بعد سنوات ملأى بالمغامرة والتعب، حقق الدكتور "وليد نوفل" حلمه في اجتياز عتبة الطب بنجاح، وفتح طريقه بقوة ساعديه، وحفر اسمه في قلوب الفقراء والمحتاجين الذين كانوا همّه الدائم، حتى سافر إلى الخارج ليكمل رسالته بتأسيس حياة كريمة له ولمحيطه الواسع.

فالطبيب الذي رسمت مستقبله في سنّ السادسة والدته، متيقنة بأنها سوف تقرأ لافتة عيادته في يوم ما، كان الكفاح سبيله الوحيد لتحقيق ذلك بمساعدة والده الذي أمضى جلّ عمره في العمل المضني؛ حسبما قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 أيلول 2018، وأضاف عن طفولته: «عشت طفولتي في "لبنان" مع أسرتي التي كان ربانها يعمل في البناء، وعدنا إلى "السويداء" بعد اشتعال الحرب الأهلية هناك، كان والدي يفني حياته وعمره أمامي من أجل تأمين متطلباتنا مهما كانت، وأذكر أن والدتي كانت تناديني (دكتور) منذ كان عمري ست سنوات، وتحلم بهذه الساعة؛ لذلك حلفت يميناً كبيراً أن تتعلم القراءة والكتابة معي حتى تستطيع قراءة لافتة العيادة المستقبلية؛ وهو ما كان. كان الفقر يحاصرنا ومتطلبات الحياة الكبيرة جعلتني أنتظر عطلة الربيع والصيف لمساعدة والدي في العمل، ونلت الثانوية العامة عام 1992 من دون أن أستطيع دخول كلية الطب، فسجلت في كلية الهندسة الكهربائية، وقررت إعادة الشهادة والنجاح بمعدل عالٍ حتى دخلت كلية الطب، وبدأت مرحلة جديدة صعبة من حياتي».

منذ دخلنا المملكة وأنا عضو بصندوق "الجبل" الذي يضمّ آلاف الشباب العاملين فيه، وهو يهتم بكل شؤون الوطن، وكان للصندوق مساهمات كبيرة منذ سنوات طويلة، حيث يهتم بأي فعالية أو مناسبة في الخارج والداخل، وهو عون لأفراده الذين يقعون بمصيبة أو مكروه، وقدم خلال الحرب والأزمة السورية الكثير من المساعدات للأهالي ومحاولة تمكينهم في أرضهم، والصمود في وجه الفقر والعدوان

بعد سنوات من الدراسة والعمل في العطل مع والده في البناء كي يستطيع الاستمرار، كان التخرّج في الجامعة، وتقدم لنيل الاختصاص، فكان أن عيّن في "دير الزور" اختصاص باطنية الذي لم يكن طموحه، فتركه لكي يفتتح عيادته الأولى في بلدة "شقا"، وصمّم على خدمة الفقراء، وأضاف: «كانت سنة صعبة مادياً، فكل الذين يقصدون العيادة هم أهلي، ووضعهم لا يختلف عن وضعي، وكان من المستحيل أن أتلقى أجوراً منهم، وفي السنة الثانية كانت العيادة الثانية في قرية "دوما"، فتكرر السيناريو، وتقدمت على وظيفة في الصحة المدرسية، وبتّ المعيل الوحيد للأسرة بعد أن أنهك العمل جسد والدي ولم يعد يستطيع السفر، وفي الوقت نفسه تقدمت إلى اختصاص التخدير والعناية المركزة في جامعة "دمشق"، ومع عودتي للدراسة كنت أعمل في شركة أدوية، بعدها سافرت سنة واحدة إلى "السعودية"، على الحدود اليمنية، وكنت كل ليلة أقول إنها ستكون الأخيرة لي وسط ظروف لا توصف، وكأنها في الجحيم. وعدت إلى الوطن لأداء الخدمة العسكرية، وكنت خلالها قد ارتبطت مع شريكة عمري، مدرّسة الرياضيات "إيناس سلوم" التي كانت معي في كل خطوة، وحملت مسؤولية المنزل طوال مدة غيابي، وولدت ابنتي "تاج"، فأكملت خدمتي العسكرية والاختصاص، وسافرت من جديد إلى "السعودية" لألتحق بمستشفى كبير هناك، لأحقق لعائلتي حياة كريمة، وأكمل رسالتي الإنسانية».

أحد دروع التكريم التي تلقاها

بدأت ظروف الدكتور "وليد" تتحسّن بعد بدء عمله مباشرة في "السعودية"، واستطاع خلال سنة واحدة أن يقف على قدميه ويعوّض عائلته وأهله عن سنوات الفقر والعوز، لكن القدر لم يمهله كثيراً لتعويض والديه، حيث كان الموت يتربص بهما، وهو بعيد عنهما؛ وهو ما ترك جراحاً لا تندمل، وحزناً متوطناً في الروح والعينين، معوضاً ما في استطاعته في إسعاد الآباء الكبار في السنّ، ومساعدتهم على تجاوز الظروف المعيشية كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً من دون أن يشعر به أحد.

يقول "نوفل" عن عمله في "السعودية": «عام 2016 نجحت في اختبارات عضوية جمعية أطباء التخدير في "إيرلندا"، وأنا محافظ على آخر المستجدات في الإنعاش القلبي الرئوي من خلال الدورات المنتظمة لجمعية "طب القلب السعودية".

في غرفة الطوارئ

عملت في مستشفى الدكتور "سليمان الحبيب" في مدينة "الرياض" مدة ست سنوات، حيث كانت لمجموعة "الحبيب" عدة فروع، أحدها متخصص في الحوادث، وهو مكان عملي، فكانت تحول إلى المستشفى معظم الحوادث من جميع أنحاء المملكة بحسب الاتفاقية مع وزارة الصحة، وكنت مسؤولاً ومرافقاً لمعظم حالات الإخلاء الطبي الحرجة من وإلى المستشفى، سواء عبر سيارة الإسعاف أو الطائرة بالإخلاء الجوي، ومتابعة الحالات ضمن غرف العمليات لجراحات العمود الفقري وكسور العظام ورضوض البطن والصدر. ثم انتقلت إلى مستشفى آخر في مدينة "الدمام" السعودية، وما زلت أعمل فيه كطبيب مخدّر، ورئيس لجنة الإنعاش القلبي الرئوي».

وعن علاقته بالجالية السورية في المملكة، قال: «منذ دخلنا المملكة وأنا عضو بصندوق "الجبل" الذي يضمّ آلاف الشباب العاملين فيه، وهو يهتم بكل شؤون الوطن، وكان للصندوق مساهمات كبيرة منذ سنوات طويلة، حيث يهتم بأي فعالية أو مناسبة في الخارج والداخل، وهو عون لأفراده الذين يقعون بمصيبة أو مكروه، وقدم خلال الحرب والأزمة السورية الكثير من المساعدات للأهالي ومحاولة تمكينهم في أرضهم، والصمود في وجه الفقر والعدوان».

الناشط الاجتماعي والشاعر المعروف "نسيب فرحات"، تحدث عن معرفته بالدكتور "وليد نوفل": «يمكن أن نطلق بكل بساطة على هذا الشاب أنه عصامي؛ فقد بنى نفسه بنفسه، وصنع ما عجز عنه الكثيرون على الرغم من كل الظروف والعوائق التي مرت عليه تباعاً، والتي اجتازها بالصبر والعمل والعلم معاً. لا أحد يمكن أن يعرفه وينساه، وفي كل الأمكنة له بصمات مميزة من دون أن يعلم به أحد.

اختار الاغتراب طريقاً للنجاة من الفقر وتحقيق كرامة العيش للمحيطين به، وقد تميّز في غربته، وتابع رسالته الإنسانية على الرغم من بعد المسافات، ولم يبخل على أحد في تقديم العون والمساعدة، وكان مع المغتربين اليد الطولى في تحقيق التوازن على الأرض طوال السنوات الماضية، محققاً أحلامه وطموحاته ووصايا والديه».

يذكر، أن الطبيب الإنسان "وليد نوفل" من مواليد قرية "الهيات" عام 1976، يطمح إلى العودة القريبة إلى وطنه بعد أن يضمن قدرته على افتتاح عيادة مجانية دائمة للفقراء وكبار السنّ، من دون أن يحتاج نهائياً إلى أخذ أجرة المعاينة من أحد.