قضى طفولة ملأى بالألم، والأمل، واجتاز امتحان الحرمان بفكر فني فريد جعله واحداً من الأشخاص القادرين على ابتكار قوالب الهدايا وشموع الأعياد والديكورات، دون أي تدريب أو مساعدة من أحد، وكأنه خلق والفن يسري في عروقه.

مدونة وطن "eSyria" التقت فنان الفطرة "أدهم الأوس" يوم الخميس الواقع في 10 نيسان 2014؛ الذي تحدث بكثير من الفرح عما صنعه في حياته: «كنت بحاجة ماسة إلى المال والاستقرار، فلم يكن راتب الوظيفة كفيلاً بتحقيق حلمي في الزواج وبناء بيت صغير أستطيع من خلاله تكوين أسرة بسيطة.. وفي إحدى المناوبات الليلية في العمل وجدت في إحدى الزوايا عصاً خشبية طويلة ومدورة، فحملتها وجلبت سكيناً حادة وقسمتها إلى ثلاث قطع، ورحت أنحت كل قطعة منها على شكل شمعة ملتهبة، وأزخرفها بما يجول في رأسي حتى انتهيت. فكانت الشمعات الخشبيات الثلاث مثار حديث الزملاء في العمل لوقت طويل. ولكن في رأسي بدأت تتبلور الأفكار المتزاحمة شيئاً فشيئاً حتى وجدت ضالتي في صنع قوالب الشموع، وقوالب الهدايا المخصصة لمناسبات محددة، التي لاقت رواجاً بين الناس».

يكفي أن القوالب التي يقوم بتصميمها وتصنيعها يبيعها للشباب الذين وجدوا فيها فرصة عمل جديدة، مثل قوالب الشمع والهدايا والإكسسوارات، وكل ما يتعلق بتوالف البيئة

لكل شخص هوايته التي يفتخر بها بين أصحابه، ومع "أدهم الأوس" تجد الهواية طريقاً آخر نحو الأسواق، فالسر يكمن في العائلة: «ولدت في مدينة "جرمانا" عام 1977، وحملت "الوزرة والشاكوش" في عمر ست سنوات كي أساعد والدي النجار على تجاوز صعوبات الحياة، وقد أكملت الصف التاسع بظروف استثنائية لصبي لا يعرف من الحياة غير العمل. وفي فترة الشباب استدنت 500 ليرة سورية، وجلبت مواد الخرز، ورحت أصنع إكسسواراً للهواتف الخلوية، وقلدت السوق في مسألة حفظ المنتج وكأنه قادم من الصين، وكان لي مندوبون وتجار يأخذون بضاعتي. وعندما استقريت في "السويداء" وتحديداً في ناحية "شقا" تلقيت دعماً كبيراً من أحد البنوك المحلية الذي آمن بموهبتي؛ فانطلقت من جديد في صنع القوالب. وأعتقد أن التأثير العائلي له دور كبير في ذلك؛ فأخي "أنور الأوس" نحات سوري معروف، وأختي "صفاء" تتقن الخط والرسم، وخالتي فنانة بكل شيء، ويبدو أنني اكتسبت الكثير منهم جميعاً دون أن أدري».

قوالب للأفيال عير مفرغة.

تتدرج القوالب المصنوعة ضمن عدة أصناف بين الكبير والصغير، وتكمن الجودة في عدم تفريغ المنتج الذي يدوم طالما حافظ عليه الزبون في كثير من القوالب التي ابتكرها للهدايا. وهو يحتفظ بقوالب يطلب فيها مبالغ كبيرة بسبب جودة صنعها وميزاتها، ويتابع: «من الطبيعي أن تكون القوالب الجاهزة من الجفصين، غير أنني اكتشفت ما يقوم به التجار الذين يجلبون القوالب الرخيصة من الخارج لإنتاج الهدايا والتحف القابلة للكسر بشكل دائم، فصنعت قوالب قوية دون فراغات حتى تصمد القطعة لأكبر وقت ممكن. وكذلك صنعت القوالب من مادة الفيبر الحراري والريزر والسليكون بوقت يبدأ بيومين للقوالب العادية الصغيرة، وينتهي بخمسة عشر يوماً للقوالب التي يدخل فيها الفن أكثر من التقنية كما في قالب الفيلة والأسود. وهذه التقنيات تحتاج إلى جهد كبير، وصبر أكبر في الحفر والتسوية والتلميع والتنعيم والكبس. أما القوالب ذات الخطوط المتعرجة والانحناءات والميلان ففيها الأمر يحتاج إلى الفن والموهبة. وقد بعت في بداية عملي بقوالب الشمع قالبين بقيمة ألفي ليرة سورية لوقف تل "شيحان"، وعندما اشتهرت صنعتي بعت معملاً كاملاً من الشمع بمئة ألف ليرة. والآن أعمل على صنع قوالب الديكورات والتماثيل والإكسسوارات، وما يسمى "الجبسنبورد" في قبو المنزل، وهو يلاقي الرواج الكبير. كما أتعاون مع زوجتي في صنع الهدايا التقليدية من توالف البيئة».

التاجر "طليع غيث" المولود في قرية "الجنينة" تحدث عن علاقته مع السيد "أدهم الأوس"، ومدى التعاون بينهما: «لا شك أن ما يقوم به الفنان "أدهم الأوس" من أعمال فنية تجعله واحداً من المبدعين القلائل في هذا المجال. والشيء الذي يجب ذكره أن كل ما تطلبه أو أي فكرة تخطر في بالك وتنقلها له تجد حلها بسرعة متناهية. ونحن حريصون على تقديم الهدايا إلى الزبائن بشكل مستمر منذ فترة، وخاصة في أعياد الأم والمعلم وأعياد الميلاد، وهو يقوم في كل سنة بطرح أعمال جديدة غير تقليدية. والأجمل أنه حريص على نظافة البيئة، وشعاره الدائم أن "لا يوجد شيء في هذه الأرض إلا وله عمل حتى التوالف"».

يصنع قوالب الشمع بكل تفاصيلها وأشكالها.

وتعتقد السيدة "سهير عقل" أن أعمال الفنان "الأوس" تجلب الكثير من الفرح والسعادة إلى الكثيرين، وتتابع: «يكفي أن القوالب التي يقوم بتصميمها وتصنيعها يبيعها للشباب الذين وجدوا فيها فرصة عمل جديدة، مثل قوالب الشمع والهدايا والإكسسوارات، وكل ما يتعلق بتوالف البيئة».

من توالف البيئة بمساعدة زوجته.