اعتبر الضحك والراحة النفسية أكبر دواء للطالب كي يكون بكامل التركيز في الدرس، ولهذا يعدّه طلابه الكثر أهم مدرّس لمادة العلوم الطبيعية في المحافظة، وعلى الرغم من تقاعده؛ إلا أنه ما زال حتى اللحظة قائماً بالكثير من الأعباء في مدينته "شهبا".

مدونة وطن "eSyria" التقت الأستاذ المتقاعد "حسين باكير" في منزله بمدينة "شهبا" يوم الإثنين 12 تموز 2015، ليتحدث عن اختياره للعلوم الطبيعية في دراسته الجامعية بالقول: «كان جيلنا يصب اهتمامه على متابعة التعليم أو الالتحاق بالجيش بسبب حالة الصراع الدائر في المنطقة وإرهاصات تلك المرحلة التي توجت بأكثر من حرب، غير أن الحظ وقف بوجهي فاتجهت نحو جامعة "دمشق" لأدخل عن سابق إصرار كلية العلوم الطبيعية، كنت مغرماً بالعلوم والتشريح، وأحب كل ما يتعلق بهذا العلم، وقد أعطيت في السنة الرابعة مادة العلوم في ثانوية "شهبا" وأثبت أنني قادر على العطاء في هذا الفرع الذي يعدّ لدى الكثيرين صعباً وغير قابل للفهم، وعندما تخرجت في العام 1972 التحقت بالخدمة العسكرية وخضت غمار "حرب تشرين" وتم تعييني معاوناً لرئيس غرفة الزراعة في "السويداء"، لكنني قدمت استقالتي لمعرفتي بأن مكاني في الصف ومع الطلاب، وهكذا بتّ مدرساً أصيلاً لمادة العلوم في ثانوية الشهيد "إبراهيم زين الدين" التي خرجت وتخرج أهم كوادر منطقة "شهبا" العلمية».

تجده في كل المبادرات التي تدعو إلى الخير والتماسك في المجتمع، وهو مدير صندوق التنمية المحلية، ويعمل بالمجان لأوقات طويلة من أجل إرضاء ضميره أولاً ولتحقيق العدالة بين المتقدمين للاستفادة من الميزات والقروض لهذا الصندوق، وهو كان مديراً لثانوية الشهيد "إبراهيم زين الدين" ويتمتع بمصداقية كبيرة، ومحبة الناس له

وعن طريقته في التدريس وقدرته على اجتذاب الطلاب لمادته أضاف: «في النهاية كنت طالباً وأعرف ما يحبب الطلاب بالمدرّس والمادة، وأين نقاط الضعف والقوة، كنت حريصاً على أن تكون حصتي ممتعة وغير جافة، وحريصاً على خلق جو من المرح والابتعاد عن التوتر والفرض والترهيب، وبناء علاقة صداقة متينة مع الطالب، وهذا يخلق جواً من الاحترام المتبادل وعدم الاستهانة بتعبي من قبل أي طالب حتى لو كان كسولاً أو خمولاً، وهذا الأمر جعل من حصتي مصدر متعة وفائدة، ولا أذكر طوال حياتي العملية في الصف أنني اختلفت مع طالب أو عاقبته، وكذلك جعلت الجميع يدرسون بتمعن حتى يكونوا من المقربين مني، فالعلوم تعتمد على التحليل والتعمق والفهم، ولا تعتمد على الحفظ، ولهذا كنت بغاية السعادة، وأعدّ هذه الفترات من أجمل أيام حياتي، وأذكر عندما كلفت بإدارة الثانوية عام 1991 كان معظم مدرّسي الثانوية من طلابي، وهم على مستوى عالٍ من العلم والأخلاق، منهم المدرسون "سلمان منذر، كمال بكري، غسان الخطيب" على سبيل المثال لا الحصر».

الخبير المالي تيسير الشحف.

وعن طفولته وما يذكر منها، أضاف: «ولدت في العام 1944 لأسرة فقيرة مادياً، ولكنها غنية بكرامتها وعزة نفسها، عشنا في دار تضم أكثر من عشرة أشخاص وهي عبارة عن غرفتين فقط، انتسبت إلى المدرسة الوحيدة في المدينة، التي تحمل اسم الشهيد "أنيس عواد"؛ وهي أيضاً عبارة عن غرفتين وبهو صغير، كانت حقيبتي من القماش وحذائي من الكاوتشوك، ويفرض على كل طالب منا جلب قطعة من روث الحيوانات من أجل التدفئة في الشتاء القارس، وبقيت على هذه الحال حتى الصف الرابع عندما سافرت برفقة والدي إلى لبنان بسبب الفقر والحاجة، وعندما نلت "السرتفيكا" قررت العودة إلى الوطن لأن عائلتنا باتت كبيرة ولا قدرة لوالدي على إدخالي مدارس خاصة، وفي "شهبا" انتسبت إلى إعدادية "زيد عامر" الخاصة حيث نلت المركز الأول في الصف التاسع، وفي الثانوية قضيت كل فترة الدراسة في غرفة لا تتجاوز المترين عرضاً وثلاثة أمتار طولاً، بابها من الخشب والتنك، ونوافذها لا يمكن فتحها، وفيها قنديل من الكاز، كل ذلك دفعني لإنجاز الثانوية والدخول فوراً بالمرحلة العملية، وترك بصمتي في المجتمع، كانت طفولتي قاسية كثيراً، وهذا ما جعلني أفكر ملياً بأولادي وعدم تعرضهم لما عانيت منه، وهم الآن أشخاص فاعلون بالمجتمع».

الآنسة "صونيا العيسمي" الموظفة في المجلس البلدي، والناشطة الاجتماعية تحدثت عن معرفتها بالأستاذ "حسين باكير" على الرغم من أنها لم تكن من طلابه بالقول: «تجده في كل المبادرات التي تدعو إلى الخير والتماسك في المجتمع، وهو مدير صندوق التنمية المحلية، ويعمل بالمجان لأوقات طويلة من أجل إرضاء ضميره أولاً ولتحقيق العدالة بين المتقدمين للاستفادة من الميزات والقروض لهذا الصندوق، وهو كان مديراً لثانوية الشهيد "إبراهيم زين الدين" ويتمتع بمصداقية كبيرة، ومحبة الناس له».

حفيدته الموهوبة شمس.

أما الخبير المالي "تيسير الشحف" أحد طلاب الأستاذ "باكير" في الثانوية العامة، فيقول: «كانت حصته من أجمل الحصص التي ننتظرها بشوق، وهذا ليس كلاماً في الهواء، فهو مدرّس قدير يستطيع أن يعطيك المعلومات بيسر وسهولة ومن دون تعقيد، وأكثر ما يميزه تلك الروح المرحة التي كان يضفيها في القاعة من دون ابتذال أو خروج عن النص، وكنا بدورنا نحترمه ونجله ونحاول كسب وده لأنه لا يقصر معنا ويحترم أفكارنا، لدرجة نشعر بأننا أصدقاؤه المقربون، ومن حسناته أنه كان الصدر الواسع الذي نشكي إليه همومنا على الرغم من أنه أكبر منا سنّاً».