عشقت "نجاة حمزة" الفن والأعمال اليدوية؛ حتى يخيّل لك أن منزلها متحف حوى من إنتاج يديها ما ينطبق عليه وصف التحف متنوعة الخامة متقنة الصنع؛ التي تفتخر بها مع دخولها عقدها السابع.

هذه السيدة النشيطة المعروفة بـ"أم أسامة" تحاكي في ترتيب منزلها مواهب مختلفة تعبر عنها بأنها جزء مهم وأساسي يتكئ على ذوق المرأة وميلها الطبيعي إلى الجمال، وفي حوارها مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 أيار 2016، تعرفنا أكثر إلى تجربة نسائية فريدة لم تغيبها سنوات العمر وحوادث المرض، وعن ذلك تروي قائلة: «ولدت في مدينة "صلخد" ولم أكمل تعليمي لأنني تزوجت بعمر السادسة عشرة واغتربت مع زوجي إلى فنزويلا، هناك كان للحياة وضع يختلف عما نحياه في بلادنا، ولأنني كنت منذ الطفولة عاشقة للرسم والأعمال اليدوية والمنزلية؛ لم أكتفِ بالعمل في المحل التجاري الذي امتلكناه لأتبع مجموعة من الدورات في صناعة السيراميك والاستفادة من توالف البيئة؛ كنت فيها من الأوائل بين المتدربين.

سيدة نشيطة امتلكت مهارات فنية بجهدها الذاتي خارج حدود المعاهد والأكاديميات لرغبتها بالعمل والعطاء وتقديم ذوقها وفنها الرفيع، قاومت المرض بالفن، وكان وسيلتها لتجاوزه بسلام لتراها في شباب ونشاط وحيوية دائمة، هي مثال جميل للمرأة السورية التي تؤكد حضورها بالعمل المميز، هذه السيدة خبرة فنية لها وزن، قدمت من خبرتها الكثير للمتدربات ومن عشقن الفن، وأعطت بصدق لمنزلها لتكون متميزة كربة منزل وأم وفنانة قديرة، أتمنى لها الصحة لتعيد تقديم معارض كتلك التي قدمتها خلال فترة السبعينيات؛ لتنقل ما لديها من خبرات على نطاق واسع ينسجم مع حجم عملها بالخشبيات والتحف وكل القطع الجميلة التي مهرت باسمها

وتابعت من خلال إقامة معارض خاصة للتعريف بموهبتي التي بدأت أيام المدرسة عندما رسمت على الخشب لوحة لنسر الحرية، وفي تلك الأيام أتذكر أنني تلقيت مكافأة من "شكري القوتلي" عندما زار مدينة "صلخد" وقد أعدت هذه اللوحة بطريقة الحرق على الخشب، وأحتفظ بها لغاية اليوم.

تيسير شروف

وبوجه عام عملت بخامات عدة، منها من لب الخبز والنشاء شكلت منها زهوراً عمرها اليوم أربعون عاماً، وحافظت على جمالها وزهوتها طوال هذه السنين، وبعد قرابة عشرين عاماً عدنا إلى الوطن وأسسنا محلاً تجارياً وبقيت على ذات الوتيرة أعمل في الصباح، وأفرد المساء لعملي الفني في الحرق على الخشب، وكان أول أعمالي معرضاً تبناه الاتحاد النسائي في السبعينيات قدمت به مجموعة أعمال لاقت الاستحسان، وكانت غريبة ومتقدمة على الأعمال اليدوية والفنية السائدة في تلك الفترة، وكررت التجربة، وكان منزلي مقصداً للسياح من خلال ابني الذي عمل لسنوات كدليل سياحي، وبعت الكثير من الأعمال المميزة على الخشب حرصت على تقديمها بحلة طبيعية وبوضعيات معبرة تنسجم مع حجم القطعة الخشبية».

تفننت بتزيين الصناديق الخشبية و"طاولة الزهر" التي تصمم رسومها تصميماً لافتاً ومميزاً يجعلها مناسبة للعرض كعمل فني جميل وفق ما أضافت بالقول: «في السبعينيات وخلال رحلة العودة إلى الوطن قمت بزيارة إلى فرنسا لمدة خمسة عشر يوماً واطلعت هناك على طريقة الرسم على الخشب؛ لأضيف إلى تجربتي طرائق جديدة ومعلومات سحرتني في تلك المرحلة، وتابعت بعدها اهتمامي بالخشب لكون الشغل على الصناديق الخشبية مقاوماً للزمن ويمكن الاحتفاظ به لسنوات طويلة، ولدي اليوم مجموعة مميزة؛ منها أعرضها في منزلي، لكن المجموعة التي استحوذت على اهتمامي هي مجموعة لطاولات "الزهر" التي زينتها ليكون الظهر لوحة متكاملة بألوان الطيور الزاهية، وفي قلبها جعلت لكل جهة اتجاهاً يسير مع نظر اللاعب لتكون حالة تناظر دقيقة للطيور؛ تلك التي لم أرغب يوماً بتربيتها كي لا أسجنها في أقفاص لكن حرصت على تجسيدها على الخشب، وهذه المجموعة بالذات تركت منها عدة قطع لتكون إرثاً لأولادي تزين منازلهم وذكرى مني حمّلتها من عواطفي وارتباطي بأسرتي وأولادي الكثير.

نجاة حمزة تعرض "طاولة الزهر" التي زينتها برسوماتها

للوقت لديها حسابات دقيقة لأنها تعودت الحياة العملية ولا ترضيها ساعات الراحة الطويلة؛ ليكون لأسرتها وللفن الحصة الأكبر كما قالت: «لم أهمل يوماً منزلي على حساب عملي الفني؛ فأدخلت الفن إليه ليكون لترتيب المطبخ وبيت المؤونة والصالون حالة فنية واضحة تدهش الزائر، وهذا كله ليس للعرض، بل لأنني أعي أهمية وجود بصمة خاصة بالمرأة في منزلها إلى جانب حضورها وتربية الأبناء والتعلم؛ فهناك حضور الذوق والجمال وهي المجسدة لهذه الحالة. وبالنسبة لي ومع دخولي عقدي السابع حافظت على علاقتي مع الفن على الرغم من حالات المرض التي تعرضت لها والعلاجات الطويلة، وكنت مع ذلك أتابع الرسم وأنقل إلى أحفادي الكثير من الرسائل عبر أعمال فنية مختلفة آخرها صندوق خشبي زينته لحفيدتي، والسرير، وقطع المولود الجديد، وزينت خابية الماء التراثية القديمة، واستفدت من بذور الثمار في تزيين الجرار، وشكلت لوحات فنية مختلفة تسعدني اليوم وأعرضها لتبهج عين الناظر وتبقى دليلاً على أن أنامل المرأة خلقت للفن وتكريس الجمال».

الرسم على الخشب والعمل بتوالف البيئة وخامات مختلفة تسلية من المرض وفرصة للتعبير عن المرأة السورية وما تمتلكه من جمال وذوق، تنثره السيدة في أرجاء منزلها تعرض مقتنيات فنية ساحرة؛ وفق حديث الخياط "تيسير شروف" المهتم بالتراث والمتابع لعملها لكونه جارها، وقال: «في منزل هذه السيدة تجسيد لتجارب فنية نفذتها بخبرتها الذاتية وحصيلة عمل منتج باشرته في سنوات الاغتراب خارج القطر مع زوجها، لتجد تنوعاً كبيراً بالخامات؛ حيث تأسرك واجهة كبيرة للصناديق الخشبية التي زينتها بالحرق وأضافت إليها تصاميمها الفريدة في تجارب مميزة، كما عرضت مجموعة من الصناديق زركشتها بتصاميم السيراميك الملونة بأشكال الزهور، وقد لا تجد في صالونها ركناً خالياً من تكوين أو لوحات خشبية زينتها بالطيور بطريقة مميزة ودقيقة تعكس ذوقها وتجربتها التي لم تتوقف عند عمر معين؛ لتنتج بعمر السبعين قطعاً تفوق بجمالها ما أنتجته في مراحل سابقة إلى جانب اهتمامها بالتراث؛ حيث تجد وسط الصالة خابية الماء التي تعاملت معها بفن وذوق وقدمتها بشكل جميل، وعدد من القطع التي صنعتها من لب الخبز وهي مميزة للغاية».

صناديق فاخرة تزينها برقة وذوق

تجربة نسائية فريدة رافقت الفن على الرغم من الصعوبات، وحافظت على الفن لغاية الفن؛ كما حدثتنا رئيسة جمعية تنظيم الأسرة "إقبال حامد" التي تابعت أعمالها ومعارضها المميزة، وقالت: «سيدة نشيطة امتلكت مهارات فنية بجهدها الذاتي خارج حدود المعاهد والأكاديميات لرغبتها بالعمل والعطاء وتقديم ذوقها وفنها الرفيع، قاومت المرض بالفن، وكان وسيلتها لتجاوزه بسلام لتراها في شباب ونشاط وحيوية دائمة، هي مثال جميل للمرأة السورية التي تؤكد حضورها بالعمل المميز، هذه السيدة خبرة فنية لها وزن، قدمت من خبرتها الكثير للمتدربات ومن عشقن الفن، وأعطت بصدق لمنزلها لتكون متميزة كربة منزل وأم وفنانة قديرة، أتمنى لها الصحة لتعيد تقديم معارض كتلك التي قدمتها خلال فترة السبعينيات؛ لتنقل ما لديها من خبرات على نطاق واسع ينسجم مع حجم عملها بالخشبيات والتحف وكل القطع الجميلة التي مهرت باسمها».

الجدير بالذكر، أن "أم أسامة نجاة حمزة" من مواليد عام 1945 "صلخد"، عاشت مدة طويلة في بلنسية - فنزويلا، وقدمت مجموعة معارض، وفي وطنها لها بصمات ومعارض احتضنها المركز الثقافي ونقابة الفنانين، ولديها رصيد ضخم ومميز من الأعمال الفنية، وهي مقصد للمتدربات اللواتي ينهلن من خبرتها الفنية في كل المجالات.