى أسلوبي بالحديث».

أما فيما يتعلق بالقصص التي دوّنها عن الشخصيات في "الجبل" وبعض الأماكن العامة ومصادرها، فيقول: «أعدّ كل شخص عمل بالشأن العام وأعطى هذا البلد شيئاً من جهده ووقته على حساب بيته وعائلته، شخصية تستحق التكريم والنشر لنقتدي بها ونسلك سلوكها، وأركّز على من اعتمدوا العلم منهجاً في حياتهم ومن سبقوا عصرهم في تفكيرهم. أما المصادر، فهي أغلب الأوقات الشخص نفسه وما يرويه من أحاديث أمامي، وإذا كان لديه وثائق يمكن الاستفادة منها، أو في حالة عدم وجود الشخصية؛ فالمعلومات من الدائرة الضيقة من أقاربه ومن أصدقائه المقربين، وكل هدفي أن نصل إلى اليوم الذي نجد فيه "أرشيفاً" منسقاً على مواقع الإنترنت لكل هذه الشخصيات؛ ففي تجاربهم دروس مهمة للأجيال القادمة».

في سوق ضيعتنا

على الرغم من شهرته الواسعة بين الناس من خلال عمله في الزراعة، وقيامه بعدد من المبادرات التي تصبّ في خدمة البيئة كما هو الحال في "نادي عرى البيئي"، و"سوق ضيعتنا" الذي ساهم في تأسيسه، وكذلك من خلال صفحته الشيقة على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فهو لا يجد في نفسه القدرة على الكتابة والتأليف، ويعدّها مجرد هواية، ويضيف: «أنا لا أعدّ نفسي كاتباً، ويلزمني الكثير للوصول إلى هذه الدرجة؛ فهي مجرد هواية، وأجد نفسي في الزراعة، ويكبحني عن ممارستها عدم توفر الأرض المناسبة، في "عرى" الأرض خصبة، ولكنها تحتاج إلى مياه؛ لذلك أطمح بالحصول على قطعة في "الجبل" يمكن استثمارها بالزراعة البعلية».

الناشط الاجتماعي والرياضي في قرية "عرى" الكابتن "مجيد الأعور"، تحدث عن عدد من النقاط التي تميّز بها "حمزة" بالقول: «يعدّ "عثمان حمزة" صاحب مبادرات إنسانية كثيرة، يقف دائماً خلف الستار، عمل نائباً لإدارة "النادي البيئي" بأفكار لم يسبقه إليها أحد، فاقترح إقامة تكريم للرعيل الأول للمعلمين، وشارك في مؤتمرات البيئة ومنتدى الجمعيات الحكومية كممثل عن النادي البيئي، ولن ننسى نجاحه في عمله كبيطري، وكان هدفه الأساسي إنسانياً بامتياز، وكان يتقاضى أقلّ الأجور، وهو مزارع من الدرجة الأولى يستفيد من أقل المساحات لتحويلها إلى جنة خضراء بعيداً عن استخدام الكيماويات، مثقف من الطراز الأول، حيث يقضي معظم أوقاته في نهل الثقافة، ولا تكاد تخلو جلسة من جلساته من استرجاع كتاب قرأه أو سمع عنه، وخاصة فيما يتعلق بتاريخ "الجبل"».