ستون سنة قضاها الشيخ "حسن مسعود" في العمل بصناعة الفرو الذي يرتديه الجبليون اتّقاء للبرد القارس، والبدو الرحل اتّقاء للحر الشديد، فهي كما تعرف تقي من الشرّين معاً، وعلى الرغم من اعتزاله العمل بسبب تعب المفاصل؛ إلا أنه يبقى شيخ الكار في الجبل والسهل.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشيخ "حسن مسعود" في منزله بقرية "صميد" يوم الأحد الواقع في 4 تشرين الأول 2015؛ الذي تحدث عن طفولته وكيفية دخوله الكار بالقول: «ولدت عام 1939، وكان والدي يمتهن العمل في صناعة "الفرو" و"الصلخ"، ومعروفاً في المنطقة الجنوبية كلها، وكان يقصده الناس من محافظتي "درعا" و"السويداء" ومن مختلف الشرائح، كانت الحياة بسيطة والمدارس بعيدة وتحتاج إلى الأموال والتنقل إلى أكثر من قرية حتى تصل إلى المدرسة؛ فلم أنل من العلم إلا القليل الذي يعينني على الكتابة والحساب، كنت أراقبه كلما سنحت لي الفرصة وخاصة في الليل عندما ينفض الناس من حوله، وكان يغيب لأيام طويلة خارج المنزل لملاحقة رزقه في القرى البعيدة، فتحملت الغياب لكوني ولده البكر، وقد أخبرني عمي الراحل "علي مسعود" أن أتعلم هذه الصنعة وأتقنها من والدي قائلاً لي: إن أكبر شيخ في "سورية" يلبس (الفروة) وينام بها مستغنياً عن كل أنواع الأغطية، وشاء القدر أن يتوفى والدي تاركاً تسعة أولاد بلا معيل، وجاءنا بدوي من أبناء منطقة "اللجاة" يحمل جلوداً من الصوف، وطلب مني صناعة "فروة" له، فأخبرته أنني لا أعلم، لكنه طلب مني التعلم بها حتى لو تلفت، وهكذا كان.. فتعلمت الصنعة صغيراً وباتت مهنتي الدائمة».

لم أكن أعرفه بشكل شخصي حتى تقاعدت من وظيفتي، ففي مثل هذا السن نفكر في صحتنا قليلاً بعد سنوات طوال من التعب، والشتاء القارس يحتاج للفرو الذي كان يؤمن عمله الشيخ "حسن مسعود", حيث دلني الأصدقاء عليه، وبالفعل ذهبت إلى قرية "صميد" مع كيس من جلود الخراف التي أمنتها وصنع لي بعد أسبوع (فروة) ما زالت تخدمني منذ عشر سنين، فهي غير قابلة للهريان بسبب الصنعة المتقنة لهذا الرجل

وعن كيفية صناعة "الفرو" أضاف: «تتألف "الفروة" من عدد لا يزيد على ثلاثين جلداً ولا يقل عن العشرين، وهي كما هو معروف تعتمد على جلود الأغنام حصراً، وكلما كان عمر الخاروف صغيراً كان العمل أسهل وأجمل من صوف "المعاليف" الهرمة، فالأخيرة يحتاج جلدها إلى يوم كامل من التعب والتنظيف المستمر بعكس الخراف الصغيرة؛ حيث كنت أنظف ثلاثين جلداً منها في اليوم الواحد، وآلية التنظيف تمر بمرحلة مهمة قبل البدء بها، حيث نقوم بغسل الجلد جيداً حتى ينظف تماماً من كل الشوائب الموجودة عليه، ونضع له "الشّبة" والملح و"نكمره"؛ أي نلفّه على بعضه مدة خمسة أيام كاملة حتى تتشرب "الشبّة" والملح فيه بالكامل، وبعدها نقوم بتنشيفه تحت أشعة الشمس حيث يكون الصوف باتجاه الشمس، بعد ذلك نقوم برش الماء عليه قليلاً حتى يبتّل، ونبقيه ملفوفاً حتى الصباح، وفي اليوم الثاني يبدأ العمل الفعلي بواسطة آلة حديدية مبرومة ومربوطة على خشبتين لتسهيل العمل، ونطلق عليها "الدلك" مهمتها استقبال "الصلخ" للتحكم به جيداً عندما نبدأ التنظيف، حيث نأتي بقطعة أخرى نطلق عليها "القزقة" ومهمتها قحط أو حك الجلد، وعندما ننتهي من الوجه الأول نقوم بلفه من جديد حتى الصباح؛ حيث نعاود نفس الطريقة من جديد بواسطة قطعة حديدية تدعى "المبرشة"، وهكذا حتى ننتهي منه حيث يصبح الجلد ناعماً، ويصبح قابلاً للطيّ واللف».

المرحلة الأولى تنظيف الجلد.

ويتابع: «بعد ذلك تبدأ عملية الخياطة وهي سر من أسرار المهنة حتى تظهر "الفروة" قطعة واحدة وأنيقة، أما الحواف الخارجية فنطويها ونحيكها لتأخذ شكلها النهائي، وعندما ننتهي نجزّ الصوف على مسافة طولية تبلغ 5سم لتصبح قابلة للارتداء، وهنا يأتي دور الزبون الذي يلبس الفروة واللون الذي يريده، هذه العملية تأخذ يوماً كاملاً من العمل في حال كانت الجلود لخراف صغيرة، ويومين في حال كانت الجلود لـ"معاليف" معمّرة، وكل العملية تأخذ أسبوعاً بمبلغ بسيط كان لا يتجاوز الخمسين ليرة سورية، واليوم ارتفع مع ارتفاع التكاليف ليصل إلى خمسة آلاف ليرة سورية».

توقف العم "حسن مسعود" عن العمل بعد ستين عاماً من التعب والترحال في المناطق، وأضاف: «لم أعد قادراً على العمل بسبب آلام المفاصل وعدم قدرة اليدين على التنظيف كما في السابق، وقد أمضيت جلّ عمري متنقلاً بين القرى والبلدات والجبل باحثاً عن الرزق، ولا أعود إلى منزلي سوى أيام الشتاء، وكانت صناعة الفرو مزدهرة في كل الفصول؛ لأن البدو الرحّل يعتمدون عليها لكونها تقي من حر الشمس، ولذلك بقي عملي مستمراً بوجه دائم حتى هدّني المرض، والآن أشرف فقط على عمل أخي، ولا أنتظر من أحد في منزلنا أن يرث المصلحة؛ لأنها في طورها إلى الزوال بسبب الصناعات الآلية».

التخطيط للفروة.

الشيخ "شكيب الشاهين" من أهالي قرية "الجنينة" تحدث عن معرفته بالشيخ "مسعود" قائلاً: «لم أكن أعرفه بشكل شخصي حتى تقاعدت من وظيفتي، ففي مثل هذا السن نفكر في صحتنا قليلاً بعد سنوات طوال من التعب، والشتاء القارس يحتاج للفرو الذي كان يؤمن عمله الشيخ "حسن مسعود", حيث دلني الأصدقاء عليه، وبالفعل ذهبت إلى قرية "صميد" مع كيس من جلود الخراف التي أمنتها وصنع لي بعد أسبوع (فروة) ما زالت تخدمني منذ عشر سنين، فهي غير قابلة للهريان بسبب الصنعة المتقنة لهذا الرجل».

جميع الجبليين بحاجة إلى الفرو في الشتاء.