حملت أحلامها منذ الطفولة ومشت محاولة تحقيقها بعناد امرأة وحنين وردة لعطر مجهول؛ فختمت رسالتها مع العلم لتصنع لنفسها مكانة بين الكتّاب والروائيين، والأجمل تلك المبادرات الخلاقة التي تساهم بها في منطقة "شهبا" عبر عملها التطوعي والإنساني.

وقصة المدرّسة والكاتبة "أحلام أبو عساف" التي ولدت في قرية "تيما" في ريف "السويداء" الشرقي تلهم النساء الباحثات عن الأمان، فتحدثت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 كانون الثاني 2016 عن تجربتها الطويلة مع التدريس والكتابة والعمل الإنساني بالقول: «لم تغب يوماً عن خاطري طفولتي، لعبي الصاخب، حبي لأن أكون دوماً في طليعة الحياة الراكدة، ولم أتنكر لها بتاتاً؛ فقد نشأت في بيت حريمي بامتياز، وفي قرية لا تعبأ للريح وهي تصفع بيوتها وتهز أشجارها؛ كرهتها مرة وأحببتها مرات، كنت أحلم بأن أصبح امرأة تشبه كل النساء الطموحات في وطني، وهذا ما فرضته على طفولتي وسعيت إليه في شبابي، ساعدني في تحقيق طموحي حبي للتعليم الذي عززه والدي الذي لم يهزأ بقدراتي، وراقبني وأنا أجتاز طفولتي وشبابي بأمان؛ فاخترت "معهد إعداد المدرّسين في السويداء"، لصعوبة ذهاب فتاة ريفية إلى "دمشق" والتعلم في الجامعة آنذاك».

كانت ظروف حياتها صعبة بانفصالها عن زوجها وبقرارها هي، وتحملت مسؤولية بيتها وأولادها وحيدة، وكانت مديرة مدرسة، ونجحت بامتياز في إدارة الدفة كربان وسط العواصف، ولديها شاب يدعى "فادي" سنة ثانية تعويضات سنية وعازف عود متألق يأخذ من شخصيتها القوية المبدعة الكثير، والحدث الأهم والأقسى بحياتها إصابتها بالسرطان وبقوة الإرادة استطاعت الشفاء منه. أما الآن فهي من أنشط الأعضاء في "لمة محبة" التي تساهم في زرع وترسيخ الجميل في المجتمع المحلي مع مجموعة متميزة من أهالي منطقة "شهبا"، إضافة إلى إبداعها في التأليف والكتابة

وتابعت: «بقي الحلم يراودني حتى حققته بعد سن الأربعين، الذي تغزلت به وابتعد بي نحو النجوم، وغادرنا معاً سن اليأس المزعوم لدى النساء، أنهيت دراسة المعهد بتفوق، وعدت إلى بلد الريح مثقلة بهموم هذه المهنة. دخلت عالم الطفولة منذ اليوم الأول بقلب أم وعقل معلمة، وعملت على هذا النحو حتى التقاعد، وأعتقد أنني غيرت الكثير من المفاهيم السائدة؛ منها تلك الحالة التي كان يرتعد الطفل خوفاً عندما يشاهد معلمه في الشارع، وأصبحت أعمل على أن يبتهج تلميذي ويطرب فرحاً وتزهر الحياة والمدرسة في عينه عندما يشاهد معلمه. وأظن أنني نجحت إلى حد كبير في هذا؛ حتى توجته بعد خدمة 18 سنة بكتاب شكر من مديرية التربية».

غلاف عملها الأول بريشة طلعت كيوان

وتابعت تكمل رحلتها مع التعليم: «كل دقيقة كنت أقضيها أبث معلومات متنوعة إلى جانب المنهاج المدرسي، في قاعة الدرس الباردة أحياناً؛ فأنسى ساعتها تلك المقولة عن الرعب المتبادل؛ محاولة تحويل ذلك إلى حياة تضج فرحاً وطموحاً وأماناً. عينت مديرة في تلك المدرسة بعد 23 سنة ولمدة ثماني سنوات، وتابعت على نفس المبدأ باتساع أكثر ليشمل المعلمين والأهالي فأضحت المدرسة مكاناً لتفتح الفرح والعلم معاً، ونلنا في نهاية الأمر الكتاب الثاني من الشكر والعرفان من جيل القرية الذي أصبح أفراده يعانق العلم في جميع جامعات القطر. وهنا لا أزعم أنني الأقدر، لكنني أعطيت وأوليت هذه المهنة المقدسة كل ما عندي، فردت لي الجميل وأعطتني كل الجمال، كنت مقتنعة أن المعلم هو المعني الأول بالثقافة الإيجابية لكي ينثرها على أجواء درسه، وعليه عدم الاكتفاء بمنهاج جامد لا يحاكي الواقع، وكثيراً ما طمحت بإعداد تلاميذي للحياة بدعمهم النفسي وتشجيعهم على الاطلاع والثقافة التي ما انقطعت عنها يوماً».

بعد التقاعد انبثقت حروفها لتدخل عالم الكتابة من بابها الواسع متسلّحة بثقافة عالية وخيال خصب، وتابعت: «بعد ثلاثين عاماً من مخالطتي لأجواء الثقافة وقراءاتي المتنوعة، انبثقت لدي كلمات تدافعت وصمّمت على الخروج بكل قوة، وامتزجت بألم وفرح دفين أبهجني وأدخل الاندهاش إلى روحي؛ فبت أراقب أفكاري حتى وجدتها يوماً تضغط على القلم فتولد سطوراً، وبمعنى أدق ترجلت أحلامي وركضت حافية إلي فاحتضنتها بين طيات كتاب، وكانت روايتي الأولى "ظمأ امرأة"، وكتاب إلكتروني حمل اسم إحدى قصصي "للعمى ألوان أخرى"؛ وكانا عصارة تجاربي بحلوها ومرها، وأعتقد أنها تجارب أي امرأة سعت لتلامس خيوط الشمس من دون أن تحترق في لهيبها؛ فكانت لها برداً وسلاماً».

مع لمة محبة

وعن قصة الرواية وما تحاول إيصاله من أفكار تابعت تقول: «كأي قصة تحدث مع امرأة في أسرة متعددة الأقطاب والتربية، حفرت فيها الطفولة والتمييز الأسري والمجتمعي بين الإناث والذكور أخاديد قد لا تكون كافية لكي تشوه لها روحها، بل قد تكون وشماً لا أكثر. ومع امتداد السنوات بهذه المرأة وكيف تخطئ بالاختيار نتيجة الجهل المتعارف عليه في تربية الفتاة، وأغلب الفتيات في زمن ليس بالبعيد، أي تسليط الضوء على الحيف الواقع على الرجل والمرأة ككل في مجتمعنا العربي، والقناعات الخاطئة التي يفاجأ بها الاثنان ليلة الزواج الأولى، ومن ثم كسر هذا الطوق بعدة أساليب. أظنها مغامرة، لا بل أظنها حلماً من أحلامي العديدة، لكن بالتصميم سعيت إلى ذلك من خلال مطالعاتي المستمرة ودخول الإنترنت، والاطلاع المستفيض حول كتابة الرواية، ألم أقل إن الإرادة تكسر الرتابة وتخلق الإبداع».

أخذ البعد الإنساني الكثير من تفكيرها ووقتها، وهي التي اعتبرته متعة الروح، حيث تحدثت الفنانة "ميسون أبو كرم" عن قوة الشخصية التي تتمتع بها "أبو عساف" بالقول: «كانت ظروف حياتها صعبة بانفصالها عن زوجها وبقرارها هي، وتحملت مسؤولية بيتها وأولادها وحيدة، وكانت مديرة مدرسة، ونجحت بامتياز في إدارة الدفة كربان وسط العواصف، ولديها شاب يدعى "فادي" سنة ثانية تعويضات سنية وعازف عود متألق يأخذ من شخصيتها القوية المبدعة الكثير، والحدث الأهم والأقسى بحياتها إصابتها بالسرطان وبقوة الإرادة استطاعت الشفاء منه. أما الآن فهي من أنشط الأعضاء في "لمة محبة" التي تساهم في زرع وترسيخ الجميل في المجتمع المحلي مع مجموعة متميزة من أهالي منطقة "شهبا"، إضافة إلى إبداعها في التأليف والكتابة».

الفنانة ميسون أبو كرم

وعن الرواية وعملها الأول "ظمأ امرأة" تحدث الفنان "طلعت كيوان" مصمم الغلاف الخارجي عن تلك التجربة بالقول: «تعد أول تجربة لي بتجسيد رواية كاملة في لوحة؛ لكنها كانت تجربة ممتعة وخصوصاً مع رواية كهذه، تربطني علاقة صداقة مع الكاتبة "أحلام أبو عساف" وأحبت أن يكون غلاف روايتها الأولى لوحة من أعمالي؛ فطلبت قراءة الرواية كي أستوحي منها العمل الفني الذي يعبر ويختصر مضمون الرواية، لقد شدتني إليها واستمتعت بمحتواها لما تحمله من إحساس صادق لدى الكاتبة وقدرة على محاكاة الواقع بأسلوب أدبي متميز ومن دون تكلف. شخوص الرواية كأنهم أشخاص يعيشون بيننا، والجميل هو الشخصية المحورية في العمل، هي تلك المرأة الحرة القوية التي رفضت أن تبقى مكبلة بقيود اجتماعية مهترئة فانتفضت وقررت أن تكون سيدة نفسها وتحقق ما كانت تطمح اليه في شبابها، ومن هنا تشكلت اللوحة التي عبرت عن انطلاقة تلك المرأة وتحررها من قيد أدمى حياتها وأحلامها، وأعتقد أن الكاتبة كانت بشيء من الخيال تكتب قصتها».