لم يكن ذلك الوجه ذو الهيئة التي تشي بالصرامة غير رجل يحمل قلب طفل صغير ويبكي لأقل الأسباب عندما يتعلق الأمر بأحد أبنائه الكثر..

نقول الكثر لأن ستة وثلاثين عاما قضاها وهو يحاول ان يربي ويعلم اجيالا وراء اجيال بلا كلل او ملل، وكان كل همه ان يرى واحدا منهم على الاقل في مرتبة عالية، كيف اذا كان اغلب الابناء اطباء ومهندسين وصحفيين لا يشق لهم غبار ومنهم من وصل الى العالمية.

انه الاستاذ ابو علي نايف الصحناوي الذي اعتزل التدريس منذ 10 سنوات ولكنه مازال يحن كل يوم لرائحة الحبر والطبشور ولصور تلك الوجوه التي تلقي التحية على العلم صباحا وتملأ الفضاء صخبا وحيوية.

في لقائه مع eSuweda يتذكر الاستاذ نايف كيف دخل المعهد بعد حصوله على شهادة الكفاءة عام 1954 حيث كان يعتقد ان التدريس اهم شيء في العالم وكان المعلم هو ذلك العالم الغامض الذي حاول حل رموزه اثناء الدراسة، لدرجة انه "كاد المعلم أن يكون رسولا" فتولد في نفسه حب هذه المهنة.

وبعد التخرج شاءت الظروف ان انتقل بين المحافظات وتعرف الى عوالم جديدة واناس لهم عادات مختلفة وكل تفاصيلهم تبهرني وتعلمني، وكانت درجة الاستاذ في ذلك الوقت هي كل شيء بالنسبة للناس فهو القاضي والمربي والوجيه وهو (حمال الأسية)، (ومشكى الضيم) للكثيرين.

سألنا الاستاذ نايف عن التدريس بين ذلك الزمن والزمن الحالي فقال: هناك فروق كبيرة فنحن كنا نمشي 24 كم ذهابا وايابا للوصول الى المدرسة والعودة منها وكنا نتكفل بالحطب ايام الشتاء والظروف المادية كانت قاسية على الجميع على الرغم من انني وحيد اهلي المدلل وكان (اللوكس) نعمة كبرى، فلا كهرباء ولا مياه مثل التي ننعم بها الآن، واتذكر تلك الايام اثناء الثلوج كيف كنا نمشي تلك المسافات للوصول الى المدرسة.

الآن اصبح العلم غاية وهدفا كبيرا والمناهج مكثفة وقاسية على الضعفاء وبالمقابل نشاهد ثورات العلم المتوالية من الكهرباء الى التلفاز الى الهاتف الى الانترنت والكمبيوتر الى غزو الفضاء وكل ذلك بفضل العلم.

وبماذا يعتز الاستاذ نايف؟ هو سؤال خلّف بسمة كبيرة لم تفارق محياه فقال: كلما ذهبت الى مكان استوقفني احد من الشبان وسلم علي بحرارة وانا لا اعرفه واكتشف من كلامه انه احد التلاميذ الذين علمت عليهم في وقت ما فأنت لا تستطيع ان تحفظ كل تلك الألوف من الاسماء والوجوه، وسعادتي تكبر كلما اكتشفت ان احد الاطباء السوريين يحقق شيئا في الخارج وينسب نجاحه الى سورية. احس بفخر كبير انني كنت من المدرسين الذين علموه.

والسعادة التي تغمرني عندما يتصل بي الكثيرين في يوم المعلم فالعيد بالنسبة لنا نحن المدرسين لا يحلو الا عندما تكتشف ان هناك اناسا مازالوا يكنون لك المحبة والاحترام ويقدرون ذلك التعب المتواضع الذي قدمته.

وعن احلامه التي لم تتحقق قال: كنا شبابا عندما استدعانا الوطن للدفاع عنه وقد التحقت بالفدائيين الذاهبين الى فلسطين ولكن توسلات اهلي للقيادة لكوني كنت وحيدا حالت دون ان احقق حلم الدفاع عن الوطن واساهم ولو بشيء صغير له ولي كل الامل في ان ارى الجولان يرجع الى الوطن بأسرع وقت والفضل في الشباب القادم.

يذكر ان الاستاذ نايف الصحناوي متزوج من السيدة ام علي وله تسعة ابناء ذكور وثلاث بنات وهو متفرغ الآن للارض وفي اوقات الفراغ يلجأ الى المطالعة واكثر ما يستهويه قراءة التاريخ والفلسفة.