قدر لها أن تتعلم وحيدة بين عدد كبير من الذكور في طفولتها، بعد دعم من والدها الذي صمم على تعليمها، وعندما دخلت الجامعة بقيت وحيدة دون أن ترافقها فتاة طوال الدراسة، ولما رحل الوالد والأخ كانت أخت الرجال في كل المواقف.

مدونة وطن "eSyria" التقت المربية "نهاد يوسف البيطار" في منزلها بمدينة "شهبا" يوم الأربعاء الواقع في 18 شباط 2015، فتحدثت عن واقع الحال أثناء طفولتها وقالت: «ترعرعت في بيت فيه من الحكمة والوعي ما عزز فيَّ حب التعلم، حيث كان والدي "يوسف البيطار" رجلاً متنوراً ومنفتحاً على فكرة تعليم المرأة، وكان شغوفاً بالعلم الذي لم ينله مع الوالدة، ولدت في العام 1953 في جو من المحبة والمودة زرعتها والدتي بحنانها الذي ما زال يظلل علينا حتى بعد وفاتها، وعندما دخلت المدرسة كنت وحيدة بين الذكور غير عابئة بأحد سوى بتحصيل العلوم، وقد اكتشفت منذ الصغر بروعة الكتاب وأناقة الشعر الذي كان والدي يقرضه منذ شبابه الأول، وكنت في ذاكرتي أردد ما يقول من أشعار، وما زلت إلى الآن حريصة على تلك القصائد التي تتغنى بالكرم والبطولة والأخلاق الرفيعة والمضافات التي تصنع الرجال، وبقيت في المدرسة وحيدة على الرغم من انقطاعي عنها مدة سنتين متواصلتين بسبب الظروف، وعندما عدت عوضت الانقطاع ونلت شهادة الدراسة الاعدادية، لأنتقل وحيدة إلى الثانوية العامة وأذكر كيف كان يحتفي بنا أستاذنا "محمد راتب النابلسي" وغيره من الأساتذة الكبار».

عندما تقف طالبة الكلام تتفرد باللغة البسيطة السلسة التي تتقنها حتى تصل إلى الجميع، وهي تبدأ بأبيات شعرية عامية لأحد الشعراء الكبار أو لوالدها الذي يعد من وجوه المدينة الكبار، وعندما تطرح قضايا المرأة تنطلق من الأسرة ككل ومن خوفها على جيل كامل من الأطفال الصغار الذين يعيشون الأزمة، هي ليست مربية ومدرسة فحسب، هي أم لم تنجب ولكنها تربي

وعن رحلتها في الجامعة أضافت: «دخلت الفرع الذي أعشق وأحب وكانت اللغة العربية مصدر فخر وحماس بالنسبة لي على الرغم من عدم حضوري للمحاضرات واعتمادي الكلي على المراجع والكتب والمحاضرات المكتوبة من الزملاء الطلاب، وعانيت من نفس المعضلة في الجامعة، فطوال ست سنوات من دراستي في كلية الآداب لم ترافقني فتاة من مدينتي "شهبا"، وفيها تواصلت مع الشاعر الكبير "سليمان العيسى" الذي التقيته فيما بعد عندما كان موجهاً في قبل وزارة التربية، وخلال فترة الجامعة بدأت التدريس في ثانوية الشهيد "إبراهيم زين الدين" للذكور، وثانوية الشهيد "زيد كرباج" للإناث بطريقة الساعات، كنت في بداية الطريق خائفة وحائرة من عدم قدرتي على العطاء، ولكن الممارسة وقوة الشخصية التي اكتسبتها من والدي وأخي الراحل "إبراهيم البيطار" جعلاني أنجح إلى حد كبير في تجاوز كل الصعاب فاكتسبت احترام الناس بسرعة لم أتوقعها، لقد امتهنت التدريس عملاً دائماً، ونذرت نفسي للصف مهما كانت إغراءات العمل الإداري، ويبدو أنني اكتسبت شخصيتي منذ أيام الدراسة لكوني الوحيدة بين مجموعة كبيرة من الذكور، كنت حريصة على جعل الدقائق الأولى من الدرس حديثاً عن الأخلاق بكل أساليبها، فأنا تعلمت الأدب العربي وليس العربي فقط، وكان لا بد من ذلك برأيي الشخصي، فكل ما في حياتنا يعتمد على الأخلاق، وعلى الرغم من كل العروض التي جاءتني من قبل مديرية التربية لتسلّم منصب إداري فيها أو في المدارس إلا أنني رفضت ذلك رفضاً قاطعاً لأن مهمتي في الصف مقدسة بالنسبة لي حتى تقاعدت».

في ثقافي شهبا

تجدها في كل المناسبات تقضي واجبها الإنساني بكل ثقة ودون تردد، ويعرفها أهالي منطقة "شهبا" حق المعرفة بفضل مشاركاتها وقوة شخصيتها وحبها للعلم والمعرفة ومساعدة الراغبين بالتعلم دون أي مقابل، وكذلك تدقيقها للأعمال الأدبية ولرسائل الجامعيين والمحامين بالمجان، وتجدها في المراكز الثقافية محاضرة ومدافعة عن المرأة الأم والعاملة، ومستمعة لكل جديد؛ حيث توضح: «في النهاية اخترت طريقي بعيداً عن الرجل، ولكني اعتبرته الأخ والأب الذي يخطئ ويصيب، وبمشاركته الأفكار نصل إلى طريق مشترك، وقد تبنيت موضوع المرأة لما تحتاجه من توعية ونضال حقيقي حتى تستطيع أن تمارس دورها داخل الأسرة وفي المجتمع بوجه عام، وقد مارست دوري ونشاطي من خلال الاتحاد النسائي، وكنت حريصة على الإرث الذي تركه لي والدي وأخي فلم أترك مناسبة إلا وحاولت أن أساهم فيها، وأعتبر أن مساهماتي مع الطلاب والمحامين الجدد والأدباء في إعطاء دروس اللغة العربية وفي التدقيق اللغوي واجب محتم سببه صلة المكان وقداسة المجتمع».

وقد أوضح "تيسير أبو جهجاه" القاطن في مدينة "شهبا" وأحد طلابها عما يعرفه عن الآنسة "نهاد البيطار" بالقول: «هي شخصية متواضعة ومحبة للعلم والمعرفة، وأكثر ما يشدنا نحوها هو مشاركتها الفاعلة في المدينة، كانت إذا دخلت قاعة التدريس كأنها تدخل مكاناً مقدساً، تقدم المادة مشفوعة بالوجدانية والصدق، ومن يعرفها عن قرب يكتشف أنها تلقّن الطلاب وتعلمهم كأم حانية تود تقديم المعرفة بكل تضحية ووفاء، وأشد ما كان يفرحها النتائج الإيجابية الملحوظة، وكلما صادفت أحداً من طلابها الكثر تردد ما تحفظه ذاكرتها عنه، وبعد التقاعد برزت كمحاضرة في قضايا المرأة والدفاع عن الطفولة التي تعدها المفتاح الذي ينشلنا من أزماتنا».

معتز الطويل

ويعتبر "معتز الطويل" الموظف في المركز الثقافي العربي في "شهبا" أن وجود الآنسة "نهاد البيطار" في الحياة الاجتماعية والثقافية حاجة ضرورية، وأكد: «عندما تقف طالبة الكلام تتفرد باللغة البسيطة السلسة التي تتقنها حتى تصل إلى الجميع، وهي تبدأ بأبيات شعرية عامية لأحد الشعراء الكبار أو لوالدها الذي يعد من وجوه المدينة الكبار، وعندما تطرح قضايا المرأة تنطلق من الأسرة ككل ومن خوفها على جيل كامل من الأطفال الصغار الذين يعيشون الأزمة، هي ليست مربية ومدرسة فحسب، هي أم لم تنجب ولكنها تربي».

مع عائلتها وأصدقائها