تعدّ "منتهى ناصيف" تعليم طلاب الصف الأول فرصة حياة لكشف المكنون في عقولهم ونفوسهم، فحازت احترام وتقدير الأهالي، وكان لأفكارها الغريبة وطرائق تعليمها للصغار صدى اكتسبته عندما تم اختيارها ضمن المعلمين الأوائل على مستوى "سورية".

مدونة وطن "eSyria" التقت المعلمة "منتهى ناصيف" في مدينة "شهبا" بتاريخ 25 أيار 2016؛ لتتحدث عن دخولها هذا المجال بالقول: «أنا من أسرة تحترم مهنة التعليم، وتعدّها رسالة إنسانية مقدسة، فوالدي كان قد مارسها قبل أن يصبح موجهاً تربوياً، ثم تقاعد بعد أن زرع فينا تلك المحبة للمهنة، ولهذا أغلب أفراد أسرتي معلمون ومعلمات.

شعاري الدائم يتلخص في كلمات بسيطة هي: "لا يوجد طفل سيء لا أمل فيه"، فكل الأطفال عندهم قدرة وذكاء وعلينا فقط تحريضها بصورة سلسة وطبيعية لنحصل على طفل مبدع، وكل طفل لديه مهارات عديدة لكنها تبقى كامنة إن لم يجد جواً من الحرية والفرح، فالطفل الحر هو طفل مبدع

لقد عشقت هذه المهنة منذ أن كنت صغيرة، وعندما بدأت بها منذ عشرين عاماً، اعتبرتها هدية الله لي، فمحبة الأطفال والتعامل معهم من أجمل الأشياء في حياتي، وما زلت أعشق الدخول إلى الصف ورؤية الأطفال أمامي، خاصة عندما أراهم يتغيرون كبذور تتفتح لتصبح بعد الرعاية والاهتمام أزهاراً ناضجة وفراشات مقبلة على الحياة، وأرى أن لكل طفل خصوصيته، وأحاول اكتشافه، فعالمه البريء والنقي يعني بالنسبة لي الكثير، ولأنني أعدّ نفسي شريكة حقيقية مع الأهل بهذا الطفل فالثقة التي أبنيها معهم تزيح أي صعوبات بالتعلم».

الفنانة ميسون أبو كرم

وعن الشعار الذي حافظت على تعزيزه طوال مسيرتها مع طلاب الصف الأول، تضيف: «شعاري الدائم يتلخص في كلمات بسيطة هي: "لا يوجد طفل سيء لا أمل فيه"، فكل الأطفال عندهم قدرة وذكاء وعلينا فقط تحريضها بصورة سلسة وطبيعية لنحصل على طفل مبدع، وكل طفل لديه مهارات عديدة لكنها تبقى كامنة إن لم يجد جواً من الحرية والفرح، فالطفل الحر هو طفل مبدع».

بات تعليم الصف الأول سمة عامة في حياتها اشتهرت به في مدينة "شهبا" من خلال الطرائق المبتكرة التي تتبعها لكشف قدرات هذا السن الحساس في عمر الأطفال، وأكدت: «أعتمد بتعليمي للأطفال كشف هذه المهارات وتطويرها، لنصل بنهاية العام إلى صف فيه أطفال مميزون بالكثير من المواهب ولديهم قدرات لافتة يمكن البناء عليها مستقبلاً، فالصبر والقدرة على التوافق، ومحاولة سبر نفسية الطفل وإظهار ما يكتنز عملية صعبة إذا لم تترافق مع حب المهنة وهذا العالم بالذات، ولهذا نلت الكثير من بطاقات وكتب الشكر أثناء مسيرتي بالتعليم، والحقيقة إنني لم أسعَ إليها أبداً، لكن هناك من يقدر تعبك على الدوام ويراقب نجاحات الأطفال معك، وكانت من أجمل اللحظات في حياتي عندما فزت على مستوى المحافظة بمسابقة أفضل وأميز عشرة دروس تطبيقية، وكنت من الخمسة الأوائل على المحافظة، واشتركت على مستوى القطر بمنافسة مع ثمانية وعشرين معلماً لاختيار أفضل معلم صف، وكانت تجربة رائعة عندما ذهبنا لإتمام المنافسة في الشهر الماضي، وهناك اختاروا لنا مدرسة مختلفة ودرس مختلف لننفذه أمام كاميرا التصوير وبجوّ مختلف، وتجربة جداً مختلفة، وما زالت النتيجة قيد الإصدار».

داخل الصف مع تلاميذها

أفكارها التي تبدو غريبة بعض الشيء تجعل العيون تناظرها كل سنة، فهي تختار عيداً من الأعياد المحببة للأهل والأطفال حتى تبرز جانباً مخفياً عند طلابها لتضعه أمام الأهل، وتقول: «أحب أن أغرس في عقل تلاميذي المحبة لكل شيء، وخصوصاً للأهل والأم، فهذه السنة مثلاً أقمت حفلة بسيطة في عيد "الأم"، حيث تجلس الأمهات في الصف مكان أبنائهن، ويقف التلاميذ ليقدموا مواهبهم من شعر وغناء ومسرح، وهذا نتاج عام من العمل والتدريب، فأغلب الأطفال يقدمون لأمهاتهم الأشعار من تأليفهم أو أغنية ليفرحن بها، وأعدّ الاحتفال بالأم يشبه الاحتفال بالأرض، هو احتفال بما أزهرت، ولما تزهر من مواهب وإبداع بعقول وأرواح تلاميذي».

وتضيف: «أحببت أن أعلم هذا العمر بالتحديد لأن عالمهم البريء يدهشني، وأستطيع أن أكوّن منهم العجينة التي أريد، وأكتشف مواهبهم وأحاول أن أبني عليها، ويلمس الجميع التغيير في نهاية العام من خلال الكتابة والقراءة، واكتساب المهارات، ومن خلال تفاعلهم الإنساني مع من حولهم، وهذا ما يجعلني سعيدة بنيل ثمار تعبي معهم، وبصدق فأنا أيضاً أتعلم منهم الكثير، فنقاء أرواحهم وحماسهم للحكاية الجديدة كل يوم وتفاعلهم معي يجعلني أستمتع مثلهم بالدرس، وفي كل سنة أقول لنفسي: "هذه آخر سنة لي في الصف الأول"، وعندما أدخل في اليوم الأول وأرى عيونهم أتراجع وأقول: "هذه آخر سنة!".. وهكذا».

احتفال عيد الأم بحضور الأمهات

لم يقتصر دورها على التعليم، فقد انخرطت في "لمة محبة" للعمل ضمن المجتمع الأهلي من خلال حملات الزراعة والنظافة ومساعدة الطلبة على العلم، وبناء المحبة بين الناس، حيث تقول عن هذه المشاركة: «لقد وجدت مع فريق "لمة محبة" الرسالة الإنسانية التي طالما بحثت عنها، ومعهم كفريق كانت نشاطاتنا التي تدعو إلى العمل التعاوني وبث روح المحبة بين الجميع بهذه الظروف الصعبة من خلال نشر ثقافة الحياة على الرغم من كل الصعوبات التي ترافق أي عمل، وقد زرعنا بصمات واضحة في المجتمع، وبات للفريق شخصية مؤثرة ضمن مدينة "شهبا" وفي المحيط القريب، على أمل التوسع والسير نحو الأمام».

الفنانة "ميسون أبو كرم" تحدثت عن معرفتها بالمعلمة "منتهى ناصيف" وتقول: «من يعرف "منتهى ناصيف" يعرف ذلك السلام الداخلي والأمل والإيجابية التي تعيشها وتحاول أن تنشرها على كل من حولها، تعاملت مع تلاميذها على مدى سنوات طويلة كأولادها بذلك الكم من الإنسانية لتكسب أشخاصاً يعرفون على الأقل كيف يستطيعون التعامل مع مجتمع يخضع للكثير من السلبيات، ومن أرقى أساليبها في التعليم ذلك الاحتفال السنوي لعيد الأم، وقد لاحظت عندما حضرت أحد هذه الاحتفالات ذلك التأثير للمربية "منتهى" في الأطفال، حيث كانوا يتحدثون بنفس تلك اللغة من الحب والسلام والدفء».

يذكر أن المربية "منتهى ناصيف" من مواليد "شهبا"، 1968.