تعلق بالأرض قبل أن يكمل الثانية عشرة من عمره، مراقباً كل ما يقوم به والده المسن، وأتقن مع بداية التسعينيات مهارة الفني وإيمان الفلاح؛ فبات المزارع الأول الذي يلجأ إليه الناس للمعرفة والاستفادة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفلاح المجتهد "فريز الطويل" يوم الأحد الواقع في 1 شباط 2015، وهو المولود في مدينة "شهبا" في العام 1949، حيث تحدث عن بداية علاقته مع الأرض بالقول: «حين تفتحت عيناي على الدنيا كان والدي المرحوم "ذيب الطويل" كبيراً في السن، وكنت أستغل كل لحظة لمرافقته إلى الكروم والأرض، وألتقط منه تقنيات التقليم والزراعة البعلية والأمثال والحكايات عن المطر والزرع، حتى إنني أتقنت تقليم الأشجار وأنا في الصف السادس، وكنت على يقين أن هذه الأرض الصغيرة التي أورثني إياها هي كل كنزي الذي يساعدني ويعينني على الأيام وما تخبئه لي في المستقبل، تطوعت في الجيش العربي السوري ولم تنقطع تلك العلاقة يوماً على الرغم من قسوة الخدمة العسكرية التي تجبرك على الابتعاد لأيام طويلة عنها، وبعد التسريح عدت إلى حضنها أمارس هوايتي بإتقان وبالطرائق العلمية الحديثة التي استقيتها من الكبار في السن ومن مهندسي الزراعة الخبراء ذوي التجارب الناجحة».

علاقتي بالأرض كعلاقتي بالأولاد، فكلما مضى يوم دون أن أزور أرضي أو بستاني تجدني أصاب بوعكة، وكلما غاب أحد أبنائي أو لم أشاهده أمرض، وهم عزوتي وكياني، ولذلك أحرص على تعليمهم ما تعلمته، وعلى زرع حبهم للأرض كما أحبها، لأن ابتعادنا عنها بقناعتي هي سبب حاجتنا وفقرنا المادي والمعنوي، وفي النهاية أنا فلاح بسيط أحب أرضي فتعلمت من الآخرين ونجحت

لا تتجاوز مساحة أرضه العشرين دونماً، وهي كل ما يملك، إضافة إلى بستانه العامر بالأشجار المثمرة، فوجد طريقة مثلى لزيادة غلته وممارسة خبرته وهوايته فذهب نحو أصحاب الأراضي الكبيرة لـ"ضمانها" وكانت مغامرته الأولى في زراعة الحمّص الفرنسي، الذي يطلق عليه (حمص الإيكاردا) نسبة إلى "إيكاردا" (المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة)، وقال: «دخلت إلى الأرض التي "ضمنتها" في العام 2005 فوجدت جيراني قد قاموا بزراعة أرضهم بالقمح، ولكنني قررت زراعتها بالحمص وسط سخرية واستغراب كل من سمع وشاهد، ولكنني كنت على قناعة بما أقوم به؛ حيث قمت بفلاحة الأرض (سكة عيار) في آخر كانون الثاني وأول شباط لقطع الأعشاب والمحافظة على الرطوبة العالية، وزرعتها بين العاشر والخامس عشر من آذار عند انتهاء طور الدود، وعندما أزهر الحمّص قمت برش الأرض كلها (206) دونمات بيوم واحد بالمبيدات الحشرية المناسبة وسط ذهول كل من شاهدني وأولادي، فقد كانت طريقة مبتكرة للرش غير مألوفة للناس، وكنت على يقين كامل بما أصنع، وكانت النتيجة غير متوقعة وغير مألوفة في المنطقة؛ حيث أنتج الدونم الواحد 85 كيلو غراماً بعد أن كان ينتج 50 كيلوغراماً على الأكثر، وقتها بعت الكيلو الواحد للتصدير بمبلغ 28 ليرة سورية، وجيراني باعوا كيلو القمح بسبع ليرات سورية فقط وربحت الرهان».

في الصف الثاني يستمع للمحاضرة الزراعية.

حصل على عدد من الهدايا وشهادات التقدير من مديرية الزراعة لتفوقه في الإنتاج، واعتبر أن أي كلمة تقال له هي حافز على تطوير عمله، وقال: «بعد تعاوني مع المهندسين الزراعيين في منطقة "شهبا" وصل إنتاج الحمّص في أرضي إلى 120 كيلو غراماً للدونم الواحد، أما القمح فقد كانت تجربته ممتعة فقد قررت أن أجهز الأرض بسنة كاملة تسمى سنة السكون تبدأ بتعزيل الأرض من الحجارة، وفلاحتها بأول سكة تبدأ من 15 أيلول حتى منتصف تشرين الثاني؛ حيث تكون عميقة وأثلام كبيرة من أجل تخزين المياه لكون الطقس غير ثابت ويجب المحافظة على المياه، بعد ذلك قمت بتسميد الأرض بالآزوت والفوسفور المناسب حسب تعليمات المهندسين، وعند بداية كانون الثاني قمت بالفلاحة للسكة الثانية، والثالثة كانت في نيسان، وفي سنة الزراعة قمت بالفلاحة في شهر تشرين قبل الزراعة التي تمتد من 15 تشرين الأول حتى 15 كانون الأول؛ حيث تكون الأرض قد اكتسبت مواد غذائية من الشمس على أن يكون البذار بالبذّارة حصراً وبمعدل عشرة إلى أحد عشر كيلوغراماً للدونم الواحد، وعند منتصف آذار أو أول نيسان يجب مراقبة الزرع جيداً ورشه بالمبيدات المناسبة في حال كان هناك عشبة (الفجيلة) أو مرض (السونا)، والأهم من كل ذلك اختيار الصنف المناسب، وهكذا كان إنتاجي من القمح يفوق العادي بثلاثة أضعاف، وللعلم أستخدم في بستاني تقنيات حديثة في التقليم والتطعيم والوقت المحدد بدقة، وكذلك في الرش بالمبيدات وباتت تجربتي الناجحة تعطيني ثماراً طيبة؛ فالمعرفة من الأقدمين ضرورية ولكن إذا اقترنت بالعلم تنجح».

أنجب السيد "فريز الطويل" أربعة أبناء ذكور يعدّهم مع أرضه كل ثروته، ويطمح أن يؤمن لهم متطلبات الحياة الكاملة، ويؤكد: «علاقتي بالأرض كعلاقتي بالأولاد، فكلما مضى يوم دون أن أزور أرضي أو بستاني تجدني أصاب بوعكة، وكلما غاب أحد أبنائي أو لم أشاهده أمرض، وهم عزوتي وكياني، ولذلك أحرص على تعليمهم ما تعلمته، وعلى زرع حبهم للأرض كما أحبها، لأن ابتعادنا عنها بقناعتي هي سبب حاجتنا وفقرنا المادي والمعنوي، وفي النهاية أنا فلاح بسيط أحب أرضي فتعلمت من الآخرين ونجحت».

المهندس مفيد الصحناوي.

في كل مؤتمر أو ندوة أو نشاط تقوم مديرية الزراعة أو إحدى دوائرها في "السويداء" بدعوته لحضور نشاطاتها في القاعات أو الأرض، حيث يقول المهندس الزراعي "مفيد الصحناوي" رئيس دائرة "شهبا" للزراعة: «يعد السيد "فريز الطويل" من الأشخاص الذين نفخر بهم وبعملهم، وهو نموذج للفلاح الناجح المجتهد الذي لا يترك شيئاً للمصادفة، ولا يترك مناسبة إلا ليستفيد منها ويفيد زملائه، وقد حقق نتائج باهرة في زراعة القمح والحمّص، وأذكر أنه في إحدى السنوات لم يصدق أحد ما أنتج في أرضه من القمح حتى تأكدوا عن طريق صاحب الجرار الزراعي الذي نقل المحصول، وهذا السائق تحدث بحماسة شديدة أمام اللجنة الخاصة وقال إنه لم يرَ في حياته كلها ما شاهده من سنابل بالطول والكمية، وقد كرم في كثير من المناسبات، وهو يستحق التقدير والاحترام».