تعدّ واحدة من أهم المعلمات المختصات بالصف الأول الابتدائي، تمتلك مبادرات عديدة وفريدة من نوعها تجاه الأطفال، واكتسبت محبة واحترام الصغار قبل الكبار، والأهم قدرتها على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة حيث تعدّهم ثروة كبيرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت المربية "ناديا صالحة" في مدينة "شهبا" يوم الجمعة الواقع في 9 تشرين الأول 2015، التي تحدثت عن اختيارها في دخول الصف، فقالت: «بعد أن حصلت على الشهادة الثانوية الفرع العلمي من ثانوية الشهيد "إبراهيم زين الدين" كان حلمي الدخول إلى كلية العلوم، لكن بسبب خطأ بترتيب الرغبات وخصوصاً في عام 1985؛ كانت أول سنة تطبق المفاضلة لم أستطع تحقيق رغبتي، وكم كان هذا الخطأ لمصلحتي عندما دخلت عالم الطفولة؛ حيث العالم الصادق وفيه تحصد ما تزرعه يداك، لقد تعلمت منهم الوفاء ومعنى المحبة الحقيقية بعيداً عن عالم النفاق».

كنا نخشى أن تشعر بالعزلة، لكن مواهبها ظهرت بصورة جلية وسريعة بفضل العناية التي أولتها لها المربية الفاضلة "ناديا صالحة" التي عاملتها بطريقة عجيبة، واكتشفت إمكانياتها وهواياتها قبلنا، وباتت "أزل" تحب المدرسة وتتمنى ألا يكون هناك يوم عطلة، ولا تمضي أيام حتى تعود ابنتي مع هدية من معلمتها تجعلها تجتهد ولا تملّ من الدراسة

وعن كيفية دخولها تلك العوالم في بداية المشوار، أكدت: «تعاملت من خلال تعليمي مع كافة المراحل، وكان أجملها وأروعها التعامل مع تلاميذ الصف الاول، خاصة عندما يأتون إلى المدرسة وعيونهم خائفة من الجو الجديد، هي بيئة لم يعتادوها من قبل؛ فكنت أرتب لهم بيئة البيت من حنان الأم وعطفها وحرصها على مصلحة أطفالها، وزرع الفرح أثناء المواقف التعليمية.. ولا يخلو الأمر من الحزم والمتابعة عندما تستدعي الحاجة، وكم كانت سعادتي عندما أرى الفرح والحماسة في عيونهم أثناء الدراسة! والفرحة الأكبر عند حصولهم على نتائج تعليمية رائعة بهذه الطريقة».

حصاد نهاية السنة

وتابعت: «في بداية كل عام كنت أقوم بتجهيز الغرفة الصفية بطريقة يشعر الطفل براحة وفرحة وبهجة عند دخوله إليها، إضافة إلى شعوره بالأمان والمحبة، فعندما تضحك لطفل في موقف ما يشعر بسعادة لا توصف وينفذ ما أطلبه منه وهو راضٍ تماماً، وإذا مسحت يدي على شعره أو قمت بتعزيزه وإعطائه الدافع المناسب للعمل حصلت على نفس النتيجة، إضافة إلى المتابعة والتصميم والتشجيع.

كنت كل شهر أجري امتحاناً سهلاً جداً حتى الطفل الذي لديه صعوبة في التعلّم يحصل على درجة ممتازة، وأقوم بتشجيعهم جميعاً بهدايا بسيطة ورمزية، وكانت بالنسبة للطفل دافعاً للدراسة والعمل الدائم للحصول على علامة جيدة».

مع طلابها ذوي الاحتياجات الخاصة أثناء تكريمهم

وعن ردود الفعل من قبل المدرّسين والأهالي على طريقة التعليم، أضافت: «تلقيت الكثير من الانتقادات حول أسلوب التشجيع (أي الهدايا) التي كنت أقوم بتوزيعها على التلميذ عند حصوله على علامة جيدة خلال العام الدراسي، وكنت أحصل على نتائج رائعة من قبل الجميع، حتى في نهاية العام وعند توزيع النتائج لم يخرج أحد من الصف من دون حصوله على هدية، حتى الراسبون منهم كانوا يحصلون على هدية لأنهم حاولوا وعملوا معي طوال العام الدراسي ولكن إمكانيتهم لم تسمح لهم بالحصول على علامة النجاح، وهذا ما كان يدفع بعض الزملاء للانتقاد، أما الأهل فقد تعاونوا معي كثيراً، وباتوا يعرفون طريقتي وأسلوبي من خلال أبنائهم الذين درّستهم وباتوا في مراتب جيدة».

هي أم مربية وعاملة لها همومها ومشكلاتها اليومية مع الحياة، لكنها تعرف أن الواجب أكبر من التعب، وتقول: «عند دخولي إلى الغرفة الصفية أنسى كل همومي ومشكلاتي وما أعانيه من تعب جسدي وأتحول إلى إنسانة سعيدة، حيث أبث بين أطفالي طاقة إيجابية تجعلهم يعملون معي بكل طاقاتهم وإمكانياتهم، وعند عودتي إلى المنزل وعلى الرغم من شعوري بتعب جسدي كان عليّ أن أؤدي واجباتي تجاه أطفالي وبيتي وزوجي؛ حيث أنهي أعمالي المنزلية وأجلس مع أطفالي أساعدهم وأقوم بتوجيههم لإنهاء واجباتهم المدرسية، وأحاول أن أزرع في قلوبهم الفرح والسعادة».

في إحدى المكتبات مع طلابها

اشتهرت بقدرتها على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة على الرغم من أنها ليست مجبرة وليس عملها، لكنها كانت تندفع بكل طاقتها لكي تكون معهم، حيث تؤكد: «كان وجودهم في غرفتي الصفّية يعطيني دافعاً إضافياً للتعامل معهم ومع جميع التلاميذ بفرح وسعادة ومحبة، ووجودهم كان كباقة ورد تستمتع برائحتها الزكية، أو حزمة من نور تشع محبة وصدقاً، كان هؤلاء وسيلتي لأزرع المبادئ والأخلاق وحسن المعاملة والمحبة والتعاون بين أطفالي في الصف، وفي كل عام كنت أتعلم من هذا العالم أشياء جديدة، فقد علموني الإصرار على الوفاء بالوعد، فإذا وفيت بوعدك له مهما كان صغيراً حصلت على الاحترام والمحبة، ودخلت عالمهم لتزرع فيه ما تشاء، ليس فقط المناهج التعليمية بل كل ما يدفعهم للتوجه نحو مستقبلهم الذي يرغبون فيه ويحققون أحلامهم، ويبقى حلمي أن أكمل دراستي في "رياض الأطفال"، وأفتتح روضة خاصة لأتعامل مع أطفال دون الخامسة لقناعتي أنني سأكتشف عالماً جديداً كلّه أسرار».

لم تجد "أزل أبو زين الدين" التي تعاني من إعاقة في القدمين صعوبة في التأقلم مع واقعها الجديد في مدرسة الشهيد "مهنا الشحف" عندما استقبلتها المعلمة "ناديا صالحة" في قاعة التدريس لتنضم إلى زملائها، حيث قالت والدتها ربة المنزل "سمر سلوم" عن واقع ابنتها: «كنا نخشى أن تشعر بالعزلة، لكن مواهبها ظهرت بصورة جلية وسريعة بفضل العناية التي أولتها لها المربية الفاضلة "ناديا صالحة" التي عاملتها بطريقة عجيبة، واكتشفت إمكانياتها وهواياتها قبلنا، وباتت "أزل" تحب المدرسة وتتمنى ألا يكون هناك يوم عطلة، ولا تمضي أيام حتى تعود ابنتي مع هدية من معلمتها تجعلها تجتهد ولا تملّ من الدراسة».

أما مربي النحل والعضو الناشط في "لمّة محبة" في المدينة "أيمن حاطوم" فقال: «لا شيء يفي هذه المعلمة حقها، فلها أفضال كثيرة على أبنائنا، ويكفي أن الأهل يشعرون بوجودها بأن أبنائهم بخير ولا يحتاجون إلى معين، فهي تعرف بالضبط إمكانيات كل واحد منهم، وتتابعهم عن كثب حتى في العطل، وتبلغنا عنهم وعن نشاطاتهم ومواهبهم لنعززها ونشجعها، وقد حافظت على دورها تجاه الطلاب عندما كانت تمنعهم من شراء الأغذية المضرة بالصحة وتوفر أموالهم ليجلبوا بما وفروه في نهاية العام هدية كبيرة كانوا يحلمون بها من مصروفهم الشخصي غير الهدايا التي تجلبها من جيبها الخاص، كانت حريصة على صحة أبنائنا أكثر منّا لأنها تفكر بعقلها وقلبها معاً».