تجاوز الشيخ "توفيق الخطيب" المئة عام بصحة جيدة وعزيمة قلّ نظيرها؛ متسلحاً بحب الحياة والأولاد الذين بلغ عددهم 19 ولداً من زوجتين، وبلغت قبيلته من الأحفاد 150 حفيداً؛ رافضاً الاعتراف بالوهن والضعف ما دام قادراً على زراعة شجرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت المعمر "توفيق الخطيب" المعروف في مدينة "شهبا" "الشيخ أبو محمود" يوم الجمعة الواقع في 17 تموز 2015، فتحدث عن بدايته مع الحياة، وظروف طفولته بالقول: «ولدت عام 1914 في بيت منبته طيب، راعيه يحب الضيوف ويتفانى من أجل أن يمنّ الله عليه بالرزق الحلال، ومنذ أن وعيت على الدنيا والعمل هو السمة الأساسية التي تغلف البيت، فالأرض والمواشي تحتاج إلى أذرع لا تكل، وأذكر كيف كانت نساء البيت يستيقظن منذ الصباح للخبز والتحضير لنهار مملوء بالتعب، وكان للضيوف مراسم استقبال خاصة، كنت مسؤولاً عن خيول الضيوف لإطعامها، كانت الحياة بسيطة وألعابنا بسيطة، وطعامنا بسيطاً، فالسكر من دبس العنب، وكوب الشاي يمر على أكثر من شخص، والتعليم لم يكن متوافراً إلا ما ندر، وقد تعلمت الفرنسية قليلاً وكنت أتقن الكتابة والقراءة بصعوبة».

تجاوز عمره القرن وما زال يخرج كل يوم نحو أرضه وبساتينه لمعاينتها ومراقبتها على الرغم من وجود أبنائه وأحفاده لرعايتها، فهو الرجل الذي يعد مثالاً للتفاني في العمل، ولم يعلم أحد في المدينة يوماً أنه مرض أو دخل مستشفى سوى مرة واحدة عندما كان عمره 85 عاماً بسبب لسعة قاتلة من أفعى، حيث تغلب جسده القوي على سمّها وعاش إلى الآن بين أولاده المجتهدين، وأحفاده الكثر، وعندما كان المحل يضرب البلاد ويقع الناس بالحاجة إلى القمح كانت مستودعاته تفتح للناس من دون أن يستغل حاجتهم وفقرهم

قضى جلّ حياته متنقلاً بين بساتينه وأرضه الكبيرة التي طورها وزادها بعمله الذي استمر منذ شبابه الأول إلى الآن، متنقلاً على قدميه لملاحقة تجارته مسافات طويلة، حيث يقول: «تزوجت أول مرة عام 1934، كنت أصل الليل بالنهار لكي ألاحق الأرض وأجددها باستمرار، كنت أشتغل بالتجارة مهما كانت، وكنت الوحيد الذي يمتهن هذه المصلحة في جلب السكر إلى المدينة من "الكرك" ومن حدود "الثعلة"، كنت أحصد النهار بطوله، وعند مغيب الشمس أركب دابتي وأتجه لملاقاة قافلة التجارة القادمة من "درعا" أو الأردن، لم أنم في شبابي إلا ساعات قليلة في نهار كامل، كنت أخرج إلى أرضنا البعيدة في الشرق ولا أعود قبل أربعة أيام متواصلة أتلحف السماء ليلاً حتى أنجز العمل، وعندما أجمع المال أشتري به الأرض حتى كبرت، عملت في "حذو الخيل" وكان الناس يلقبوني بعدة ألقاب "البيطار" والحذري"، و"النجار"، وكنت قاسياً على نفسي حتى باتت أراضيّ وبساتيني لا تعد ولا تحصى».

أثناء عمله في الأرض

ويتابع: «أما قصتي مع الشجر فهي طويلة، فقد بدأت زراعة الزيتون والتفاح والكرمة والفستق الحلبي والصنوبر المثمر منذ ربع قرن، كنت أحمل الشجر بيدي وأسير إلى الكروم المحيطة بالمدينة، أحفر ما يقارب المئة حفرة وأزرعها بالشجر وحيداً من دون مساعدة أحد، وأذكر كيف حولت مئة دونم في سفح "تل المسيح" إلى بستان أخضر من الفستق والصنوبر عندما كان عمري ثمانين عاماً، وحتى الآن أزرع وأهتم بالشجر وبزراعة "السّحاري" على الرغم من تقدمي بالعمر، والآن تغيرت الحياة وتطورت كثيراً وبات الاعتماد على الآلة وورشات العمال أكثر، لكني لا أتوانى عن الذهاب لرؤية الأرض ومراقبة الأشجار وتجديدها».

وعن علاقته بأبنائه وأحفاده أضاف: «توفيت زوجتي الأولى في منتصف السبعينيات، وتزوجت امرأة أخرى ما زالت تعينني على أعباء الحياة حتى الآن، وقد توفي من أبنائي ثلاث إناث وشاب، وعندما يجتمعون الآن في أي مناسبة يظن الناس أن هناك مظاهرة في المدينة، وهم كلهم بصحة جيدة وأعمالهم مزدهرة، وأحاول ما بوسعي أن يكونوا بقربي دائماً؛ فأنا الآن لا هم لي في الحياة سوى البحث عن سعادة الأبناء والأحفاد الذين وصل تعدادهم إلى 150 شاباً وشابة، وحلمي أن يعود ولدي المغترب "إسماعيل الخطيب" لكي أطمئن على ذريته، وأتمنى أن أكون قد وفيت ديني لهم».

تيسير الشحف

يكاد الحديث عن الشيخ "الخطيب" لا ينتهي وهو صاحب القصص عن الصبر والعمل والاجتهاد والمحافظة على الأرض، يقول الخبير المالي والموظف في مجلس مدينة "شهبا"؛ "تيسير الشحف": «تجاوز عمره القرن وما زال يخرج كل يوم نحو أرضه وبساتينه لمعاينتها ومراقبتها على الرغم من وجود أبنائه وأحفاده لرعايتها، فهو الرجل الذي يعد مثالاً للتفاني في العمل، ولم يعلم أحد في المدينة يوماً أنه مرض أو دخل مستشفى سوى مرة واحدة عندما كان عمره 85 عاماً بسبب لسعة قاتلة من أفعى، حيث تغلب جسده القوي على سمّها وعاش إلى الآن بين أولاده المجتهدين، وأحفاده الكثر، وعندما كان المحل يضرب البلاد ويقع الناس بالحاجة إلى القمح كانت مستودعاته تفتح للناس من دون أن يستغل حاجتهم وفقرهم».

يحمل ثمار تعبه