انطلق من خلفية تاريخية يعشق ذكرها عن أجداده الذين حاربوا ودفعوا دماً ضد المحتلين، وتعامل مع أرضه كأنها كنز حقيقي حتى اهتدى لما يريد، فجمع بمساعدة أهله تحفاً فنية نادرة وأشياء تعيدنا من جديد لرائحة الأجداد العابقة بالبساطة والحب.

مدونة وطن "eSyria" التقت جامع التراث الشاب "عصمت أبو زين الدين" في منزله بمدينة "شهبا" يوم الأربعاء الواقع في 22 تشرين الأول 2014، فتحدث عن بدايته مع هذه الهواية: «تعود علاقتي بهذه الهواية إلى الطفولة التي أعادتني مراراً نحو أجدادي، فجدي "علي مراد مراد" قد حكم عليه بالإعدام عندما قبضت عليه قوات الاحتلال الفرنسي وهو في طريقه لإيصال الأسلحة والذخيرة إلى الثوار، واستشهد والده "مراد مراد" في معارك الغوطة بريف "دمشق"؛ وما زال صندوق الذخيرة وبندقيته موجودين إلى الآن مع بعض الوثائق الأخرى، وفي إحدى السنوات العجاف التي مرت على العائلة كانت الأرض مصدر رزق مهماً لنا، كنت أذهب إليها بشكل يومي للعمل، وكانت تشدني الحجارة المنبعثة من قاعها نتيجة الحراثة، فهذه الحجارة المسبوكة بشكل غريب تثير دهشتي وتدفعني بلا وعي لأسأل عن أسرارها وعلاقتها بالمنطقة، وهكذا حتى صادفت عند صديق لي كوباً للخمر يعتقد أن عمره يزيد على 1800 عام، وأواني نحاسية عتيقة، فبدأت العمل على ما كان يعتلج في خاطري واندفعت نحو جمع ما استطعت من أدوات تراثية، وكل ما يتعلق بالماضي بمساعدة كبيرة من أسرتي مادياً ومعنوياً».

نحن معه في كل خطوة يخطوها مهما كلفت من أموال، فالمهمة التي اختارها نبيلة جداً وتحتاج إلى دعم الجميع، ومنذ أن بدأ الجمع وأنا أراقب ما يقوم به، وقد بات إخوته يساعدونه ويدعمونه بشكل كبير، وهو ومشروعه الشغل الشاغل لنا، حتى الأحفاد تعلموا معنى جمع التراث، ويقومون بالمساعدة، ولكن فكرة الفيلم والمتحف بحاجة إلى جهود كبيرة حتى تكتمل كما يريد، وتظهر للناس بنبل الرسالة التي يطرحها عن حفظ تراث الأجداد ومقتنياتهم

وعما امتلكه طوال السنوات الماضية تابع: «أكثر ما أفتخر باقتنائه هي الأسلحة القديمة التي اغتنمها الثوار من أعدائهم، وكانت أول قطعة أقتنيها بندقية نوع "موزر" ألمانية، ومسدساً مكتوباً عليه عدداً من الأحرف العربية لكنه مجهول المصدر، وأكثر ما أفخر باقتنائه هو (بوط) عسكري لضابط فرنسي حفر اسمه عليه من الداخل.

"بوط" ضابط فرنسي كتب اسمه عليه.

وكل هاو للتراث المادي واللا مادي ينبش الذاكرة، ويبحث عن كبار السن لمعرفة التفاصيل الدقيقة للمعيشة وأدوات العمل والبقاء، وهو ما حاولت جاهداً التعمق فيه، فكنت أبحث عن أدوات الطعام وحفظه، وأدوات المائدة، والمشرب والملبس، وأدوات القهوة القديمة، وكل ما يتعلق بالزراعة والحراثة والبيدر، وزينة المرأة والرجل، وعدة الخيل، وأدوات الإنارة القديمة، وأدوات التسلية، والراديوهات القديمة والعملة النقدية التي بات عندي منها مجموعة مهمة ونادرة، وخلال ثلاث سنوات فقط باتت مجموعتي التي اقتنيتها بمساعدة الأهل والأصدقاء ركناً كبيراً ومهماً، وقد عرضتها في محلنا أمام الناس حتى أدفعهم لمساعدتي في اقتناء المزيد والنادر من هذه الأدوات».

يعكف "عصمت أبو زين الدين" المولع بجمع التراث وتوثيقه، وكذلك بالتصوير الذي أمضى فترات طويلة في التدرب عليه، يعكف حالياً على القيام بمشروع أوسع وأشمل يقضي بتصوير فيلم وثائقي عن كل ما يتعلق بالتراث، من حبة القمح إلى البيدر مروراً بكل العادات والتقاليد التي تتضمنه، وهو عازم بمساعدة أسرته على وضع مقتنياته في بيته على شكل متحف مفتوح أمام الناس، حيث يقول والده السيد "أبو عصام" عما يفكر به ولده: «نحن معه في كل خطوة يخطوها مهما كلفت من أموال، فالمهمة التي اختارها نبيلة جداً وتحتاج إلى دعم الجميع، ومنذ أن بدأ الجمع وأنا أراقب ما يقوم به، وقد بات إخوته يساعدونه ويدعمونه بشكل كبير، وهو ومشروعه الشغل الشاغل لنا، حتى الأحفاد تعلموا معنى جمع التراث، ويقومون بالمساعدة، ولكن فكرة الفيلم والمتحف بحاجة إلى جهود كبيرة حتى تكتمل كما يريد، وتظهر للناس بنبل الرسالة التي يطرحها عن حفظ تراث الأجداد ومقتنياتهم».

عدة القهوة بكل أشكالها القديمة.

اشترك "أبو زين الدين" المولود في مدينة "شهبا" بأول معرض له في مهرجان "شهبا" السابع للتراث والفنون، وقد لفتت مقتنياته كل زوار المهرجان على الرغم من أنه لم يعرض إلا القليل مما لديه، ويؤكد الأستاذ "إبراهيم أبو كرم" رئيس لجنة "شهبا" في جمعية العاديات ذلك بالقول: «كان لحضور الزميل "عصمت" في المهرجان أثر طيب في نفوس الناس، على الرغم من وفاة والدته المفاجئ قبل أيام من المهرجان، ولكنه حضر بأدواته اللافتة للنظر، وقدم مجموعة نادرة من الأسلحة المتنوعة وأدوات التراث التي استطاع جمعها من أماكن كثيرة كلفته المال والوقت والجهد في البحث والتنقيب عنها في البيوت القديمة، وفي الحقيقة بات لدينا في المنطقة ثلاثة رجال يجمعون أدوات التراث على اختلاف أنواعها: السيد "غازي حمزة" في قرية "دوما"، والسيد "جمال مهنا" في قرية "أم الزيتون"، و"عصمت أبو زين الدين"، وإن ما جمعوه يكوّن متحفاً متكاملاً بكل المقاييس».

أدوات نحاسية متنوعة.