لم يكن اللقاء مع شيخ الصحافة السورية الأستاذ الكبير "منصور أبو الحسن" في يوم الثلاثاء 10/6/2008 عاديا؟!! فالرجل الذي ولد عام 1921 بعد دخول الفرنسيين إلى سورية يتذكر أدق تفاصيل الطفولة، والوجع والجوع والظلم الذي تعرض له أبناء سورية الأبية الخارجة توا من أتون الاحتلال العثماني، ولم تنعم بنسائم الاستقلال إلا قليلا.

يقول الأستاذ "منصور": أن الجيل الذي خاض الثورة ضد المحتلين الفرنسيين، هو الذي علمنا وربانا وفق الظرف الكائن آنذاك، ويتابع: إن هذا الجيل لا يقاس بعدد السنوات فالزمن الذي عاشه كان مشحونا ومليئا بكل المعاني من كرامة وبطولة وجوع وعز وذل وكل التناقضات، ولكنه كان أقوى مما يتصوره عقل حتى انتصر في النهاية.

ويتذكر من طفولته انه كان في الخامسة عندما تعلم ركوب الخيل، ففي الجبل لا يوجد بيت إلا وبه فرس أصيلة، وقال: انه لم يكن يأكل أي شيء قبل أن يطعمه لفرسه والعلاقة مع الفرس أشبه بعلاقة العشاق.

وكانت الصحافة قد بدأت بالانتشار في العشرينيات وهو طالب، حيث نال الشهادة الابتدائية عام 1934، وبدا ينشر مواده على يد أبو الصحافة السورية الحديثة "نجيب الريس" صاحب /القبس/ الذي قال عنه: انه فارس الكلمة ومفتاح الحرية، حيث كانت العلاقة بين حماة والسويداء كالعلاقة بين التوأمين وهما الصخرتين اللتين لا يمكن أن تتحطما أبدا.

وقال عن العلم في ذلك الوقت: إن الاحتلال الفرنسي فتح المدارس وفق مخطط تبشيري كاثوليكي، يبنى على غسل الأدمغة، وهدفه تحويل السيف إلى قطعة كاتو. وكانت إدارة المدارس لليسوعيين الذين منعوا من سكن فرنسا، وكان سقف التعليم في السويداء هو الوصول لنهاية المرحلة الابتدائية أو التعليم الإلزامي، وكان السجن نصيب الذي لا يتعلم أو يمنع أولاده من العلم.

تعلم الأستاذ "منصور أبو الحسن" لغة عدوه على يد العلامة الشيخ محمد ناصر الدين رزق خريج الأزهر.

بعد الاستقلال الوطني الذي تحقق بالسيف والدم بدا عصر جديد في سورية، ومن أهم محطات الأستاذ "منصور" فيه انه كلف مع رفاقه بتأسيس اتحاد الفلاحين في القطر، حيث أسس من جريدة نضال الفلاحين وعن هذه الفترة قال: إن المحل والجراد كانت إحدى أسباب عدم اكتمال الوحدة مع مصر.

وحاول مع رفاقه في الاتحاد تنظيم الفلاحين حيث نظموا 100 ألف فلاح في فترة وجيزة وكان يحدوهم الأمل أن يبنوا كل يوم ويمشوا خطوة نحو بناء حياة جديدة لهؤلاء الذين تعيش مع سواعدهم ملايين العائلات السورية.

شاءت الصدف أن يكون في عداد الوفد الصحفي الذي سافر إلى القاهرة بمناسبة انعقاد مؤتمر اتحاد الصحفيين العرب مع "ناجي الدراوشة" و"حسيب كيالي" الشاب المفعم بالحيوية كما يصفه.

حيث التقى الوفد بالزعيم الراحل "جمال عبد الناص"ر الذي وصفه بالوحيد آنذاك وسط قيادته التي لن تأتي من الشعب فالصدفة وحدتها جعلت ذلك الأسمر في صفوف الجيش حيث كان رسم الدخول البيع عال وكبير ومقتصر على العائلات الغنية.

وزار مع صحبه جريدة الأهرام حيث كان يرأسها "محمد حسنين" هيكل فهي مدينة كبيرة كلف إنشاؤها آنذاك 30 مليون جنيه مصري، وجيش من المواطنين ودار في اللقاء ودار عاصف بين الجانبين لان السوريون اعتبروا البناء هدرا لمقومات الأمة، فالأموال التي توضع لبناء هذه الجريدة يمكنها أن تجلب السلاح لاسترجاع الأرض المغتصبة.

كان ذلك عام 1967 وقبل أربعة أشهر من النكسة.

حيث امتنع الوفد عن حضور الحفل التي إقامته السيدة "أم كلثوم" تكريما للمؤتمرين. وعندما علمت بغيابهم دعتهم إلى بيتها لكي تعرف السبب.

يعود الأستاذ "منصور" إلى تلك الأيام بكثير من الحنان والانكسار فو رغم اعتزازه بأنه قابل كوكب الشرق إلا أن الغصة الكبيرة فيما حصل بعد ذلك.

يقول: أخبرتنا السيدة "أم كلثوم" أنها تساهم في تنويم الشعب العربي عندما تغني الطرب وإسرائيل كانت تستغل هذه الحادثة.

والوقت ليس للغناء العاطفي هي للبناء وشحن وشحذ الهمم لاسترجاع الأرض.

وبعد ذلك قامت بجولتها المشهورة لجمع الأموال من اجل بناء الجيش المصري من جديد.

تفرغ الأستاذ "منصور" للكتابة والترجمة مع صديق عمره الراحل الكبير "أبو محمد عيسى عصفور" الذي يعتبره أخوه وتوأم روحه. ولديه 14 كتابا بين الرواية والشعر والمقالة والبحث ومن أهمها "هيجان للورى" و"وصية غيفارا" و"المجابهة الفرنسية السورية" للكاتبة "لانكا بوكوفا" و"الوجيز في تاريخ العدوان الأمريكي"...

تزوج من السيدة "لطيفة مهند الجرمقاني" بعد 14 عاما من الخطبة وأنجب "كمي" و"يمن" منها وقال: إن الانقلابات العسكرية في فترة الخمسينيات هي السبب لعدم إنجابه المزيد من الأولاد.

ينصح الأستاذ "منصور" الصحفيين بالقول: إنكم أصحاب رسالة وليس موظفين، وانتم العين الثالثة لأي نظام في الكون، تقولون الصدق وتعملون للحق، وأنت من يدفع الثمن..

ولدى سؤالنا الأستاذ "منصور" عمن اثر به في حياته قال: لم يؤثر احد بي إلى الآن غير الشهداء.

وهو يضع في صدر بيته عبارة "لسقراط" يقول فيها وبثلاث لغات هي العربية واليونانية والفرنسية:

/أحب أفلاطون، ولكن الحقيقة أغلى عندي، وأحب إلي من أفلاطون/.