يخلق النّحات "أدهم مقلد" عوالمَه الحيّة من الماضي البعيد، ويطعّمها بمنحوتاتٍ معاصرةٍ تخاطب العقل والروح وتغني ذائقة المتلقي من خلال خاماتٍ قاسيةٍ يعجنها كما يشتهي، ليتوّج غربته الطويلة بأعمال بصمت في أيّ مكان تحطُّ فيه.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 13 آذار 2020 مع الفنان "أدهم مقلد" المقيم في "لبنان" ليتحدث عن دخوله للوسط الفني، فقال: «كانت البدايات في المعارض المدرسية من خلال منحوتات متواضعة على خامات لينة، انتسبت في العام 2004 لمعهد رسم خاص في "دمشق"، لكن لم أتابع به، كان شغفي للنحت لا يوصف ورحت أمارس هوايتي على الخشب والجبس، ولظروف الحياة الصعبة سافرت إلى دولة "الكويت"، لكن شيئاً كان بداخلي يدفعني للفرار نحو تلك العوالم الفنية المتجسدة في العقل، حيث عدت للفن في العام 2010، وانتقلت إلى "لبنان"، وبدأت مسيرتي الفنية بشكل فعلي هناك، وما زالت مستمرة حتى الآن، وشاركت بأكثر من 25 مهرجاناً محلياً، وثلاثة مهرجانات دولية».

ليس هناك عمل ناجح 100%، هناك عمل أصاب الفكرة وحصل على نسبة كبيرة من التعبير والتكوين، نحن على الطريق وهذه الرحلة الشاقة في البحث عن الجمال ما زالت مستمرة، وأنصح النحاتين الهواة بعدم اليأس والمثابرة، فالخبرة تأتي من الاستمرار، لا يكفي أن ندرس فقط لنصبح فنانين، فالصقل المستمر يعطي نتائج أفضل

ينحت بواقعية، وخصص جزءاً كبيراً من أعماله لشخصيات تاريخية لها وزنها لدى كل المتلقين، ويقول عن ذلك: «الواقعية هي امتداد للتعبير الإنساني في التشكيل، ولا نستطيع أن نشكل شيئاً ذا معنى دون الاعتماد على البنية الواقعية، الشخصيات التاريخية هي الشيء المجسم الملموس الذي يربطنا بالماضي، وأعتقد أن في عالم النحت الكلاسيكي لا نستطيع قطع هذه العلاقة بين الماضي والحاضر، فكل شخصية تاريخية نحتت بعناية في دلالاتها لمكنونات هذا الشخص ومكانته في زمانه، هناك أعمال كثيرة يطلبها المتذوقون للنحت كي يزينوا بها بيوتهم، وهناك أعمال خاصة أحتفظ بها لأنّ لها مكانةً خاصةً في نفسي، ولكن لدي أعمال أخرى من مدارس مختلفة كالسريالية والتعبيرية، وبشكل عام أصبح الفن المعاصر يطغى على الساحة الفنية واهتمامات الناس».

إبداع في التفاصيل

يشكّل حجر البازلت عشقه الأول ولكن علاقته ثابتة مع الرخام، ويضيف عن هذه العلاقة: «جربت أغلب الخامات، ولكل خامة جمالية معينة ترتبط بالبيئة كالبازلت الذي نشأ بداخلنا قبل تشكيلنا، فهو هوية سكان "السويداء" منذ أن خلقوا فيها، أما حكايتي مع الرخام فترجع لبدايات استقراري في "لبنان" وتعرفي على هذا الحجر، وقد اكتشفت أسراره أكثر من البازلت لأني أستعمله بكثرة، ومع الزمن طورت أدوات خاصة في النحت لاختصار الوقت وتحقيق نتائج أفضل وأسرع في إنجاز عمل تجاري، فقد أصبح البحث عن سبل العيش هو ما يطغى على تفكير المجتمع، ولأجل ذلك أتجه أحياناً للأعمال الزخرفية، والنصب التذكارية التي تلقى رواجاً في السوق المحلية.

وتبقى أدوات النحت بكل أنواعها مساعدة لتليين الخامة وإخراج هذا الجنين، فالنحت هو فكر الفنان بالدرجة الأولى نتيجة الدراسة والتجارب والخبرات المتراكمة».

العودة إلى التراث

وعن تأثير النحاتين القدماء على عمله، قال: «في البدايات تأثرت ببيئتي التي نشأت بها، بالمباني البازلتية والآثار القديمة والعبقرية في تليين أقسى الخامات، لكن مع اتجاهي لبلد آخر بعيد عن البازلت انصبّ اهتمامي على الحضارة الإغريقية والمنحوتات الرخامية، لم أتأثر بنحات معين لكن يعجبني أسلوب النحات "فؤاد أبو عساف" في تكوينه للفكرة وإخراجها بهذا الشكل المبهج والممتع، أحاول في أعمالي الخروج من الطابع الكلاسيكي والتعبيري وأهتم أكثر بالسريالية».

وتابع عن مشاركاته المحلية والخارجية: «مهرجانات وملتقيات كثيرة شاركت بها في "لبنان" وخارجه طوال الخمس سنوات الماضية، ومنها المهرجان الدولي لرسم الطبيعة 2018 - 2019، ومهرجان "إبداعات" الدولي 2018، وقد كرمت في الجامعة الأمريكية في "بيروت" 2018، وفي ملتقى كلية العلوم بالجامعة اللبنانية في العام ذاته، وشاركت بعدة معارض خارجية عن بعد، وكرمت من منظمة "أجنحة السلام والديمقراطية" في "كندا" 2019، كما كرمت من الجيش اللبناني، وتلفزيون "لبنان" للمشاركة في فعاليات فنية متعددة خلال العام 2018».

من أعماله

ويختم قائلاً: «ليس هناك عمل ناجح 100%، هناك عمل أصاب الفكرة وحصل على نسبة كبيرة من التعبير والتكوين، نحن على الطريق وهذه الرحلة الشاقة في البحث عن الجمال ما زالت مستمرة، وأنصح النحاتين الهواة بعدم اليأس والمثابرة، فالخبرة تأتي من الاستمرار، لا يكفي أن ندرس فقط لنصبح فنانين، فالصقل المستمر يعطي نتائج أفضل».

"خالد فليحان" فنان ونحات سوري قال: «لقد أثبت "أدهم مقلد" نفسه كفنان شامل بكل المقاييس، فبالإضافة للوحاته الفنية الرائعة التي تجسد في معظمها جمال الطبيعة وأحاسيس البشر، استطاع أن يثبت أنه نحات محترف بامتياز من خلال أعماله الإبداعية على الرخام والمرمر والبازلت، وهو أصعب مراحل النحت لما تتميز به هذه الحجارة من صلابة تجعل التعامل معها دقيقاً ومرهقاً، لقد تحدى "مقلد" نفسه بتماثيل صغيرة الحجم وكاملة المعنى، وأثبت حضوره في الوسط الفني، وبات له وزنه في عالم النحت والإبداع.

تجد في أعماله الحوار والجدل وأفكار الحياة، وتشعر مع أعماله أنك أمام بحث يشمل المجتمع بخصوصياته وتراثه وهويته، ويصنع من خلال هذه الرؤية العميقة جسور محبة ومتعة مع المتلقي لا تؤثر فيه ولا في مسيرته الفكرية والفنية فحسب بل تزيدها عمقاً».

يذكر أنّ الفنان "أدهم مقلد" من مواليد قرية "رامي" في ريف "السويداء" الشرقي العام 1980.