صنعت "حنان نصار" عالمها بطريقة تشبه الروايات والقصص الخرافية، بعد أن اكتشفت وحدتها وعزلتها وفقرها الذي كاد ينهش حياتها وأولادها الأربعة من دون أن تشكو همّها لأحد، وبعزيمة لا تلين باتت مع ابنتيها في الجامعة، وبنت مشروعها المثمر.

مدونة وطن "eSyria" التقت ربة المنزل والطالبة في كلية الآداب الأمّ "حنان نصار"، في 12 آب 2016، لتروي قصة كفاحها الطويلة مع العلم والأسرة، فقالت: «وصلت إلى جامعة "دمشق" بالإرادة المطلقة، كنت منذ الصغر فتاة مجتهدة، ونتيجة ظروف أهلي السيئة تركت المدرسة على الرغم من أنني كنت الأولى على صفي، فقد منعت من الدراسة في المنزل لكي أقوم بأعبائه بدلاً من خالتي زوجة أبي، كنت أذهب باكراً إلى المدرسة وأستغل الفرصة للدراسة على الطريق الطويل، وهكذا حتى ازدادت الضغوطات فاستسلمت للواقع وتركت المدرسة، وتزوجت قبل أن أحصل على الشهادة الإعدادية، كان الهروب من المنزل عن طريق الزواج بابن عمي الذي يعرف عني كل شيء حلّاً مناسباً جداً لطفلة صغيرة ظنت أنها ترتقي إلى الجنة، جاءت ابنتي "قمر" بعد تسعة أشهر من زواجي، وكان وجودها كافياً لأصبر من أجلها، استشهد أخي وأنا حامل بابنتي الثانية "لينا"، وبعد سنتين توفي والدي حزناً على أخي، وزادت مشكلاتي مع زوجي، وبالنتيجة وجدت نفسي يتيمة أكثر مما كنت، وبين يدي ثلاثة أطفال؛ إن تركتهم سيعيشون اليتم الذي عشته في بيت أهلي، فقررت أن أربّي أولادي على الرغم من كل شيء».

وصلت إلى جامعة "دمشق" بالإرادة المطلقة، كنت منذ الصغر فتاة مجتهدة، ونتيجة ظروف أهلي السيئة تركت المدرسة على الرغم من أنني كنت الأولى على صفي، فقد منعت من الدراسة في المنزل لكي أقوم بأعبائه بدلاً من خالتي زوجة أبي، كنت أذهب باكراً إلى المدرسة وأستغل الفرصة للدراسة على الطريق الطويل، وهكذا حتى ازدادت الضغوطات فاستسلمت للواقع وتركت المدرسة، وتزوجت قبل أن أحصل على الشهادة الإعدادية، كان الهروب من المنزل عن طريق الزواج بابن عمي الذي يعرف عني كل شيء حلّاً مناسباً جداً لطفلة صغيرة ظنت أنها ترتقي إلى الجنة، جاءت ابنتي "قمر" بعد تسعة أشهر من زواجي، وكان وجودها كافياً لأصبر من أجلها، استشهد أخي وأنا حامل بابنتي الثانية "لينا"، وبعد سنتين توفي والدي حزناً على أخي، وزادت مشكلاتي مع زوجي، وبالنتيجة وجدت نفسي يتيمة أكثر مما كنت، وبين يدي ثلاثة أطفال؛ إن تركتهم سيعيشون اليتم الذي عشته في بيت أهلي، فقررت أن أربّي أولادي على الرغم من كل شيء

وعن انطلاقتها الجديدة نحو العلم وتربية الأولاد، تتابع، «امتهنت الضحك والمرح واللعب، وبدأت رحلة العزلة بعيداً عن الناس، والالتفات فقط لتربية الأولاد، وقررت أن أقدم الشهادة الإعدادية، كانت "قمر" في الصف الأول، و"لينا" في الرابعة من عمرها، والصغير "رضا" بعمر السنتين، كنت أقرأ وأقوم بأعمال المنزل، أتذكر أنني حفظت العلوم عندما كنت أنظف البيت، وخصصت لكل مادة عملاً من أعمال المنزل أقرأها عندما أقوم به، هكذا حتى لا آخذ من وقت أولادي شيئاً، وما أفادني حينئذٍ انعزالي عن العالم، لم أستطع أن أقرأ كل المواد، ومع ذلك حصلت على 155 علامة، وكانت فرحتي لا توصف بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ثم بدأت أقرأ للشهادة الثانوية،

مع عائلتها المتألقة

وهنا بدأ العذاب الحقيقي، ومشكلاتي مع زوجي الذي رفض الفكرة تماماً، فهذه السنة غير مسموح، والسنة الثانية اصطدمت بمرض الأولاد، وهكذا حتى أصبحت ابنتي الكبرى في الحادي عشر، عندها لم يكن لدي خيار لكون السنة المقبلة لدينا شهادة، ولا أستطيع أن آخذ من وقت ابنتي، فقررت أن آخذ الشهادة حتى لو كلفني ذلك الكثير، وكان الثمن انفصالي عن زوجي، ولكنني نجحت وحصلت على 183 علامة؛ لأدخل كلية الآداب، قسم التاريخ، على الرغم من رغبتي الشديدة بدخول الأدب العربي، وهكذا وخلال سنتين كنت في السنة الأولى تاريخ، وابنتي الكبرى سنة أولى هندسة زراعية، وابنتي الثانية تتحضر لـ"البكالوريا"، حيث دخلت كلية الصيدلة».

باتت تعيش مع أبنائها الأربعة في غرفة صغيرة لا يوجد فيها أي شيء، ناضلت من أجل الاحتفاظ بهم وبالصغير الذي أتى ولا ذنب له، واتخذت السعادة الداخلية بما أنجزته علاجاً لكل مآسيها، خاصة بعد أن خاصمها الأهل والأقارب، وانقطاع المورد المادي بالكامل، وتضيف: «لقد آمنت بأن السعادة داخلية بحتة،

في دورة لمة محبة مدربة ومعلمة

ولا علاقة لها بشخص أو مكان أو زمان أو عمر معين، وهكذا ربيت أولادي على هذه السعادة، لقد كنت بمعزل تام فكرياً عما يدور حولي من آلام ومشكلات، كنت أرى الأمور بإيجابية تامة، وبمجرد وقوع المشكلة أذهب إلى التفكير بالحل فوراً من دون الانتباه إلى الأسباب والغوص فيها، قرأت الكثير من الكتب التي ساعدتني في هذا المجال،

فالتفاؤل والتسامح كانا العنوان العريض لحياتي، وما كنت أرى إلا المحبة، وبالمحبة وحدها استطعت مواجهة ظروف الحياة القاسية، كنت حريصة على ذاتي الداخلية ونظافتها من تراكمات الزمن، وكنت بعيدة كل البعد عن المعتقدات الموروثة والأفكار البالية التي تدور في أذهان الناس حول طريقتي بالعيش وانعزالي، واتبعت التأمل والتنفس بطريقة صحيحة والاستماع إلى الموسيقا والرقص، والمشي في الطبيعة، والحديث مع مرآتي المتواضعة عن معاناتي، وبالمقابل كانت الخياطة وإعادة تدوير الأقمشة واللجوء إلى القروض الصغيرة الميسرة لتربية الأولاد هي إحدى طرائق المعيشة حتى حصلت على دينٍ مناسبٍ استأجرت من خلاله محلاً للألبسة وحسّنت ظروفي، وانتقلت إلى مرحلة أخرى جديدة تساعدني على إكمال دراستي مع أبنائي».

مع ابنتها مشروع صيدلانية

في عيد الأم الماضي تمّ تكريمها من قبل أعضاء "لمة محبة" الناشطة إنسانياً واجتماعياً في مدينة "شهبا"، وتعرف الناس إلى حياتها وعملها وأولادها، واكتشفوا أن تلك السيدة التي تلعب الكرة مع الأطفال، وتمارس الرياضة هي أمّ لأربعة أبناء متفوقين، وزاد على ذلك قيامها بتدريب النساء على تدوير الأقمشة والاستفادة المادية ممّا بين أيديهن، حيث قالت المهندسة "ولاء سلوم" العضو الفاعل في "لمّة محبة": «تحدّتها الحياة فقبلت التحدّي، وواجهت بكل قوة لتكمل قصتها التي لم تسمح لأحد غيرها أن يحدّد أحداثها.

"حنان نصار" أمّ لأربعة أولاد، لم يكن زواجها مكملاً لشخصيتها وحليفاً لأحلامها، بل كان محبِطاً لكل تطلعاتها وآمالها، هذا الزواج الذي بدأ بسنّ مبكرة، بعد معاناة طويلة، قرّرت الانفصال عن زوجها، وأخذت قرارها هذا مصمّمة أن تسير نحو الأفضل.

بدأت حياتها بعد الانفصال بضعف مادي، لتنطلق خطوة تلو أخرى نحو النجاح، كانت البدايات كخياطة ملابس متواضعة تبني بالخيط والإبرة أساساً لمستقبل مشرق، ثابرت وتعبت لتتمكن بعدها من افتتاح متجر للملابس الأوروبية المستعملة، وبعدها كان القادم أجمل؛ فقد تقدّمت بطلب قرض صغير ساعدها في المباشرة بمشروعها المتميز والمختلف؛ المتمثّل بإعادة تدوير الألبسة، فازدهر عملها وأصبح اسمها مقروناً بعمل نال الكثير من الاستحسان، وبات محطّ إعجاب كبير. وهي إضافة إلى عملها المتألق استطاعت نيل الشهادتين الإعدادية والثانوية، وسجلت بكلية التاريخ في جامعة "دمشق"، كما أنّها أمّ فاضلة لابنتين تتعلمان في الجامعات السورية، إحداهما في كلية الصيدلة، والأخرى في كلية الزراعة، ولديها ولدان مميزان في مرحلتي التعليم الإعدادية والثانوية.

"حنان نصار" المرأة الواثقة والناجحة، التي استطاعت بإرادتها وتنظيمها أن تُحدِث فرقاً واضحاً بحياتها وحياة أبنائها، لم تسمح للمجتمع أن يقف عائقاً أمام طموحاتها».