درستْ الصيدلةَ ومارست المهنة الطبية تحقيقاً لرغبة والدتها، أُصيبت بالسرطان وشُفيت منه بعد رحلة اكتسبت منها الكثير من التجارب، وحلمت في طفولتها بالطيران فحققته في ولاية "فيكتوريا" الأسترالية بعد أن كتبت روايةً عن رحلتها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 17 نيسان 2020 تواصلت مع الدكتورة الصيدلانية "لوجين سعدو حرب" التي بينت قائلة: «النجاح ليس بالعلم وحده أو بتحقيق الهدف سواء بالشهادات أو المال أو المنصب، النجاح الأكبر هو تحويل المحنة إلى منحة، والبلاء الجسدي إلى نعمة روحية تذكرنا بالنعم التي نعيش، فقد ولدت في "السويداء"، وبعد أن درست بتفوق المراحل الإلزامية وصولاً للثانوية دخلت كلية الصيدلة عام 2003 وتخرجت منها عام 2008، تلبيةً لرغبة من الوالدة الراحلة، المحبة للعلم، فقد توفيت والدتها ولم تتجاوز الأحد عشر ربيعاً، وتزوجت مبكرة بعد نيلها الابتدائية، لكن بعد زواجها حصلت على الشهادتين الإعدادية والثانوية وانتسبت إلى كلية الحقوق وتخرجت بسنوات أربع، لتعمل بالمحاماة لعقدين من العطاء والنجاح، ورغم رغبتي تعلم الطيران منذ طفولتي آثرت الصيدلة تنفيذاً لرغبتها، واستطعت النجاح والتخرج خلال خمس سنوات، لكن بقي شغفي بالطيران كوني محبة للمغامرة بشكل كبير، حيث كانت دراستي الجامعية بكلية الصيدلة بجامعة "حلب"، وفُتحت الآفاق أمامي للعمل مع الدراسة، في السنة الثانية انتقلت إلى جامعة "دمشق" وعملت مندوبة لشركات دوائية متعددة من "حلب" إلى "السويداء"، وعملي ودراستي يسيران بخطين متوازيين، تدربت لعامين على يد الدكتورة "آمال الجرماني"، وفي نهاية السنة الرابعة تزوجت من الدكتور "هشام سعيد حرب"».

منذ مطلع العام 2019 وضعت أمامي تحقيق حلمي بالطيران، وبدأت بدعم من زوجي وما زلت مستمرة بالتدريب الممتع والشيّق، ولا أعتقد أنني سأتخذ الطيران مهنة إنما ستبقى كهواية عشقتها روحي قبل أن تُتقنها يدي، وأن ما حققت من طموح لقيادة الطائرة بمفردي وبعد خمسين ساعة طيران بإمكاني قيادة طائرة خاصة

وتضيف: «بعد خطبتي بشهرين اكتشفتُ أن والدتي مصابة بمرض سرطان الرئة من الدرجة الرابعة وهي لم تبلغ عقدها الخامس، كانت أمنيتها أن تكحل عينيها برؤيتي مكللة بتاج العروس، وحققت لها هذه الأمنية وأفرحتُ قلبها برؤيتي بالفستان الأبيض، وبعدها بأشهر قليلة وافتها المنية.

أثناء التدريب على الطيران

بعد ثلاثة أيام من زواجي سافرنا إلى دولة "الكويت" ومكثت فيها عامين، وبعدها إلى "السعودية"، وقمت بتعديل شهادتي، وبعد أربعين يوماً عدتُ إلى "سورية" أواخر 2010، وعملت في شركة أدوية كمندوبة علمية، وأدرت صيدلية الدكتورة الراحلة "ناديا الأطرش" كإدارة فنية لمدة سنتين».

وتابعت الحديث عن رحلتها بمعالجة السرطان بالقول: «اتخذنا قرار السفر، وكانت وُجهتنا "البحرين" لمدة ثلاث سنوات حيث عملتُ بمستشفى "البحرين التخصصي"، وقمتُ بتعديل شهادتي التخصصية اللازمة للعمل، وفي عام 2015 بدأنا البحث لتأمين فرصة عمل في "أستراليا" بعد اجتياز المرحلة الأولى من تعديل التحصيل العلمي الخاص بزوجي كطبيب أخصائي غدد صم وسكري وكصيدلانية، وكان التوفيق بالحصول على فرصة عمل لزوجي بمقاطعة "فيكتوريا".

الدكتورة لوجين حرب

بعد عامين من بداية رحلتنا المشوّقة المعطاءة وبعد أن تجاوزت الثلاثين من العمر كشفتُ إصابتي بمرض سرطان الثدي، فأنا أم لثلاثة أطفال في ذلك الوقت، وزوجة لطبيب يبدأ دوامه من السابعة والنصف صباحاً حتى الخامسة مساءً، ومغتربة بمفردها دون وجود أخت أو أخ، وخلال سنة ونصف السنة خضعت لخمس عمليات جراحية وعلاج كيميائي ومناعي وشعاعي، واعتبرت المرض منحة لكي نعي ونشعر بقيمة النعم التي نعيشها دون أن نُقدرها بالشكل الصحيح واللائق، وعلى الرغم من كثرة المسؤوليات المُلقاة على عاتقي في المُغترب إلا أن الضحكة والفرحة بقيتا مرسومتين على وجهي ولم تنخفض عزيمة الأمل بروحي لحظةً واحدةً، فكنت أتلقى فيها العلاج الكيميائي، والتي أصريتُ على ألا يصحَبني لتلقي جرعاتي أياً من محيطي سواء زوجي أو إحدى الصديقات، وهدفي من ذلك أن أعيش اللحظة بصفاء وأقدّر كل إحساس يمر بكل ما يدور سواء بمكنوني الداخلي أو الكون المحيط بي بمركز علاج السرطان، وبينما كنت أخضع للعلاج استطعت التواصل مع العديد من المرضى الذين جمعني بهم القدر لكي أزرع الضحكة والبسمة والأمل والمحبة بروح العديد منهم، خلال فترة خضوعي للعلاج.

بدأت بالخطوة الثانية لتعديل شهادتي بالصيدلة واجتزت امتحان اللغة الخاص بالحصول على الإقامة الدائمة، وكنت أذهب لتلقي جرعة العلاج الكيميائي التي تستغرق ست ساعات تسريب وريدي، ومن ثم أعود إلى بيتي لإعداد الطعام لأولادي بمحبة من يدي والرضا والتسليم من روحي، ولم أتناول مع الجرعات أي دواء مسكن، وكنت دائما أستند لصوت جسدي الداخلي، وحاولت أن أسمع النغمة الخاصة التي يطلقها، يقيناً أن المرض فيه ما يخلق الوعي لدى صاحبه، وكوني متطرفة بحب أمي أحببت السرطان لأنه منها وعشت معه ولم يرعبني لحظة، ومن بداية رحلتي الممتعة الشيّقة معه دونت ما شعرت وأحسست على الورق ووثقت الأحداث التي تدور سواء بين "لوجين" الحاضرة و"لوجين" الغائبة، أو "لوجين" والمحيط الخارجي بأكمله، وبالنهاية اكتشفت أنني أمام فكرة رواية صغيرة أسميتها "معانقة الأقدار"، وملخصها ما قاله "جلال الدين الرومي": (إن الله يختار لأصعب معاركه أبسل جنوده فابدعْ في معركتك)».

في تكريمها

وعن تحقيق رغبة الطيران أوضحت بالقول: «منذ مطلع العام 2019 وضعت أمامي تحقيق حلمي بالطيران، وبدأت بدعم من زوجي وما زلت مستمرة بالتدريب الممتع والشيّق، ولا أعتقد أنني سأتخذ الطيران مهنة إنما ستبقى كهواية عشقتها روحي قبل أن تُتقنها يدي، وأن ما حققت من طموح لقيادة الطائرة بمفردي وبعد خمسين ساعة طيران بإمكاني قيادة طائرة خاصة».

وتضيف: «من أبرز المناسبات الرائعة حفلة حضرها مئة شخص من سكان المنطقة الأستراليين، كانت أمسية موسيقية خيريّة عاد رَيعُها لجمعية "مرضى السكري"، قدم فيها زوجي لوحات متعددة من الموسيقا الشرقية بالعزف على آلاتي العود والكمان، وقمتُ بتحضير العديد من الأطباق والمُقبلات السورية لتعريف المنطقة بحضارتنا العريقة».

وبيّن الكاتب "عبد الله قطيني" بالقول: «عرفت الدكتورة "لوجين حرب" بأنها تلك الصيدلانية الماهرة التي عملت على تطوير اختصاصها في بلاد الاغتراب، وعدلت شهادتها لمرات في الدول التي استقرت بها، ولكن كان إصرارها وإرادتها أقوى مما يتصور المرء حينما كافحت مرض السرطان وزرعت في نفوس المرضى أملاً متجدداً، ولعل المفاجأة حينما حققت حلمها الطفولي بالطيران وهي على مقربة من عقدها الرابع، الأمر الذي دفع الجالية العربية والأستراليين للاحتفال بها وبمنجزها كسورية، وهي التي حملت الصيدلة علماً والأدب والطيران هوايةً».

يذكر أن د. "لوجين حرب" من مواليد "السويداء" عام 1985، مقيمة في "أستراليا".