تعلّم العزف على العود وحيداً، وشقّ طريقه الأكاديمي بتشجيع من كبار الأساتذة في الموسيقا، واستطاع في بداية غربته أن يؤسس أول أوركسترا عربية في "النمسا" بظروف معقدة وصعبة للغاية، لكنه أثبت قدرته وموهبته الكبيرة عندما عزف في أكبر المسارح وأشهرها في أوروبا.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان المغترب "عروة الشوفي" بتاريخ 8 آب 2017، ليحدثنا عن بداية طريقه الوعر مع الموسيقا، فقال: «تعلّمت العزف على آلة العود وأنا في السابعة عشرة من عمري، ولم يقتنع أحد بموهبتي، أو يعلم إلى أين يمكن أن يقودني عنادي في هذا الطريق. وعندما تقدمت للمعهد العالي للموسيقا، تعلمت فقط عدة دروس خاصة للقبول بالمعهد على يدي الفنانين "خالد الجرماني"، و"كمال سكيكر" الذي كان له الفضل في تطوري التقني، (التكنيك)، ولكنني لم أدرس علم الصولفيج بسبب ضيق الوقت، حيث إنني بدأت قبل شهرين فقط من الامتحان التحضير، والموضوع يتطلب أكثر من ذلك بكثير؛ فقد كان الطلاب يحضّرون لسنوات بعد دراسة ممنهجة. فشلت في امتحان المعهد العالي على الرغم من إعجاب اللجنة وحثهم على الاستمرار، إلا أنني لم أقدم الامتحان النظري حتى، لأنني كنت أعلم النتيجة مسبقاً. بعد أربعة أشهر انتقلت إلى "لبنان" للالتحاق بالمعهد الوطني اللبناني "الكونسيرفاتوار" الذي يديره الموسيقار "وليد غلمية"، ويشرف على الأوركسترا الوطنية الفنان "أندريه الحاج" الذي قبلني في السنة الرابعة بعد أن استمع إلى عزفي، وطلب من "غلمية" أن أترفع إلى السنة السادسة بعد أربعة أشهر فقط في الرابعة، فوافق. في "لبنان" كان الموضوع معقداً جداً بسبب غلاء المعيشة والعمل الشاق، والوضع النفسي السيء، وإحساسك بالغربة. كنت في السنة الأخيرة عندما زرت "سورية" ولم أستطع العودة بسبب الأحداث، بقيت في "السويداء"، وقمت بافتتاح معهد "نينوى" للموسيقا كخطوة أولى للمعيشة والاستمرار بالمجال الفني نفسه. كان لوالدي الفضل الأكبر في الدعم المالي في البدايات، وتحمل حماقاتي. في المعهد تعرفت إلى رفيق دربي الفنان "أيمن هلال" الذي قدم مدرساً لآلة الكمان، وأصبحنا فيما بعد لا نفترق، ففي مدينة "السويداء" ألفنا أول "أوركسترا" في المحافظة، وأطلقنا عليها اسم "أورفي"، وقدمنا عدداً من الحفلات الناجحة».

أعدّ "عروة" الشقيق الذي لم تلده أمي، فطريقنا الذي اخترناه مصادفة قادنا إلى نفس الهدف على الرغم من كل الظروف التي مررنا بها، لقد ضحى كثيراً من أجل الجميع، ولا ينسى أحداً من الذين وقفوا معه في رحلته مع الموسيقا، دائم البحث والتجريب عن كل ما يعزز حضوره في المجتمع، ولذلك فهو موسيقي من الطراز الرفيع. أوركسترا "أورفي" كانت من تأسيسه، وهي في الوقت نفسه جهد جماعي نحصد نتائجها الآن بفضل مثابرته ومتابعته وموهبته الكبيرة

كانت "أورفي" نتيجة عمل ثلاثة عازفين أولاً، ثم خماسي ناجح بالاسم نفسه، "أيمن هلال" على الكمان، و"ربيع السيد أحمد" على الغيتار، و"راغد نفاع" على التشيلو، و"خطار نعيم" على الإيقاع، و"عروة الشوفي" على العود، وهكذا انطلقوا معاً نحو الفن الذي يجيدونه.

من أحد العروض مع الأوركسترا

ولكن الغربة كانت الطريق الذي اختاروه، وأضاف: «بدأنا العزف في "تركيا"، وقابلنا كبار الموسيقيين الأتراك، مثل "يوردال توكوجان"، ثم توجهنا إلى المعهد العالي للموسيقا، وقابلنا الفنان الكبير "محمد باتماز" الذي أعجب جداً بنا، وطلب منا أن نعزف معه في أحد البرامج التلفزيونية، نلنا شهرة جيدة في مدة بسيطة جداً، لكن "تركيا" لم تكن البلد الذي نسعى إليه، ولم نشعر يوماً واحداً بالراحة من الأوضاع التي بدأت تسوء على الجميع، فقررنا السفر، وكانت نتيجة هذا القرار فقدان "راغد نفاع"، حيث إنه لم يستطع الخروج لظروف شخصية، وعند وصولنا إلى "النمسا" كانت هناك خيارات متعددة حول تقديم اللجوء، فاخترت "فيينا"، و"أيمن" اختار "ألمانيا" على أمل اللقاء. عشت سنة صعبة للغاية، فالمال هو عصب الحياة، والمحرك لكل شيء. بدأت النجاح عندما أتى شخص نمساوي يحمل بعض الآلات الإيقاعية ويمنحها مجاناً للاجئين، سألته إذا كان يملك غيتاراً، وعندما عزفت أمامه أدرك مباشرة أن الغيتار ليس آلتي الأساسية، وفي غضون يومين اشترى لي عوداً، وعرض عليّ أن أعزف معه، وكان أول عمل في معرض "كتب الإنجيل"، حيث قدمنا حفلاً ناجحاً، وكررنا ذلك بعد مدة».

تعرّف إلى سيدة نمساوية من أصل سوري، كانت وراء العديد من الخطوات المهمة في بداية مسيرته بالمغترب، فبعد سنة كاملة من الحفلات والعزف في أماكن متعددة كان خط الفرقة يأخذ منحى مختلفاً، وأضاف: «تعرفت إلى "ماري تيريز كرياكي" التي نذرت نفسها لمصلحة اللاجئين، فاقترحت عليّ إقامة حفلات مجانية ودورية، فبدأت الحفلات، وفي الوقت نفسه رحت ألاحق هدفي في البحث عن موسيقيين سوريين محترفين من أجل تحقيق حلمي في إنشاء أوركسترا شرقية في "النمسا". كان العجز المادي كبيراً، لكن التضحية ضرورية في بداية المشوار، افتتحت معهد "نينوى" الذي ضم عدداً من الموسيقيين السوريين والعرب، وألّفت مع "أيمن هلال" تسعة أعمال موسيقية، وقدمنا حفلاً ضخماً في أشهر مسارح "النمسا"، يدعى "muth" بأوركسترا مؤلفة من ستين عازفاً مع آلات نفخية بحضور 500 شخص. وقد بلغت حفلاتنا حتى الآن خمسين حفلة بدعم من السيدة "ماري" التي لم تتخلَّ عني، وبمرافقة من صديقي "أيمن" الذي كان يأتي من "ألمانيا" لكي يقود الأوركسترا، مع عمله في تأليف الموسيقا. وقد كانت آخر حفلاتي في دار الأوبرا النمساوية بدعوة من السفارة العراقية، حيث قدمت مقطوعات موسيقية لمدة ساعة ونصف الساعة، مع أن وقتي كان ثلث ساعة فقط».

مع رفيق دربه أيمن هلال قائداً للأوركسترا

وفيما يتعلق بالموسيقا ومستقبلها في الغرب، أضاف: «من الأشياء التي تعلمتها هنا أن 70% من النمساويين غير متقبلين للآخر، فاكتشفت أنني إذا حاربتهم سوف أخسر، هنا الجو حاضن للفن، لكن عليك أن تعرف كيف تصطاد، وكيف وتمسك الصنارة، فهنا مئات الفنانين السوريين لا يستطيعون العمل.

لقد قمت بعدد من المحاضرات في واحدة من أهم جامعات العالم عن المقامات الشرقية، محاولاً كسر الجليد مع النمساويين الذين يعدّون "باخ" شخصاً مقدساً، ومع ذلك استطعت أن أجد طريقي بالصبر والتأني وبمساعدة من أشخاص آمنوا بي وبموهبتي».

رفيق دربه "أيمن هلال" قائد الأوركسترا العربية في "النمسا"، قال عن العلاقة التي تربط بينهما: «أعدّ "عروة" الشقيق الذي لم تلده أمي، فطريقنا الذي اخترناه مصادفة قادنا إلى نفس الهدف على الرغم من كل الظروف التي مررنا بها، لقد ضحى كثيراً من أجل الجميع، ولا ينسى أحداً من الذين وقفوا معه في رحلته مع الموسيقا، دائم البحث والتجريب عن كل ما يعزز حضوره في المجتمع، ولذلك فهو موسيقي من الطراز الرفيع. أوركسترا "أورفي" كانت من تأسيسه، وهي في الوقت نفسه جهد جماعي نحصد نتائجها الآن بفضل مثابرته ومتابعته وموهبته الكبيرة».