«لم أولد بعد وما زلت أبحث عن مسقط لرأسي الصغير فلم أجده، فاستبدلته بحضن أمي الذي اتسع لستة غيري ومازال قادراً على اتساع العالم، من هنا اكتسبت غريزة حبي للناس وعشت محملاً بهموم الآخرين وتفتح وعيي على حب البشرية حتى أصبح كل ألمٍ في العالم يخصني».

هذا ما تحدث به الناقد الدكتور "عاطف عطاالله البطرس" لموقع eSuweda بتاريخ 10/10/2008 وهو يضيف قائلاً: «هكذا وجدت في تلك القرية المرتفعة كالفضيلة علامتها قلعة ما تزال صامدة لعاديات الزمن تقاوم الرياح والمعتدين تتآكل أطرافها لكنها ما تزال عصية تشهد على التاريخ والذين مروا من هنا "صلخد" التي عشت فيها طفولتي منذ لم يسقط رأسي في 15/10/1950 وحتى العاشرة من عمري حيث انتقلت مع والدي مودعاً حضن أمي الذي سلحني بالطيبة والصدق إلى مدينة "السويداء" التي سأمضي فيها مرحلة الدراسة الإعدادية التي ختمتها برسوبي في الصف التاسع عن جدارة واستحقاق، والدي "عطاالله البطرس" الذي تعلمت منه الصبر والاستقامة والحس النقدي خريج السوربون في الخمسينيات رجل تربية معروف في المحافظة بعصاميته صدم كثيراً بتفوق ابنه البكر في الرسوب، وقد أراده طبيباً. ما زلت أذكر عندما التقاه أحد أصدقائه في الشارع الرئيس لمدينة السويداء وسأله: "شو المحروس طلع الأول ولا الثاني طبعاً على المحافظة؟" فأجاب والدي وهو المتفوق طوال حياته الدراسية "لا والله المحروس رسب" قالها والألم يعتصر قلبه، في حياتي لم أحب المدرسة وكان المعلم يعطيني كل يوم "فرنكاً" وعندما أستلمه أذهب إلى البيت، واهتدت فطنته إلى إعطائي الفرنك في آخر الدوام لذلك كنت مضطراً للبقاء في المدرسة حتى آخر حصة الرمق الأخير.

هكذا وجدت في تلك القرية المرتفعة كالفضيلة علامتها قلعة ما تزال صامدة لعاديات الزمن تقاوم الرياح والمعتدين تتآكل أطرافها لكنها ما تزال عصية تشهد على التاريخ والذين مروا من هنا "صلخد" التي عشت فيها طفولتي منذ لم يسقط رأسي في 15/10/1950 وحتى العاشرة من عمري حيث انتقلت مع والدي مودعاً حضن أمي الذي سلحني بالطيبة والصدق إلى مدينة "السويداء" التي سأمضي فيها مرحلة الدراسة الإعدادية التي ختمتها برسوبي في الصف التاسع عن جدارة واستحقاق، والدي "عطاالله البطرس" الذي تعلمت منه الصبر والاستقامة والحس النقدي خريج السوربون في الخمسينيات رجل تربية معروف في المحافظة بعصاميته صدم كثيراً بتفوق ابنه البكر في الرسوب، وقد أراده طبيباً. ما زلت أذكر عندما التقاه أحد أصدقائه في الشارع الرئيس لمدينة السويداء وسأله: "شو المحروس طلع الأول ولا الثاني طبعاً على المحافظة؟" فأجاب والدي وهو المتفوق طوال حياته الدراسية "لا والله المحروس رسب" قالها والألم يعتصر قلبه، في حياتي لم أحب المدرسة وكان المعلم يعطيني كل يوم "فرنكاً" وعندما أستلمه أذهب إلى البيت، واهتدت فطنته إلى إعطائي الفرنك في آخر الدوام لذلك كنت مضطراً للبقاء في المدرسة حتى آخر حصة الرمق الأخير. استمراري في الدراسة كان بفعل الخوف من تهديدات الوالد التي لم تفلح في تشكيل طفل يكون من الأوائل ولكني بكل تأكيد حافظت على موقعي المتميز في ارتال المؤخرة، وهكذا ما زلت متمسكاً بهذا الموقع المتقدم

استمراري في الدراسة كان بفعل الخوف من تهديدات الوالد التي لم تفلح في تشكيل طفل يكون من الأوائل ولكني بكل تأكيد حافظت على موقعي المتميز في ارتال المؤخرة، وهكذا ما زلت متمسكاً بهذا الموقع المتقدم».

أحد مؤلفاته

ويضيف الدكتور"عاطف البطرس": «في مدينة السويداء عشت سنوات المرحلة الإعدادية بكل ما فيها من تحولات، عشت مراهقة وتمرداً على نظام الأسرة وصرامة الوالد وعلى المواضعات حيث أصبحت واحداً من محبي الشوارع ورحمة الله على الأستاذ والمربي الفاضل الأستاذ "صياح الجهيم" عندما قال لوالدي: "مشتهي امشي بشارع في السويداء ولا أرى ابنك فيه"، بعد أن تعرف عليَّ في منزلنا أثناء زيارته للوالد وقد قدمت لهما الضيافة فقدمني والدي إليه "ابني عاطف" فقال الأستاذ "صياح": "يا أستاذ "عطا الله" قول وغير"، وتابع: "يا ريتك لم تخلف"، نعم كانت قاسية من رجل لم يعرف عنه القسوة وكان في منتهى التهذيب أجابه والدي: "بوسعك أن تأخذ الحصان إلى النهر ولكنك لا تستطيع إجباره على شرب الماء"، ومثال آخر عن أبناء المربي الفرنسي "جان جاك روسو" هذا ما ترجمه لي والدي بعد مغادرة ضيفه لأن الحديث جرى باللغة الفرنسية، والدي لم أتعلم منه كلمة فرنسية واحدة وقد دفعت الثمن باهظاً في الجامعة لجهلي المطبق بالفرنسية "عشيقه الوالد" كما سأدفعه مضاعفاً في الاتحاد السوفيتي أثناء التحضير للدكتوراه فلا مهرب من تعلم اللغة الروسية فكيف سيقوم بذلك عقل صدئت آلياته وتعطل فيه مركز تعلم اللغات "يا أبتي اغفر لي" أنهيت مرحلة الدراسة الثانوية بأعجوبة وحصلت على شهادة البكالوريا أدبي بشبه متفوق طبعاً بعد طي علامة اللغة الفرنسية التي بلغت درجة واحدة من 60 درجة، حصولي على الشهادة الثانوية بفضل دمعة لا أنساها في حياتي دمعة رسمت خطوط مستقبلي إنها من زميلتي في الصف عندما أخرجني مدرس الجغرافية مع "البهدلة" اللازمة لجهلي البين في المادة لم تستطع تحمل الإهانة التي وجهت إلي فبكت أما أنا ففتحت باب الصف وخرجت وعندها قررت وبحزم أن أرد الاعتبار إلى دموعها بهجةً وفرحاً ليس كرمى للعلم ولا لوالدي مدير الثانوية آنذاك وإنما كرمى لدموع الحب، ما أروعك أيها الحب وما أكثر وما أبهى عطاياك، هو الذي حولني من طالب مستهتر لا يبالي بشيء إلى رجل مسؤول تعهد أمام دمعة أن يكون من الأوائل تلك الدمعة كانت طريقي إلى قسم اللغة العربية في جامعة دمشق المادة الوحيدة التي تميزت بها كنت الأول فيها على الثانوية والأخير دون مبالغة في كل المواد في الجامعة التشكل الحقيقي التقيت مجموعة من الشباب الواعي المتحمس ساهموا في تعميق وعيي الاجتماعي وتنمية فهمي السياسي وتوسيع آفاقي الثقافية كان الفضل الأول لصديقي الروائي والأديب "ممدوح عزام" الذي وضعني على سكة المعرفة خارج الكتاب الجامعي المفروض لتقديم الامتحان ونقلني إلى عالم الحرية، ولم يكن بعد قد عرف بصفته كروائي وأديب، وأنا منذ تلك الأيام أسير على الطريق الذي أعرف أن نهايته كالسراب غاية من المستحيل إدراكها، طريق المعرفة طويل وأسئلتها لا يجاب عنها مرة واحدة وإلى الأبد فهي متجددة بتجدد الحياة نفسها لم أفكر يوماً بالكتابة وربما أجمل الأشياء ما جاءت مصادفة بعد رحلة مع عالم الكتب والثقافة التقيت الأديب "وليد معماري" حيث قادني إلى المهنة الشاقة الفرح، والألم، السعادة، والشقاء، هي أوجه الكتابة المهنة "المحنة" وبعد مقالة عن رواية "الياطر" للأديب الكبير "حنا مينا" نشرت في تشرين كان لقائي مع هذا الأديب الكبير وبناء على طلبه، هذا اللقاء الذي حول مجرى حياتي وقادني إلى الاتحاد السوفيتي الذي كنت أحلم بزيارة ساحته الحمراء التي لم تكن تبعد بنظري عن ساحة الأمويين أكثر من بعد سواد عيني عن بياضها وهكذا وبعد ثلاث سنوات من عام 1982 إلى 1985وهبني الأستاذ "حنا مينة" فيها الكثير الذي يصعب رده وجدت نفسي في الاتحاد السوفييتي الذي عشت انهياره وتجربة سقوطه المريرة بكل ما تحمل من بعد تاريخي وعبر ودروس سياسية وفكرية، إنها انكشاف الوهم والعودة من جديد للبحث الدؤوب عن أسباب الانكسار وآثاره الداخلية ونتائجه المعرفية، إنها بداية الأسئلة المفتوحة والإجابات غير المنجزة».

وهو يضيف بحديثه: «في موسكو عملت في الإذاعة مدة ثماني سنوات وعشر سنوات في المدرسة العربية وست سنوات كنت عضواً في المكتب الإداري للاتحاد الوطني لطلبة سورية ثم ومنذ عام 1994 تأسست رابطة المغتربين السوريين فعملت فيها أميناً للسر حتى عودتي إلى الوطن في عام 2003 وبذلك أقمت في روسيا مدة 18عاماً اكتسبت خلالها خبرات ومعارف من الصعب الحديث عنها هنا، وكل ما أذكره أنني ودعت موسكو دون أن أنظر إلى الوراء وكنت مسرعاً إلى الطائرة وبذلك أقفلت دائرة الذكريات لأنها مؤلمة وفتحت نافذة جديدة العودة إلى العمل في دمشق وبمساعدة من السيد وزير التربية الدكتور "علي سعد" حيث تمكنت من تقاضي راتب بعد سنة ونصف من البطالة وعدت إلى التعليم العمل الذي هربت منه أكثر من مرة لكنه ضغط اللقمة، وبمحبة وتشجيع وإلحاح من صديقي القديم الشاعر المعروف "صقر عليشي" عدت إلى الكتابة التي هجرتها أعواماً فقد أقنعني بإمكانياتي ومؤهلاتي النقدية وكان بتبرعه بنشر كتابي "حنا مينة المعيش والمتخيل" ثم كتاب "قصدية النص" أن أصبحت عضواً مرشحاً في اتحاد الكتاب العرب ومازلت وبمساعدة الأصدقاء وتشجيعهم، الأصدقاء الذين عمدوني في نهر المعرفة وصعدوا معي درب الجلجلة ما زلت أحمل صليبي بكل ثقة وإخلاص وجدية في العمل وما أعاني منه اليوم بداية خمل الجسد وصراعه مع شباب الروح الجسد الذي أوهنه رحيل أخي "نبيل" المهندس المعماري والمثقف الجميل أخي الذي رعاني وهو يصغرني بثلاث سنوات، "نبيل" الوجع المزمن والفرح المستحيل الذي رحل وتركني أعيش مواسم أحزانه».

د. عاطف عطا الله البطرس

لمحة توثيقية:

صدر له مؤلفات منها كتابه: حنا مينة "المعيش والمتخيل"، وكتاب آخر "قصدية النص مقاربات في الرواية العربية والعالمية"، وله مقالات وأبحاث منشورة في الصحف السورية والدوريات العربية، وهو محاضر في المراكز الثقافية، وله مشاركات متميزة في ندوات تكريمية ومهرجانات شعرية وندوات فكرية، وعضو في لجان التحكيم لمهرجانات القصة والرواية.