ينتمي المدرس "نسيب دوارة" إلى جيل من مربين صادقي الانتماء إلى مهنة قدموا من خلالها اللغة الإنكليزية للشباب بوصفها ثقافة ومرتكزاً لبناء المستقبل بعطاء تطوعي سخي.

تجربة تدريسية طوت عقوداً من الزمن، شعارها الانحياز إلى الطالب؛ تركت لدى كل من رافقه شعوراً طيباً تجاه حالة من العمل لتقديم المساعدة خارج أوقات العمل وبعد التقاعد أيضاً بلا أجر.

حصلت على علامة تامة إلا أجزاء بسيطة من العلامة خلال الامتحان الأخير لشهادة التعليم الأساسي هذا العام، ومن وجهة نظري فإن الفضل يعود إلى جهود الأستاذ "نسيب دوارة" الذي تابعنا طوال العام بحصص إضافية ودورات مجانية شملت عدداً كبيراً من الطلاب، وقد تابعناها برغبة عالية بالاستزادة من خبرة هذا المدرس المتميز، حيث قدم اللغة بقالب مرن قربنا من المادة وبطريقة لم تحمل الطلاب أي نوع من التكاليف؛ وهي طريقة اعتمدها خلال سنوات طويلة وأفاد بها عدداً كبيراً من الطلاب وليس فقط من لم تمكنهم الظروف المادية من الحصول على دروس، بل لكل من طلب الالتحاق بهذه الدورات سواء بزيارته بالمنزل أو من خلال الدورات في المدرسة، خاصة أن له شهرة كبيرة على ساحة المحافظة من حيث تميز الأسلوب والاهتمام بالطالب

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 حزيران 2015، حاولت التعريف بهذه التجربة، فالتقت أحد رفاق "دوارة"؛ المدرس "نصار فهد" الذي عاصره خلال تجربة طويلة كان فيها المندفع لأي نشاط جماعي ودورات تطوعية تقدم للطلاب داخل المدرسة أو خارجها لغاية أولى وأساسية تتمثل في مساعدة الطلاب للتمكن من اللغة وتحقيق النجاح، يقول متابعاً: «تجربة طويلة كنت فيها مديراً للمدرسة التي عمل فيها صديقي "نسيب دوارة" مدرساً للغة الإنكليزية، وأظهر فيها التمكن والإجادة، ليس هذا فحسب؛ بل كان من المبادرين لعمل جماعي يضمن مساعدة الطلاب في الحصول على حصص ودورات إضافية تساعدهم على الاستفادة العلمية وتحسين مستوياتهم، وقد حرص طوال مدة خدمته على العمل خارج أوقات الدوام لتقديم خدماته لطلاب المدرسة والحي، وكان يطلب منا استخدام المدرسة في أوقات المساء والعطل ليتمكن من جمع الطلاب وإعطاء دورات منهجية للطلاب بلا تعويض أو مقابل.

المدرس نسيب دوارة

ولم يبخل على طلابه، إذ كان يستخدم منزله لاستقبال الطلاب لغاية لديه تتمثل في تعليم اللغة بوصفها ثقافة، وعدم ارتهان الطلاب للظروف المادية وعدم الحصول على المعرفة، وقد لمست لديه رغبة كبيرة بمتابعة الدورات المجانية منذ عام 1974، وكنت متابعاً لهذا العمل برغبة عالية في العطاء وخلق علاقات إنسانية وعلمية راقية مع طلابه والزملاء، وأذكر أننا في عام 1980 كان لدينا مجموعة من الطلاب المتقدمين للحصول على الشهادة (أحرار)، وقد تطوع لتعليمهم بحصص ليلية لتوافق ظروف عملهم؛ وهذه تجربة من مجموعة تجارب أثبتت مهنيته وتمسكه بالتعليم لغايات إنسانية خارج حدود المادة».

ينقل لوالده جميل العمل لأجله لتأمين أقساط دراسته في لبنان وكيف عانى معه للحصول على الشهادة؛ كما حدثنا الأستاذ "نسيب دوراة" بالقول: «درست مرحلة التعليم الأساسي الأولى في مدرسة الجامعة الوطنية وثانوية "الأرز النموذجية" في مدينة "عاليه" اللبنانية، وبقيت في ذاكرتي صور لوالدي الذي عمل لأجل تعليمي بكد وإخلاص؛ ففي أحد الأعوام عجز عن إيفاء القسط فاقترح العمل لمصلحة المدرسة مقابل القسط وكان ذلك، لأنه أراد أن يتبعني لمدرسة متميزة لأحقق أمنية الحصول على تعليم جامعي، هذه الحادثة ومعاناته الطويلة جعلتني أشعر بشعور الطالب عندما تكون الظروف المادية عاجزة عن الإيفاء بالاحتياجات التعليمية.

الطالبة ليلى بومرة

وعليه، وخلال إتمام دراستي الإعدادية والثانوية بعد العودة إلى "سورية" والالتحاق بكلية الآداب جامعة "دمشق" قسم اللغة الإنكليزية؛ بقيت أحلامي سائرة إلى تلك المرحلة التي أتمكن فيها من إيفاء دين والدي والعطاء للطلاب كما قدم لي، وبالفعل وقبل التخرج بدأت التدريس خارج الملاك منتصف السبعينيات، ومنذ ذلك التاريخ وجدت الفرصة لتحقيق الأمنية وحاولت قدر الإمكان التقرب من الطلاب والعمل وفق رؤيتي لمساعدتهم، أولاً لإتقان اللغة بوصفها حالة ثقافية متقدمة لا يمكن تجاهلها، والخروج من فكرة صعوبة المادة وتسهيل طرائق تلقيها قدر الإمكان، وبعمل تطوعي أعطيته الكثير من وقتي بقناعة لأنني أؤدي واجبي كمدرس تجاه الطلاب والأبناء وتجاه نفسي التي تاقت لهذا النوع من العمل، وبقيت طوال تلك المدة متابعاً بتقديم دورات مجانية من خلال الهلال الأحمر وجمعية الرعاية الاجتماعية والمنازل وآخرها دورة لطلاب شهادة التعليم الأساسي هذا العام.

ومن ناحية ثانية تعودت في كل عام متابعة الطلاب قبل الامتحان ودعوتهم لدورات تقوية، وكانت سعادتي كبيرة عندما التحق بهذه الدورة عدد كبير منهم؛ وكنت أستعين بمديرية التربية لمنحي قاعة في إحدى المدارس لإنجاز هذه المهمة».

قبل وبعد التقاعد اتصال دائم مع الطلاب بيّنه بالقول: «بداية العام الحالي أحلت إلى التقاعد وكنت قد عملت منذ الثمانينيات لمصلحة مديرية التربية كمعلم صف درست في مدارس المحافظة ومعاهدها ومن بعدها كموجه أول للغة الإنكليزية، وقد حرصت على التواصل مع طلابي لأقيم كالمعتاد عدداً من الدورات لطلاب المدارس في الحي حيث أسكن، وتابعت مع طلاب الجمعيات والهلال الأحمر، وكنت بذلك حريصاً على تقديم خبرتي إلى الطلاب ومساعدة زملائي الذين تطوعوا لدورات شبه تطوعية وكان عملي مجانياً، ووفق الأوقات التي تنسجم مع احتياجات الطلاب، وهذا عمل خلق لدي حالة من الرضا والمتعة؛ فمن عمل لعقود في الحصة الدرسية ومجال التعليم لا يمكنه ببساطة الخروج من هذه الدائرة المتفاعلة والمنتجة للقيم، وخلال هذا العام حرصت على العودة إلى مدرستي في لبنان بزيارة دافعها الحنين إلى أيام أسست لشخصيتي وذكريات كانت حافزي لامتطاء قطار اللغة الذي مكنني من مهنة التدريس، وأهلني لعمل إنساني تطوعي أفتخر به وبكل طلابي الذين رافقتهم أبناء وأصدقاء أتواصل معهم كل يوم تقريباً».

تتحدث الطالبة "ليلى بو مرة" عن أسلوب تدريس متطور يقدمه ودورات منهجية ساعدتها ورفيقاتها في الحصول على العلامات العالية خلال امتحان شهادة التعليم الأساسي لهذا العام، تقول: «حصلت على علامة تامة إلا أجزاء بسيطة من العلامة خلال الامتحان الأخير لشهادة التعليم الأساسي هذا العام، ومن وجهة نظري فإن الفضل يعود إلى جهود الأستاذ "نسيب دوارة" الذي تابعنا طوال العام بحصص إضافية ودورات مجانية شملت عدداً كبيراً من الطلاب، وقد تابعناها برغبة عالية بالاستزادة من خبرة هذا المدرس المتميز، حيث قدم اللغة بقالب مرن قربنا من المادة وبطريقة لم تحمل الطلاب أي نوع من التكاليف؛ وهي طريقة اعتمدها خلال سنوات طويلة وأفاد بها عدداً كبيراً من الطلاب وليس فقط من لم تمكنهم الظروف المادية من الحصول على دروس، بل لكل من طلب الالتحاق بهذه الدورات سواء بزيارته بالمنزل أو من خلال الدورات في المدرسة، خاصة أن له شهرة كبيرة على ساحة المحافظة من حيث تميز الأسلوب والاهتمام بالطالب».

الجدير بالذكر، أن التربوي "نسيب دوارة" من مواليد 1954، كلف بمهمة موجه أول للغة الإنكليزية، ورئيس شعبة التوجيه الاختصاصي عام 2007، ومثل طلاب "سورية" عام 1980 في اليابان ضمن وفد الشرق الأوسط، وعمل كمترجم للوفد واختبر السفر خارج القطر مثل الولايات المتحدة وعدد من الدول بعمل ذاتي ليعود ويكمل مشروعه التربوي بين طلاب وطنه.