لم يكن لقاء موقع eSuweda (السبت 7/6/2008) مع المجاهد الثائر "جاد الله عز الدين" عادياً، فالاطلاع على تفاصيل اثنين وتسعين عاما من الكفاح، ليس بالأمر الهين، وعلى الرغم من التواضع الجم الذي يصبغ كل كلمة من كلماته، ما زال يحتفظ بأدق التفاصيل اليومية لحياته الطويلة، وقد روى لنا سيرة حياته بذاكرة قل نظيرها وبأرشيف موثق يندر أن تجد له مثيلاً.

ونحن اقتطفنا شذرات من حديثه الثر الذي لا تتسع له الصفحات، كيف لا وهو ما زال يحتفظ بكل الجرائد والمجلات التي رافقت تلك الفترة من الثلاثينيات إلى السبعينيات، وبمكتبة ضخمة تضم حوالي اثني عشر ألف كتاب؟

ولد الثائر والنائب في البرلمان الأول بعد الاستقلال "أبو رياض جاد الله عز الدين" عام 1916 في قرية "رضيمة اللواء" فيما يعرف بالمقرن الشمالي، تعلم الطفل جاد الله الابتدائية في القرية وبقي فيها إلى أن التحق مع والديه بالثوار في المنفى "بوادي السرحان" بعد أن افلت الثورة عام 1927 تلك الرحلة التي ما زالت تفاصيلها الدقيقة ماثلة أمامه منذ اليوم الأول للرحيل، حيث تجمع الثوار بالآلاف في مدينة الأزرق الأردنية على دفعتين الأولى ضمت "سلطان الأطرش" وثوار المقرن الجنوبي وبعدها بعشرة أشهر التحق ثوار "اللجاة" ومن ضمنهم عائلة جاد الله.

احتفال بالنصر

في "الأزرق" اتفق الفرنسيون والانكليز مع بعض الزعامات التقليدية في الجبل آنذاك على ثلاثة أمور، إما الرجوع إلى السويداء وتسليم السلاح، أو البقاء في الأردن، ويسلمون أسلحتهم إلى حكومة شرق الأردن، ويمنع عليهم تشكيل عصابات واستخدام الأراضي الأردنية ضد القوات الفرنسية، أو المغادرة إلى حيث يريدون.

عاد إلى الجبل أعداد كبيرة من الثوار فكل واحد له ظروفه الخاصة، وبقي في الأزرق حوالي 1200 من العائلات بين طفل وشاب ونساء ورجال.

اجتماع للثوار (1920)

في هذه الأثناء تدخل الأمير "عادل ارسلان" و"سلطان الأطرش"، و"محمد عز الدين" والمفتي المقدسي الحاج "أمين الحسيني" مع الأمير "شكيب ارسلان" للتوسط لدى الأمير "عبد العزيز بن السعود" الذي رحب باستقبال الثوار في السعودية.

حيث انتقلوا من الأزرق إلى "العمري" في وادي السرحان في منطقة تدعى "النبك" (اسمها الحالي القريات) حيث بقي الشاب الصغير هناك 5 سنوات كاملة يعاني مع أهله شظف العيش من جوع وعطش وحرمان وقهر قل نظيره في العالم، حيث قال: إن الجوع وصل إلى مراحل كان فيها يقتل كل من كان عمره بين يوم وخمس سنوات، وهو يتذكر جيدا كيف فقد أخته الصغيرة هناك.

عام 1932 عاد إلى السويداء مع الأطفال والشبان الصغار، لإكمال الدراسة حيث التحق أول الأمر باليسوعية التي رفضت استقباله بعد أن علمت انه ابن مجاهد ثائر ضد الاحتلال الفرنسي ومطلوب لديها، فالتحق بمدارس الجامعة الأميركية وتعلم فيها الإعدادية والثانوية، ودخل جامعتها وتخصص في الفلسفة وعاد إلى السويداء ليعلم في مدارسها حتى كانت بعثته إلى مصر، والتي ندبه إليها وزير التربية آنذاك الأمير "عادل ارسلان" حيث يذكر هذه المرحلة قائلا: كان هناك عدة حوادث في وادي السرحان جمعته مع الأمير "عادل" صديق العائلة المقرب في المنفى منها، عندما قام بإرسال أربع حبات بندورة إليه وهي الفاكهة التي تعد كنزا كبيرا في تلك الصحراء القاحلة.

كانت البعثة عام 1964 حيث تعلم الهندسة الزراعية طوال خمس سنوات، في عام 1950 انتخب نائبا في البرلمان عن محافظة السويداء وهو في مصر يدرس سنته الأخيرة، وكان معه "حسين الشوفي" و"سلمان معروف" و"هايل السرور" و"علي مصطفى الأطرش"، حيث ناضل فترة بقائه في البرلمان لمنح الفلاحين حقوقهم في الأرض، ويقول انه ناضل مع سلطان باشا الأطرش طوال سبع سنوات لتمليك الفلاحين من الأرض. وهو يتذكر كيف ادخل التفاح والزيتون إلى ظهر الجبل بعد محاربات ودعاوى وعداوات كثيرة حتى حقق حلم الفقراء في امتلاك أرضهم.

ويتذكر "أبو رياض" فترة الوحدة مع مصر بكثير من الحسرة والحنين ويقول عن لقائه "بجمال عبد الناصر" أن الرجل حاول القيام بالكثير لكن كل الظروف كانت ضده، ابتداء بالمحل والقحط الذي حل بالمنطقة وما رافقها من تدخلات خارجية وداخلية أفشلت المحاولة اليتيمة ووأدتها.

بعد الانفصال الأليم كرس "جاد الله عز الدين" حياته للأرض والزراعة، وتفرغ كليا لها.