لا تخرج تجربتها الفنية الطويلة عن نطاق الهواية، على الرغم من اشتراكها في معارض دولية واحتفاء النقاد بأعمالها، فهي لا ترسم أو تنحت لغير ذاتها، وحالة القلق التي تفرغها بألوانها وأناملها التي حفرت في الطين تفاصيل وجوه قريبة منا وتشبهنا قبل عرضها هي مساحة للحرية واللعب.

يختلف الحديث مع "لينا رضا" المقيمة في "كندا"، فتلك الفنانة المملوءة بالحنين؛ تقول لمدونة "eSyria" بتاريخ 30 أيلول 2020 عن علاقتها مع الفن: «عندما تقوم بعمل فني عليك ألا تفكر برأي الآخرين، لأن هذا يخرب عليك مساحتك الداخلية، أما بعد نشر العمل فالمشجعون هم الذين يشكلون دافعاً للاستمرار.

أنا هاوية، أجرب اللعب بالألوان لأجعلها تشبه إحساسي وأفكاري. وبالنسبة لي الرسم طائرة ورق ملونة سأعدو خلفها إلى ما لا نهاية

بدأت مع الطين عندما كنت في مركز الفنون التشكيلية في "السويداء" بعمر الثالثة عشرة، وعدت للعمل بالطين منذ خمس سنوات، فالطين يشكل علاقة روحية مع المرء وكأنه استمرار لما في داخلنا، ولأن الألم والخوف والضعف والقلق هم ما نحاول أن نحبسه في داخلنا ويعريه الطين، ولكنني ما زلت أجرب، ولا أعرف إلى أين ستأخذني التجربة.

هكذا رسمت وجهها

كان والدي بنّاء يعمل في بناء الحجر، وربما هذا ما خلق هذه العلاقة مع النحت، وكنت مسحورة بطريقته في نحت الحجارة فكأنه يفكك عنها القيود بإزميله ليعيد خلقها من جديد، والشيء الآخر الذي لا بد من ذكره هو أن عائلتي كلها مهتمة بالفنون من موسيقا ورسم، وشغوفة بالقراءة، وهي بالنسبة لي مساحة للحرية وليس للاحتراف».

تهتم بتفاصيل الوجوه في لوحاتها ومنحوتاتها، فيظهر التعب والوجع، ومسحة من الأمل، تلك الأيدي والأرجل الحالمة، حيث تقول عن ذلك: «أعتقد أن كل منا يحاول أن يعبّر بطريقته عن الألم الإنساني، وأنا أجرب من خلال الرسم والنحت. لليدين لغة تعبيرية خاصة؛ فنحن نتمسك في الأرض بها، ونلوح للوداع بها، وتكون آخر ما يظهر منا إن غرقنا محاولين النجاة، أليس هذا ما فعله أولئك الذين خسرناهم في مياه البحث عن حياة جديدة بعيداً عن الحرب؟ ألم تبقى أيديهم التي تطلب النجاة عالقة على جدران أرواحنا وذكرياتنا؟ كذلك المؤمنون يبسطون أيديهم للدعاء، ونفسها الأيدي تخرج مولوداً للحياة، وتودع آخر تحت التراب. إنها ببساطة ذاكرتنا».

الأيادي

تؤمن بالهدم في المدارس الفنية، ولا تتقيد بالمدارس التقليدية المتبعة، وأضافت: «أغلب أعمالي بين التعبيرية والتجريدية والمدرسة الوحشية، وأؤمن بأن المدارس الفنية كل منها انعكاس لمرحلتها التاريخية والثقافية، وتستمد أهميتها من تلك المرحلة، وأظن أن التفكيك وإعادة البناء بطريقة مختلفة أقرب إلى قناعاتي».

وعن تعرّف المتلقي على أعمالها قبل الهجرة وبعدها؛ ورأيها في مسألة اقتناء العمل الفني؛ قالت: «كان الدور الأكبر لوسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الفنية والمجلات المتخصصة التي من خلالها شاركت ببعض الفعاليات والمعارض في عدد من دول العالم كما في "تونس" عام 2016، وبمعرضين في "فرنسا" الأول عام 2016، والثاني عام 2017، وأعرض أعمالي من خلال صفحتي ومشاركة الأصدقاء الكثر.

تفاصيل .. نحت بالطين

العمل الفني يبقى ملكك لأنه جزء منك، والأجمل أن تتشاركه مع آخر أحبه وأراد أن يقتنيه، ثم إنّ الكثير من الفنانين متفرغون للرسم أو النحت، ومن الطبيعي أن اقتناء أعمالهم يساعدهم على تكاليف حياتهم، وهو أمر طبيعي، أعتقد أن هؤلاء المبدعين ليس لديهم فرصاً جيدة دائماً، وهذا في كل العالم وليس في مكان معين».

أما عما أعطته لها الغربة، وما أخذته منها، فتقول: «كيفما كانت الغربة فهي صعبة، وإن كان البعض يعيش هذا الاغتراب حتى داخل بلده أحياناً، وهذا قاس بكل تأكيد. أما فنياً فمؤكد أن التعرف على أماكن وشعوب وثقافات أخرى يوسع المعرفة ويغني التجربة الفنية.

والدي كان يقول: أهم شيء في الحياة هو أن تتبع شغفك، وكان يحب الموسيقا والنحت، ولم يعلق صورة جدي كما هي؛ بل طلب من فنان تشكيلي أن يرسمها، وها أنا أرسم خطواتي التي تقودني إلى أماكن جميلة رغم البعد».

تقول "لينا رضا": «أنا هاوية، أجرب اللعب بالألوان لأجعلها تشبه إحساسي وأفكاري. وبالنسبة لي الرسم طائرة ورق ملونة سأعدو خلفها إلى ما لا نهاية».

يقول عنها الناقد الفني المصري "حمدي عبد العزيز": «أعمالها المحتشدة بالإصرار على الحياة والحب رغم حالات التدمير الذاتي التي تمارسها الإنسانية ضد جوهرها، والحزن الذي يناصف الأمل تارة يبعده إلى العمق، وتارة يتقدم الأمل ليظهر الحزن في العمق كدلالة على أن الحياة هي الأولى دائماً بانتصاراتنا الإنسانية.

ريشتها تحمل بصيرة فائقة الحساسية بالأوجاع الإنسانية التي تظهر على وجوه لوحاتها من خلال الأعين الدامعة من حيث العمق، والأعين المنكسرة انكساراً يأخذ الوجه معه إلي حيث اشتعال الهزائم الوجدانية.

منحوتاتها حية وذات حساسية وحضور روحي بليغ يخرجها من عالم المنحوتات ويضعها في عالم الكائنات الحية ذات الفصاحة الجسيمة، لها مزيجها اللوني الخاص الذي يأخذ الروح إلى أحراش من الجمال والتبصر الوجداني، حيث الذات بأوجاعها وأناتها وأمانيها وأشواقها إلى التحرر والتحقق والتحليق في عالم أرحب للروح، وحيث يحضر الوطن السوري المتمزق الموجوع، وتحضر الروح الإنسانية بشواغلها وأصفادها الداخلية وحنينها الفادح للانعتاق بالجسد من عالم إنساني مختنق بأسباب التدمير الذاتي إلي عالم إنساني حقيقي يقبع في أعماق الوجوه كأشواق متحفزة للإمساك بالضوء».

النحات السوري "ثائر حذيفة" قال عنها: «تتجاوز "لينا" قيود النحت، وتقفز فوق أكاديمياتنا لتنحت كطفل صغير مفعم بقصص وأحلام الحياة. فبعد أن تتكلم العينان؛ هل يهم قوافي الشعر وبحورها».

يذكر أنّ الفنانة "لينا رضا" من مواليد "السويداء" عام 1966، مقيمة في "كندا".