عبرت المربية "سلوى عزام" عن رسالتها الإنسانية بمسيرة تربوية ناصعة؛ حاملة همّ بنات مدينتها "صلخد" ليتابعن التعليم وتؤدي واجباً تعدّه مقدساً بتدريس اللغة الفرنسية وهي على مشارف عقدها التاسع.

حيوية ونشاط طبعت شخصيتها المعروفة في مدينتها بالعطاء متنقلة بين منازل طلابها على الرغم من كبر السنّ؛ لتفيض بعلوم اللغة بلا مقابل.

تابعت بعد التقاعد عام 1986 عملي في تدريس الطلاب مجاناً؛ ليكون لدي طلاب من مختلف المراحل أتابعهم خلال العام وقبيل الامتحانات، وكنت حربصة على تقديم العون لكل من يطلب مني المساعدة، إلى جانب عملي التطوعي مع الاتحاد النسائي والفعاليات الاجتماعية وجمعية المعوقين التي أتابعها لغاية هذا التاريخ بجمع التبرعات والدعم للخطط الاجتماعية المحلية، وبوجه عام فإن برنامجي اليوم الذي يبدأ بالمطالعة للروايات الفرنسية يغتني بزيارتي لطلابي؛ حيث تغمرني السعادة بما يحصّلونه على طريق النجاح والتفوق

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 30 أيلول 2015، زارت مدينة "صلخد" وجمعت من طلابها بعض التفاصيل عن تجربة حياة لا تقاس بمال على يدي المربية "سلوى عزام"؛ كما تحدثت "حنين الحجلي" طالبة الأدب الفرنسي - سنة رابعة؛ التي نالت من معرفة مربيتها الكثير لتنجز مشروعها الجامعي بنجاح وتميز، فقالت: «قد لا يصدق المتابع أن سيدة على مشارف عقدها التاسع تتنقل بين منازل طلابها من مختلف المراحل لتدرسهم اللغة الفرنسية كل يوم تقريباً مقدمة لهم خبرتها العتيقة التي جهدت على تطويرها لعقود طويلة، وبالنسبة لي فأنا من طالباتها وقد كان لهذه المربية الفاضلة بصمة كبيرة في حياتي الاجتماعية والأكاديمية، حيث ساعدتني لأتمكن من النجاح والتميز في دراستي الجامعية بمساعدة مفتوحة خارج حدود الزمن، وعلى الرغم من قربي الكبير منها إلا أنها تتعامل مع كل طلابها بذات الطريقة؛ حيث تندفع للعطاء بوجه خاص للشريحة المتوسطة والفقيرة؛ لتراعي ظروف الطلاب وتحمل عنهم أعباء الحصول على دروس إضافية إلى جانب نشاطها الاجتماعي والتطوعي الكبير والملموس.

المربية سلوى عزام

وعلى صعيد الطرائق المتطورة للتدريس فقد تجاوزت بمهارتها اللغوية الزمن لتبقى على تواصل مع أهم البرامج، وهي مطالعة لمنتج الأدب الفرنسي، وهي تقدم لطلابها من المرحلة الإعدادية وحتى الجامعية والدراسات تلك المعارف بأسلوب تربوي راقٍ سخرته لخدمة أبناء "صلخد" الذين تعدّهم أبناءها، وهي من الشخصيات المتميزة التي تمثل مرحلة غنية من تاريخ المدينة لكونها ساهمت في نهضة العملية التربوية، وكانت من الداعمات لتعليم الإناث، وهي التي زارت الأهالي في خمسينيات القرن الفائت لدعوتهم لإرسال بناتهم إلى المدارس».

لم تغادر المربية "سلوى عزام" "صلخد" وبقيت مع زوجها ممثلين لركن قوي وداعم للعملية التربوية لتضع بصماتها برغبة لم تضعفها سنوات العمر التي لم تنقطع فيها عن التدريس والعمل، وفق حديثها عن تجربتها التعليمية والإنسانية، وقالت: «ولدت عام 1928 من والد ووالدة لبنانيين اختارا الاستقرار في "صلخد"؛ وإذ خسرت والدتي بعمر السنتين كان لرعاية والدي وأسرتي أثر كبير في متابعة الدراسة والحياة المستقرة التي أوصلتني إلى الدراسة في فرنسا، وكنت من بين 30 طالباً وطالبة رشحوا عام 1964 لمتابعة دراسة وسائل التعليم السمعية والبصرية للغة الفرنسية، لأكون أول خريجة جامعية على ساحة المحافظة، لأعود بعدها إلى مدينتي رافضة الانتقال إلى أي مكان آخر؛ لأقدم خبرتي لأبناء "صلخد" التي أنتمي إليها وأقوم بواجبي تجاهها.

المدرّس زهير السعدي

لأحاول نقل عشقي لهذه اللغة الجميلة لطلابي وطالباتي ساعية لدعوة الفتيات للتعليم وتشجيع الأهل على ذلك، وأذكر أنني في عام 1959 قمت بزيارات إلى منازل الفتيات لأشجع أهاليهن على إرسالهن إلى المدرسة، وكنّا بصدد العمل لإنشاء مدرسة إعدادية في المدينة؛ وذلك خلال فترة إدارة الأديب والمفكر "سلامة عبيد" لمديرية التربية الذي دعم المشروع، وبالفعل استطعنا النجاح بذلك مع عدد محدود من الطالبات والطلاب، لنؤسس نواة لمدرسة إعدادية تطورت بعد ذلك، وكنت بمساعدة زوجي الأستاذ المرحوم "سليم السعدي" المجاز في اللغة العربية الذي شجعني على متابعة التدريس والعمل؛ قادرة على تقديم المساعدة لكل من يحتاج إليها من طلابنا، حيث لم يكن العمل التربوي فقط من خلال المدرسة ليكون التواصل الدائم مع طلابي داخل المدرسة وخارجها».

تطوير معارفها في مجال تدريس اللغة وعملها الاجتماعي كان متواصلاً حتى بعد التقاعد لأنها رفضت الركون للراحة، وقالت: «تابعت بعد التقاعد عام 1986 عملي في تدريس الطلاب مجاناً؛ ليكون لدي طلاب من مختلف المراحل أتابعهم خلال العام وقبيل الامتحانات، وكنت حربصة على تقديم العون لكل من يطلب مني المساعدة، إلى جانب عملي التطوعي مع الاتحاد النسائي والفعاليات الاجتماعية وجمعية المعوقين التي أتابعها لغاية هذا التاريخ بجمع التبرعات والدعم للخطط الاجتماعية المحلية، وبوجه عام فإن برنامجي اليوم الذي يبدأ بالمطالعة للروايات الفرنسية يغتني بزيارتي لطلابي؛ حيث تغمرني السعادة بما يحصّلونه على طريق النجاح والتفوق».

مثال للإدارية الناجحة والقادرة على نقل المعلومة للطالب بطرائق إنسانية راقية؛ وفق حديث المدرّس "زهير السعدي" وهو من طلابها، وقال: «سنوات من العمل تجاوزت 30 عاماً من العمل وإدارية قدمت نموذجاً حيّاً للإدارة الناجحة لتكون القادرة على تغطية غياب أي مدرّس بحصص اللغة العربية والفرنسية وإثراء المعلومات للطلاب، متعاونة مع كادر التدريس وكل من يعمل بالمدرسة؛ حتى لو قامت هي بمعظم الأعمال لتحافظ على نجاح المدرسة واستقرارها، وكانت على الرغم من الرحلات التي قامت بها مع زوجها إلى عدد كبير من دول العالم مثل الولايات المتحدة والصين وكندا تعود إلى مدينتها بشوق للعطاء والعمل.

اليوم وبعد عقود طويلة تستمر بذات الطاقة والحيوية والنشاط بتدريس طلابها؛ لتتابع مسيرة كانت فيها المعلمة والأم لكل من رافقها مسيرة العمل من أساتذة وطلاب هدفها إيصال المعلومة ويشهد الجميع بأسلوبها، ويكفي أن تكون حاضرة في أي مشروع اجتماعي لتزرع الثقة في نفوس المحيطين بها؛ تقدم التبرعات وتجني لهم تبرعات كبيرة، هذه السيدة تقدم نموذجاً نادراً للسيدات القادرات على صياغة الحياة بقالب جديد؛ لأنها آمنت بالواجب وبما بين يديها من علوم يحتاج إليها المجتمع، لتكون نواة لشريحة كبيرة من المتحدثين باللغة الفرنسية بمهارة عالية ورصيد اجتماعي كبير يثمن عملها بوصفها قدوة لجيل من المتعلمات اللواتي حفزتهن على التعليم والحصول على الشهادات العليا، وما زالت تتمتع بصحة جيدة لم تعرقل ولعها بالتعليم ومعايشة المجتمع بصدق ومحبة».