برع في مهنته حين دخلت الكهرباء إلى المدينة، وبقي الخبير الأول رغم التطور التقني الذي جاراه بخبرة جعلت اسم "ورطان" أشهر الأسماء على ساحة محافظة "السويداء" التي قرر الإقامة فيها منذ ستينيات القرن الماضي.

شخص تنطبق عليه صفة ابن البلد الذي انسجم مع نسيجها، مقدماً نفسه من خلال خبرته وإخلاصه للعمل، هو ظاهرة استوقفت مدونة وطن "eSyria" لتجمع بتاريخ 4 نيسان 2015، من المستفيدين من عمله أسباب الشهرة، وتعرف متصفحيها بتجربته "يسأل أهل المدينة كل العاملين في ذات المجال، لكن الرأي الفصل يكون حكماً عنده"؛ هذه الفكرة التي بيّنها المهندس "زيد عبد السلام" الذي رافقناه في زيارة لورشة العم "وارطان" ليحدثنا عن تجربته الخاصة، يقول: «من أقدم الأسماء على مستوى محافظة "السويداء"، هو ذاك الشخص الطيب الذي ينحدر من أصول أرمنية، حاز احترام أهالي المدينة، ليس فقط للباقته وصدقه وإخلاصه في العمل، بل لأنه حالة إنسانية نادرة من وجهة نظري، فقد كان أهالي "السويداء" لسنوات طويلة ولغاية هذا التاريخ؛ يتوجهون إليه بقصد الاستشارة: هل نشتري هذا النوع أم ذاك؟ وبقيت ورشته لما يزيد على أربعة عقود ونصف العقد وما تزال عامرة بالحياة، مرتكزة على خبرته التي أثبتها في معالجة أعقد المحركات والإلكترونيات، ليكون من نصيب هذا الشخص حل أكبر الأعطال وأعقدها، ولدى كل من تعامل معه ثقة كاملة بخبرته.

من ريف "اللاذقية" انتقلت إلى "السويداء" لغاية العمل وكسب لقمة عيشي عام 1969، وقد كانت لي بأهلها الحضن الدافئ الذي ساعدني على الاستقرار. في تلك الفترة كان يقصدني الأهالي لإصلاح أجهزة الراديو والمسجلات، وكانت الكهرباء فقط في كل من "السويداء، صلخد وشهبا"، وفي تلك الفترة تعرفت "سلطان باشا الأطرش" ونصحني بالبقاء في هذه المدينة لحاجتها إلى عملي، وبالفعل افتتحت ورشتي في هذه المنطقة منذ العام 1971، وكما ترون أنا باقٍ حتى هذا التاريخ أمارس عملي فيها، وبنيت أسرتي لأحقق الاستقرار وأنسجم مع المجتمع الذي أحببته وأحبني، وكان دافعي للبقاء والعمل بتصميم على خدمة كل من يطلب مساعدتي حتى إن اقتضى الأمر العمل بلا أجر

لكن الطريف بمتابعتي لهذا الرجل أنني عايشت مواقف كان فيها الإنسان الذي تعامل مع الأعطال بحالة من المتعة، تصل به إلى درجة أنه لا يتقاضى أجراً على الإصلاح في مرات عديدة، وقد ناقشته كثيراً لأدفع تكلفة الإصلاح في منزلي لكونه ركَّب قطعاً جديدة جمعها بما يناسب "البراد"، لكنه رفض لأنه وحسب وصفه؛ استمتع بالعمل، وفي مرات كثيرة كان يطلب إلى قرى بعيدة ليقوم بعمل كبير لكن عندما يطلع على ظروف أصحاب المنزل المتواضعة لا يقبل تقاضي أي أجر وهي قصة معروفة عنه على مستوى المحافظة، لتكون لديه صفة العطاء إلى جانب جودة الصنعة التي يتفوق بها على كثيرين من المتخصصين والدارسين في مجال الكهربائيات».

المهندس زيد عبد السلام

من "كسب" قدم إلى "السويداء" ابن الواحد والعشرين عاماً، حاملاً مهنته جواز سفر عبر به إلى قلوب أهالي المدينة، ليستبقيه "سلطان الأطرش" بعد أن تعرفه عن قرب كما حدثنا "ورطان أغباشيان" أثناء زيارتنا لورشته وسط المدينة، وقال: «من ريف "اللاذقية" انتقلت إلى "السويداء" لغاية العمل وكسب لقمة عيشي عام 1969، وقد كانت لي بأهلها الحضن الدافئ الذي ساعدني على الاستقرار.

في تلك الفترة كان يقصدني الأهالي لإصلاح أجهزة الراديو والمسجلات، وكانت الكهرباء فقط في كل من "السويداء، صلخد وشهبا"، وفي تلك الفترة تعرفت "سلطان باشا الأطرش" ونصحني بالبقاء في هذه المدينة لحاجتها إلى عملي، وبالفعل افتتحت ورشتي في هذه المنطقة منذ العام 1971، وكما ترون أنا باقٍ حتى هذا التاريخ أمارس عملي فيها، وبنيت أسرتي لأحقق الاستقرار وأنسجم مع المجتمع الذي أحببته وأحبني، وكان دافعي للبقاء والعمل بتصميم على خدمة كل من يطلب مساعدتي حتى إن اقتضى الأمر العمل بلا أجر».

ورطان أغباشيان

كيف تفاعل مع تطورات العصر والتكنولوجيا بخبرته الذاتية ليدرب في ورشته جيلاً من المتخصصين الخبراء، يتابع مجيباً في ذات السياق: «بعد الإلكترونيات أخذت تظهر في المدينة الغسالات الكهربائية والبرادات ومختلف المحركات التي تطورت بفعل انتشار الكهرباء، وكنت أتعامل مع هذه القطع بحذر شديد، واشتغلت على خبرتي لأتمكن من فكها وتركيبها، وفي ذلك الزمن لم تتوافر وسائل مساعدة للتعليم، وكان اعتمادي على جهدي الخاص، وأحمد الله أنني أتقنت هذا العمل، فقد كانت تردني محركات فيها أعطال كبيرة ولا أتركها إلا بعد الإصلاح.

وفي مرات عدة أستبدل بعض القطع وأركب ما توافر بين يدي، وفي مرات كثيرة لا أحمل صاحب المحرك التكلفة؛ فهذا العمل حقق لي الكثير من المتعة والراحة، وكان المحرك الجديد أو التقنية الجديدة فرصة لمعرفة جديدة، تبدأ بما لدي من خبرات عملية مخزنة وتتطور إلى إضافة معارف جديدة، جعلتني أواصل العمل لغاية هذا التاريخ، لكن الظرف الصحي يمنعني اليوم من التعامل مع محركات تحتاج إلى جهد عضلي كبير، ليكون هذا العمل اليوم من نصيب ابني وأتفرغ أنا لمعالجة "البرادات" الكبيرة المخصصة للمعامل والمحال الضخمة، وهذه قطع تصلني من كافة أنحاء المحافظة، وهم لا يتجهون بها إلى غيري، وأنا سعيد بهذا الموضوع.

وخلال سنوات العمل الطويلة استقبل طلاباً كثر رغبوا بتعلم المهنة، منهم طلاب المدرسة الصناعية والمعاهد، الذين عملوا لسنوات طويلة وخرجوا ليؤسسوا ورشات كبيرة أعتز بهم وبنجاحهم، وقد حرصت على تعليم ابني ليكمل مشوار العمل.

طوال عمري لم أدخل في جدال أو مشكلة مع الزبائن، على العكس فهم يعبرون لي عن محبتهم وثقتهم، وهذا ما يدفعني للاهتمام بكل من يدخل ورشتي أو يطلب استشارة».

"التعاقد معه بالكلمة"؛ كما حدثنا "سهيل عريج" صاحب معمل للشوكولا؛ يشرف "ورطان" على صيانة المحركات فيه، يقول: «حوالي ثلاثة عقود يزورنا فيها "ورطان" دورياً، يتابع المحركات ويصلح الأعطال، ويتابع أي خلل، لم نجده يوماً يخلف الوعد أو يقدم نصيحة خاطئة، يستحق الشكر على إخلاصه وتفانيه، وكنا نطلب منه خدمات كثيرة أهمها الاستشارة حول المعدات الخلاطات والمحركات الكبيرة، فنستشيره عن النوعية والمزايا، ولا نشتري أي قطعة بلا استشارته، وهو متسامح بعيد عن التفكير المادي، تتغلب لديه مصلحة العمل على المنفعة الخاصة، وصراحته وصدقه جعلت حضوره أساسياً في الشركة، ونحن نتمنى لها طول العمر لأنه شريك في نجاح شركتنا، والمسؤول التقني الذي حققت لنا بخبرته وفكره الكثير خلال العقود الثلاثة الماضية؛ حيث رافق الوالد خطوات التأسيس وبناء الثقة؛ لتكون كلمته الفصل وعليها يتخذ القرار».