لم يكن الطفل سلمان يحلم بأكثر من ان يتعلم، فعالمه الحقيقي مملوء بالعمل الشاق والمضني، ووالده المحب للارض المجاهد ضد المحتلين لا يمكن له ان يفكر

بأكثر من التشبث بالوطن مهما كانت التضحيات وهكذا عاش بين نقيضين حب الوالد والارض واحلامه في التعلم والمعرفة.

ولد استاذ اللغة العربية المعروف سلمان رزق عام 1942 في قرية خازمة التابعة لبلدة ملح حيث كانت صغيرة جدا ويطلقون عليها المزرعة.

ففي عام 1925 اثناء الثورة السورية الكبرى هدم الاحتلال الفرنسي بيوت اهله واقاربه في ملح ما اضطرهم الى الانتقال الى تلك المزرعة، التي لا يوجد فيها اي مدرسة او اي مرفق حيوي في تلك الاثناء، وكان الاهل يعتمدون على ما كان يعرف (بالكتّاب).

وفي الصف الخامس انتقل الى بلدة ملح وهو يتذكر باعتزاز المعلم بهيج البسيط الذي وقف معه نظرا لأن عمر ذلك الطفل قد تجاوز دخول المدارس.

ومما يتذكره الاستاذ سلمان والده الزعيم التقليدي المعروف الذي له متطلبات كثيرة من ابنه الكبير بالارض والمضافة وضيوفها الكثر وبعلاقاته الشخصية ما اوقعه بين تيارين، تيار الرؤية الى المستقبل والحصول على العلم والمعرفة وتيار العادات والتقاليد التي ترضيه احيانا وتكبته احيانا اخرى.

باءت محاولته بالسفر الى فنزويلا بالفشل بعد ان مرض مرضا شديدا فقرر الذهاب الى الخدمة الالزامية ومتابعة التعليم حيث حصل على الاعدادية والثانوية، ودخل الى الجامعة حلمه الذي تحقق اخيرا بدراسة اللغة العربية.

كانت الظروف تعانده في كل الاتجاهات ولم يستطع العمل في المهنة التي يحب، فقرر الرحيل الى دول الخليج العربي متنقلا بين بلدانها بحثا عن فرصة عمل تناسب مقوماته العملية.

هناك شاءت الصدف ان يتعرف على شخص نصحه بالذهاب الى ليبيا بعد ان عانده الحظ وقلة الحيلة.

وفي جلسة تعارف مع الليبيين قارن الاستاذ سلمان الحياة في البلدين. من تاريخ وجغرافيا وحتى العادات والتقاليد وختمها ان عمر المختار له في سورية اخوة أجلاء مثل سلطان باشا الاطرش وابراهيم هنانو وصالح العلي وغيرهم من الثوار الذين طردوا المستعمر الفاشي.

وبعد هذه الجلسة عرض عليه وظيفة في معهد البحوث الاسلامية التابع لجامعة قار يونس في بنغازي. وهو الذي يستقطب طلابا اسلاميين من جميع انحاء العالم. وهي الفرصة التي أتاحت له أن يبرز ما لديه من افكار ودراسات شتى في الاسلام والعروبة، وهي فرصة ايضا حتى يطور امكاناته العلمية والمعرفية من خلال المكتبة التي كانت أنيسه في القرية.

يعتبر الاستاذ سلمان رزق العائد الى سورية بطاقة جديدة وكأنه العاشق الذي حرم الحب زمنا طويلا أن التدريس مهمة وطنية بنائية ومن المهم التعاون مع ذوي التلاميذ لاعادة صياغة المفاهيم التعليمية الصحيحة ليعود التعليم فعلا اعلى والمعلم يبقى القدوة الحسنة والابقاء على الرؤية الوطنية للوطن ولرموز الوطن.

درس الاستاذ سلمان في قرية الجنينة وشقا ومدينة شهبا وفي مدارس السويداء وحاز اعوام 86 -87 تقديراً من مديرية التربية باعتباره المدرس الاول في مادة اللغة العربية وهو يتذكر بفخر ان الاستاذ المرحوم صياح الجهيم مثله الاعلى في الحياة كان المفتش على مدرسي اللغة العربية.

يعتبر الاستاذ سلمان ان موضوع التعبير يأتي بالمقام الاول لانه يحافظ على لغتنا وينميها ويدفع بالاطفال الصغار للاهتمام بالثقافة ونعودهم على الشعر والرواية ويمكن ان نخلق منهم روائيين او شعراء عظام فلغتنا اجمل لغات الارض وهي الرابط الذي يجمعنا مهما انقطعت بنا السبل.

وعن احلامه بعد التقاعد قال انه سيحاول ان يعود الى الارض للاهتمام بها وزراعتها فهو فلاح قبل ان يكون مدرساً.