عمل دؤوب ثبّت خطاه في العمل الهندسي مع الشركات الكبرى في بلاد الاغتراب، ليحقق حلمه على أرض الوطن بعدد من الأنشطة الاقتصادية التي أسسها في مرحلة الأزمة لغاية اجتماعية بحتة.

هو ابن قرية "حران"، درس الهندسة المدنية، وعمل في قطاع الدولة عدة سنوات، ليختار طريق الاغتراب لتحسين الواقع الاقتصادي واختبار العمل الهندسي في "السعودية". حيث تحدث المهندس "وهيب مرشد" لمدونة وطن "eSyria" عن بداياته، بتاريخ 15 تشرين الأول 2017، وقال: «ولدت في أسرة تثق بالعمل كقيمة ومصدر للحياة الكريمة، وكان والدي فلاحاً، واغترب لعدة سنوات، كان حلمه أن أنجح في التحصيل العلمي، لتكون رحلة طويلة وفيها الكثير من المشقة والجهد.

في ظروف الأزمة والواقع الاقتصادي الذي أثر بالحالة الاجتماعية تأثيراً كبيراً، خططنا لإنشاء مشاريع منها ما يرتبط بالألبسة الجاهزة لغاية إيجاد مشغل قادر على تقديم الألبسة بأسعار مقبولة من جهة، وإيجاد فرص عمل بأعداد مقبولة، ومطبعة متخصصة بالطباعة الحريرية بخبرات محلية، ومشاريع أخرى، وقد أطلقت هذه المشاريع إلى جانب عدد من صالات العرض التي هيأت فرصة البيع بالتقسيط لمختلف الشرائح وليس فقط للعاملين بالدولة؛ وهذه المشاريع تشرف عليها زوجتي وإخوتي لضمان المتابعة اليومية، وفي كل مرحلة نضيف عمالاً جدد؛ وهذا بالنسبة لي مرحلة أولى رغبت في تأسيسها خدمة لأهلي

الظروف الاقتصادية لم تكن مهيأة، وتطلّب ذلك العمل للمساعدة، فقد كان خيار الدراسة والحصول على الشهادة هدفاً أساسياً لدخول الحياة العملية، ومع خيار الزواج المبكر وفي مرحلة الدراسة وأنا طالب في السنة الثانية ازدادت الحاجة إلى العمل ضمن الفرص المتاحة في تلك المرحلة، وكذلك اختصار سنوات الدراسة إلى أقصر مدة ممكنة.

المهندس وهيب مرشد

ولا أنسى معاناة زوجتي ومساعدتها لتحقيق حلم التخرج بحكم اضطراري للغياب أكثر من شهر خارج المنزل لأنجز الامتحانات والمشاريع المطلوبة مني كطالب، وتمكّنت من تجاوز هذه المرحلة التي اختتمت بعد سنوات مرهقة، وحصلت على شهادة البكالوريوس، وبدأ مشوار العمل في "دمشق" لعدة سنوات، ومنها إلى بلدية "السويداء". ولم يكن خيار الاغتراب في البداية، لأنني وزوجتي عانينا من سفر الآباء، وكانت لنا ذكريات حزينة ارتبطت بغياب الأب عن المنزل، فتعاونا للاكتفاء بالراتب وعدم طرق باب الغربة، لكن في النهاية، وعندما أصبحت العائلة كبيرة وتقدم عمر الوالد والوالدة كان لا بد من السفر لتحسين الظروف الاقتصادية أولاً؛ لأن المرحلة كانت ضاغطة ولا حلول أفضل من السفر».

كانت البداية في "السعودية"، واستمرت لغاية هذا التاريخ، حيث أضاف: «باشرت العمل كمهندس استشاري هناك، حيث اشتغلت على فكرة إثبات الذات تبعاً للواجبات الكبيرة والخبرة الفنية الدقيقة المطلوبة من مهندس في شركة ضخمة تتولى مشاريع ضخمة، كمجموعة مستشفيات ومدارس وفنادق ضخمة وغيرها، لتكون البداية من الثقة بالنفس والخبرة والسعي الدائم لتطوير الخبرة بالعمل والمتابعة العملية.

المهندس وائل الشيباني

كان هدفي تعليم بناتي في المدارس السورية، فخيار الغربة عن الوطن صعب وفيه الكثير من المعاناة، ولم أكن لأفرض على أولادي هذا الخيار، وكنّ يمضين إجازة الصيف في "السعودية"، ويعدن لمتابعته دراستهن، وهذه كانت غايتي الأولى؛ لأنني اخترت السفر بداية لتحسين الواقع، ليس فقط الاقتصادي، بل التعليمي والحصول على الشهادات العلمية التي تؤسس شخصياتهن وحضورهن الفاعل في الحياة».

العمل الاقتصادي لغاية اجتماعية هدف أسس له وأطلقه على أرض الواقع، وقال: «في ظروف الأزمة والواقع الاقتصادي الذي أثر بالحالة الاجتماعية تأثيراً كبيراً، خططنا لإنشاء مشاريع منها ما يرتبط بالألبسة الجاهزة لغاية إيجاد مشغل قادر على تقديم الألبسة بأسعار مقبولة من جهة، وإيجاد فرص عمل بأعداد مقبولة، ومطبعة متخصصة بالطباعة الحريرية بخبرات محلية، ومشاريع أخرى، وقد أطلقت هذه المشاريع إلى جانب عدد من صالات العرض التي هيأت فرصة البيع بالتقسيط لمختلف الشرائح وليس فقط للعاملين بالدولة؛ وهذه المشاريع تشرف عليها زوجتي وإخوتي لضمان المتابعة اليومية، وفي كل مرحلة نضيف عمالاً جدد؛ وهذا بالنسبة لي مرحلة أولى رغبت في تأسيسها خدمة لأهلي».

ما يميزه تواضعه وإحساسه بألم ومعاناة الآخرين؛ وفق حديث المهندس "وائل الشيباني"، وقال: «أهم ما يميز المهندس "وهيب" إحساسه بألم المحيطين به؛ وهو ما دفعه إلى القيام بأعمال خيرية كبيرة، منها ما هو معروف، وجزء كبير غير معروف؛ لأنه اهتم بتعليم عدد من الطلاب ودعمهم لمتابعة دراستهم. وعلى المستوى العملي، لم تكن رحلة اغترابه سهلة؛ فقد وجد صعوبة كبيرة في بداية وجوده في "السعودية"، حتى تمكن من إثبات وجوده هناك كمهندس نشيط عملي إمكانياته الفنية عالية، وأثبتها من خلال المشاريع الكبرى التي نفذها، واستمر بعمله عقدين متواصلين لغاية هذا التاريخ بعزم وقرار أن تكون ثمار عمله خيراً يصب في بلده ولمصلحة مجتمعه.

منذ عدة أعوام دخل المجال الاقتصادي في وطنه بنوع من الاستثمارات ذات الأبعاد الاجتماعية، وهي: مشغل ألبسة، ومعامل للمنظفات والمحارم، وسلسلة محال تجارية تقوم زوجته وإخوته بالإشراف عليها، حيث سخرها لتأمين فرص عمل بأعداد كبيرة لشبان وشابات ونساء من أسر محتاجة، مع الاعتماد على أحدث التقنيات في المشاريع التي أسسها، وهذه التجربة تستحق التقدير؛ لأنها لم تسخر فقط لتحقيق النجاح الذاتي، وشأنه شأن أبناء الجبل المخلصين للبيئة الطيبة التي نهل منها القيم ليكون الابن البار لأبناء وطنه، ويكلل نجاحه العملي بنجاح اجتماعي مؤثر ومثمر لكل المحيطين به».

تأسيس نواة للطباعة الحريرية لدعم مشروع الألبسة الجاهزة ودعم الخبرات المحلية؛ فكرة عرضها الفنان "أسامة السعدي" خبير الطباعة الحريرية، وقال: «اقتنع المهندس "وهيب" بأهمية الخبرات المحلية وقام بتأمين الدعم اللازم لتأسيس نواة للطباعة الحريرية في مشغل الألبسة الذي أسسه لإنتاج الألبسة القطنية والجاهزة بأسعار اقتصادية، حيث تم إطلاق هذه المطبعة كقسم خاص بالمشغل، قمنا بتصميمه وسعى إلى توفير كافة الاحتياجات والمستلزمات المادية للتصميم، لتكون الطباعة داخل المشغل وتخدم المشاغل المشابهة على مستوى المحافظة.

واليوم يتم العمل وفق رؤيته لتطبيق أساليب جديدة ومتطورة للطباعة الإلكترونية والحصول على التقنيات المطلوبة، والعمل على المستوى المحلي لتطوير هذه التجربة، مع العلم أن أولى دفعات المشغل كانت مخصصة بالمجان لجمعية الرعاية الاجتماعية وجهات قرر تقديم العون لها.

ليبلغ عدد فرص العمل في المشغل 30 فرصة، حيث تم تدريب عدد جيد لامتلاك مهارات خياطة وقصّ وطباعة إلى جانب فرص عمل تساويها أو تزيد في المعامل الأخرى؛ فالهدف بالنسبة له ليس فقط إيجاد فرصة العمل، بل إيجاد فرص للتدريب وامتلاك المهارة لمن طلب العمل، لتكون لديه فرص للإنتاج وكسب لقمة العيش بالجهد والتعب، مكرساً تجربته في العطاء والعمل لخدمة المجتمع وفق ما يتوافر لدينا من إمكانيات يمكن تطويرها».

ما يجدر ذكره، أن المهندس "وهيب مرشد" من مواليد قرية "حران" عام 1965، تخرّج في جامعة "دمشق"، كلية الهندسة المدنية عام 1991، بدأ رحلة الاغتراب عام 1998 كمهندس استشاري في شركة خاصة في "السعودية".