قادَهُ ولعُه في دراسة التأليف الموسيقيّ إلى "إسبانيا"، "هولندا"، و"بريطانيا"، هدفه الموسيقا الكلاسيكية والمعاصرة والجاز، هو المؤلف الموسيقي "عاصم مكارم" قائد أوركسترا لعديد من الحفلات مع فرق مختلفة عربية وعالمية، وعضو الجمعية العالمية لمؤلفي وناشري الموسيقا "SACM" في "باريس".

أصدر ألبومه الموسيقي الأول "colors" عام 2014 نشرته شركة "iTunes" العالمية، بعد تأليف العديد من الأعمال للتشكيل السيمفوني بهدف تقديم تأليف سوري معاصر رفيع المستوى، يوازي بجودته الموسيقا العالمية دون المساس بخصوصية البيئة المحلية، لتطوير والمساهمة في ارتقاء الموسيقا العربية التي تعني له الكثير كمؤلّف سوريّ عالميّ.

أرى بأن التأليف الموسيقي هو انعكاس مباشر لحياة المؤلف الفكرية والوجدانية، لا أتقصد خلق عوالم خاصة ولكن من الأشياء التي تثري عالمي الداخلي هي القراءة بمعظم المجالات إضافة لشغفي في تحليل كل شيء من حولي، أعمل الآن على مشروع موسيقي جديد وبعد أن يكتمل سيكون هناك بالطبع لقاءات مع الجمهور السوري والذي أرغب بأن يمتد ليشمل أكثر من محافظة ولا يقتصر على العاصمة "دمشق" فقط

لنتعرف أكثر على تجربة موسيقية غنية حاورنا المؤلف "عاصم مكارم" الذي تحدث من خلال مدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 17 تشرين الثاني 2019 عن بداية علاقته مع الموسيقا وأيّ بيئة أخذته لهذا العشق وقال: «كان "الأوكرديون" المدخل لعالم الموسيقا في فترة مبكّرة من طفولتي، في البداية كان مجرد لعبة تعلقت بها في عمر الست سنوات، ومن ثم بدأت لوحدي محاولة عزف بعض الألحان الشائعة كالأغاني وغيرها في ذلك الوقت، ولم أتلق أيّ دروس في الموسيقا إلا بعد مرور سنتين كنت خلالها قد أتقنت عزف جمل موسيقية معقدة نوعاً ما اعتماداً على السمع فقط، ونظراً لعدم وجود أساتذة مختصين بالآلة انتقلت إلى آلة "البيانو" حيث بدأت أولى محاولاتي بالتأليف في سن العاشرة وذلك من خلال كتابة عدة مقطوعات لهذه الآلة.

المؤلف عاصم مكارم

لم تكن الظروف الاجتماعية مؤاتية في تلك الفترة لتعلم الموسيقا، وقليلة هي العائلات التي تناولت الفنون بجدية، ما دفعني للبحث والتجربة الفردية، أنا الآن أدرك أهمية تلك المرحلة لأنني ومن باب الصدفة طوّرت نفسي بمواد مهمة جداً كتدريب الأذن، وأيضاً كان (الأوكرديون) يحتوي على (أرباع الصوت) ما مكنني من عزف الموسيقا الشرقية، وتذوقها بالإضافة للموسيقا الغربية في وقت مبكر».

عن مشروعه الموسيقي والهدف السامي الذي عمل لأجله يضيف: «أرى بأنّ وظيفة الفنون بكل صنوفها هي مزج الأدوات الفنية والفكرية معاً لتتجه نحو هدف وجداني ومعرفي وجمالي واضح، ووظيفة الفنان هي إعادة تشكيل الوعي الإنساني وتسليط الضوء على النفس البشرية من زاويته الخاصة التي يشاركها مع الجمهور من خلال أعماله.

أداء مميز مع الفرق العالمية

التشكيل السيمفوني أعطاني فسحةً أرحب للتعبير بسبب تنوّع ألوانه الصوتية ومفرداته الفنية ما مكنني من صياغة موسيقا تقدم معنىً وفكرةً ولا تقتصر على المتعة الحسية فقط، أرى بأنّ لدى الموسيقا السورية التقليدية فرصةً كبيرةً لصياغة هوية أوضح وفرصة لتصل إلى العالم بشكل أفضل، إذا ما تمّ تناولها بطريقة أكاديمية، بحيث يعاد تدويرها لتكون حاضرة أكثر ضمن المشهد الثقافي العالمي وتقديمها ضمن حامل فكري ومعرفي معاصر كي لا تكون فقط مجرد موسيقا تراثية تقدم بحالة مُتحَفيّة فقط».

المشاركات مع الفرق العالمية وطدت علاقته مع التأليف وقال عنها: «معظم هذه المشاركات كانت أثناء دراستي التأليف الموسيقي في "الأكاديمية الملكية البريطانية للفنون"، حيث شكلت مع مجموعة من الموسيقيين من مختلف الجنسيات فرقة "Oriental Mode" و التي قدمت من خلالها عدة أعمال من توزيعي إضافة لكوني عازفاً فيها وامتدت حفلاتنا لتشمل معظم المهرجانات الموسيقية في معظم الدول الأوروبية وأيضاً في تلك الفترة قدمت عدة أعمال لي كمؤلف مع عدة فرق وتشكيلات أوروبية منها أوركسترا "بيرن السويسرية" وفرقة "Hi jazz" الأمريكية إضافة للكورالات وفرق الحجرة المختلفة».

الأوبرالية منار خويص

ألبومه الأول قدّم نموذجاً راقياً من الموسيقا والموسيقا المعاصرة السورية أخبرنا عنه وقال: «استعملت تشكيلين أساسيين في هذه المجموعة، الأول أوركسترا كلاسيكية أضفت عليها بعض الآلات العربية والآلات الإلكترونية، والثاني توليفة خاصة تغيب فيها الكتلة الصوتية الكبيرة للأوركسترا على حساب حضور كل من آلات "البيانو والغيتار والكلارينيت والتشيلو" ومجموعة الآلات النحاسية، ووضعت التشكيلين في خدمة أنماط متنوعة.

تعاملت بحرّية مُطلقة مع كل الأنماط ليس فقط من منطلق موسيقي بل من قناعتي بأني وريث لكل النتاج الإنساني من ثقافة وفن دون التزمّت لنمط موسيقى معين، وأيضاً انطلاقاً من قناعتي بأن الفنون هي الشيء الوحيد المتبقي الذي لا يختص بمجتمع بعينه بل هو نتاج إنساني عام، لذلك لم أبذل أي جهد لأتقمص أي نمط لأني ببساطة أعدّه جزءاً من الموروث الخاص بي ومن هنا أتى اسم الألبوم "ألوان"، استهلك ثلاث سنوات من العمل وهي فترة معقدة وصعبة في تاريخ "سورية" وكان العمل في الألبوم هو الملاذ الإنساني الوحيد المتبقي في ظل الحرب الدائرة في البلاد حينها».

من وجهة نظره يمكن للموسيقي أن يخلق عالمه الخلّاق والمبدع، وسيكون له لقاءات قادمة مع جمهوره في "سورية" وقال: «أرى بأن التأليف الموسيقي هو انعكاس مباشر لحياة المؤلف الفكرية والوجدانية، لا أتقصد خلق عوالم خاصة ولكن من الأشياء التي تثري عالمي الداخلي هي القراءة بمعظم المجالات إضافة لشغفي في تحليل كل شيء من حولي، أعمل الآن على مشروع موسيقي جديد وبعد أن يكتمل سيكون هناك بالطبع لقاءات مع الجمهور السوري والذي أرغب بأن يمتد ليشمل أكثر من محافظة ولا يقتصر على العاصمة "دمشق" فقط».

الأمل ميزة مؤلفاته وفق الأوبرالية "منار خويص" التي قالت: «تجعلنا مؤلفات المؤلف الموسيقي العالمي "عاصم مكارم" نشعر بالأمل في زمن لم يتبقَ فيه سوى فسحة ضيقة للمؤلفات الموسيقية الجادة التي تعبر عن الثقافة السورية المعاصرة، فأعماله تحمل مضموناً فكرياً عميقاً، بالإضافة إلى طريقة طرحه للموسيقا العربية الآلية الأوركسترالية (التي لا تعدّ جزءاً أساسياً من موسيقانا الشرقية) بحيث يقوم بتطويرها من حيث الفكر وطريقة التأليف، بالإضافة لمؤلفاته الكلاسيكية المعاصرة التي توازي الأعمال العالمية مثل إحدى مؤلفاته الأقرب إلى قلبي بعنوان "الدوامة".

وما أحوجنا اليوم لمؤلف سوري يستطيع أن يعبر بنا من الظلمة إلى النور في زمن طغت فيه الموسيقا غير الاحترافية لينقلنا لمرحلة مشرقة جديدة تعبر عن آمال وتطلعات الوسط الموسيقي والجماهيري».

الجدير ذكره أنّ المؤلف الموسيقي "عاصم مكارم" من مواليد "دمشق" "جرمانا" عام 1976، تعود أصوله إلى مدينة "السويداء"، خريج المعهد العالي للموسيقا في "دمشق".