نبت "مروان الخطيب" كشجرة باسقة وسط غابة من المطربين الكبار، فرحلته الحافلة مع الفن التي بدأها من "بيروت" ما زالت مستمرة في "أوروبا" بصوته الطربي الأصيل، وألحانه المشغولة بعبق الماضي.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 آذار 2017، مع الفنان "مروان الخطيب" المغترب في "النمسا"، ليعود بذاكرته إلى بداياته مع الفن والغناء، فقال: «ولدت في مدينة "شهبا" عام 1972، ودرست المرحلة الابتدائية في مدرسة "حمد الحج"، حيث لم يكن هناك مدرسة رسمية نظامية، كانت شبه متنقلة في بيوت تستأجرها الدولة لتعليم أبنائها.

أثبت "مروان" قدرته وطاقته الفنية منذ الصغر، وصنع نجاحه بيديه من دون أن يساعده أحد، تعلم الغناء والموسيقا في مدينة "شهبا"، وانطلق نحو رحاب الفن بجهود جبارة ليصنع اسمه على الرغم من الفترة الصعبة التي كانت تمر بها الساحة الفنية والمحسوبيات والسياسة، وخاصة في "لبنان"، الذي كان يعدّ مركز الانطلاق لكل موهوب. وأكثر ما يميز شخصيته بعيداً عن الفن والمهنة؛ الإخلاص والوفاء لأصدقائه وأهله ووطنه

وفي أول حفل شاركت فيه في الصف الأول عام 1978 بمناسبة عيد الأم في المركز الثقافي القديم، كان المسرح مملوءاً بالأمهات، ومن ضمنهم أمي التي جاءت بناء على إلحاحي الشديد لحضور الحفلة. وكانت أول أغنية غنيتها "أنا مسافر يا أمي ودعيني" بمرافقة عازفي الناي والعود، وما أن بدأت الغناء حتى سمعت شهقات بكاء الأمهات، فخجلت، وبدأت أنظر إليهن بخوف، فشجعني الحضور وصفقوا لي بحرارة حتى انتهيت، حيث حملوني وهم يهنئون أمي، ونلت إثرها أول ميدالية. وبدأت مشاركاتي في مهرجانات المدرسة الغنائية والرياضية، وبدأت التمرين في فرقة جمباز، وأصبحنا نقدم عروضاً على مستوى مدارس "شهبا".

من حفلاته في النمسا

كانت الطبلة هي الأرخص بين الآلات الموسيقية، لهذا السبب اشتراها لي والدي، فاستغليت وجودها وتعلمتها من دون معلم، وفي المرحلة الإعدادية سمعني الأستاذ "سعيد حرب"، فأدخلني فرقته من دون تردد، وبدأ يدربنا على الموشحات والمقامات والأوزان، وكان يعتمد عليَّ في الموشحات والغناء الإفرادي، وعن طريقه شاركت في الكثير من الحفلات والمهرجانات التي تكللت بالنجاح.

كان لي معلماً وأباً وأخاً، وهو الذي كسر عندي قاعدة كرهي لأسلوب المعلمين، فكان هو أول معلم أحببته بتعامله الطيب».

الفنان سعيد حرب

قبل أن يشق الطريق نحو حلمه الكبير تعرض إلى الكثير من الصعوبات، لكن المصادفة والجرأة فتحتا له الأبواب، وأضاف: «لم يساعدني مجموعي في الشهادة الإعدادية على الدخول في الثانوية العامة، لأن وفاة أختي جاءت قبل الامتحانات النهائية بشهرين، وكان نصيبي الثانوية الصناعية، اختصاص ميكانيك، في الصف العاشر تم تنظيم الفرقة السياسية بقيادة الفنان "إحسان الخطيب"، وشاركت معه في مهرجانات المحافظة، وكلها توجت بالنجاح.

وعندما نلت الشهادة الثانوية، سافرت إلى "لبنان" بداعي العمل، فعملت ثلاثة أشهر في محل لبيع زيت السيارات، ثم انتقلت إلى عمل آخر راتبه جيد، كل ذلك من دون أي يوم عطلة؛ لأن الوضع المادي لأهلي لم يكن جيداً، وبعد خمسة أشهر، أخذت إجازة ليوم واحد للترفيه عن نفسي في أرقى "كازينو" في "بيروت"، كان المكان مكتظاً بالزبائن، والفرقة تعزف وتغني وحدها، والناس تسأل عن المطرب، فأخبرت العامل مصادفة بأنني مطرب، وذهب إلى صاحب "الكازينو" "رفيق عجّور" المعروف جيداً هناك، ولما رآني قدمني للناس بعد أن عرف اسمي، فغنيت "الهوى سلطان" للمطرب "جورج وسوف"، كان الخوف ينتابني لأن الأجواء غريبة بالمطلق، لكن تفاعل الناس طرد الخوف نهائياً، فغنيت المواويل و"الهوارة" وسط فرح عارم من الحضور؛ وهذا دفع صاحب "الكازينو" إلى توقيع عقد لمدة ثلاثة أشهر معي. كنت أنهي عملي في محل العصير، وفي الليل أكون مطرباً محترفاً أمام الناس، تعرفت خلال هذه الأيام إلى مطربين لبنانيين كبار، وأحدهم أخذني إلى "كازينو فريد الأطرش"، وبعد ذلك بأيام كان الفن هو الطريق الوحيد الذي اخترته لحياتي. بعد هذه القفزة، دخلت معهد "الكونسرفتوار" وبدأت تعلّم الموسيقا أكاديمياً».

بعد وضوح الرؤية أمامه، بدأت رحلته المحفوفة بالمخاطر والحظ العاثر، وأضاف: «بعد الخدمة العسكرية عدت إلى "لبنان"، ومارست نشاطي بقوة أكثر، وذهبت خلالها بعقد عمل إلى "النمسا" في نهاية عام 1994، وعدت بعدها للعمل في إذاعة "صوت الغد"، كانت إعلاناتي تملأ الأمكنة والمحطات، وكل يوم سبت كنت أغني مع نجم كبير مثل "جورج وسوف"، أو "ملحم بركات"، وعدد كبير من الفنانين الكبار غنيت معهم في حفلات كبيرة عبر راديو "صوت الغد".

كذلك تعرفت إلى صانع النجوم "سيمون أسمر"، الذي طلب مني التقدم إلى استديو الفن، وأهداني "وليد توفيق" أغنية "أكبر جرح"، وكانت جنسيتي السورية عائقاً أمام ذلك؛ بسبب الموقف السياسي الذي كان مسيطراً في "لبنان" آنذاك، وأراد أحد الأمراء الخليجيين أن يهديني أغنية، وأن أختار أنا ملحنها، فاخترت الملحن المصري "شاكر الموجي" الذي كان موجوداً في "لبنان"، واتفقت معه على أغنيتين، ولم ينجح المشروع؛ لأن الأمير رفض التعامل معي لذات السبب السياسي. وكانت الحفلات التي أحييها في "قبرص" و"أبيدجان" وغيرها تتم بنجاح كبير، لكن المنظمين كانوا ينقلبون عليّ بالعقد الموقع عندما يشاهدون جواز سفري؛ فوصلت إلى مرحلة متقدمة من الضغط النفسي والإحباط، ثم سافرت إلى "الإمارات"، وأحييت عدة حفلات في أهم الأماكن، وسجلت أغنية من كلماتي وألحاني، وهي: "مشيت وراك" من إنتاج شركة "ستايل" للإنتاج الفني، ونالت الكثير من النجاح. وتم اختيارها من ضمن أجمل 12 أغنية في شركة الإنتاج التي تعاقدت معها، لكن التعامل بقي كما هو، فقررت الرحيل نهائياً إلى "أوروبا"».

في "أوروبا" بدأت رحلة اغترابه الطويلة والناجحة حتى الآن، وكان سفيراً فوق العادة لفن بلده، وعنها أضاف: «دخلت "النمسا" وأنا عازم على النجاح، وأحييت الحفلات في كل من "سويسرا" و"ألمانيا" و"فرنسا" و"هنغاريا"، بدأت تسجيل أغنياتي الخاصة، وأعمل على تأسيس مكان لائق لحفلاتي، وعدت مرة واحدة فيها إلى الوطن لكي أرى والدي الذي توفي بعدها، وكانت رغبته بأن أرتبط مع الوطن بعقد دائم، فتزوجت وصار عندي "عمر"، و"آدم"، وافتتحت في "إيطاليا" نادياً خاصاً بي اسمه "أوسكار"، وقد حرصت طوال ذلك على إحياء الأغاني الطربية والتراثية التي تشتهر بها منطقتنا، إضافة إلى مجموعة من الأغاني الخاصة بي، التي اشتهرت في المحطات الغنائية العربية. وللعلم، أنا عضو في نقابة الفنانين في كل من "سورية"، و"لبنان"، وما زالت علاقاتي وصداقاتي قائمة مع كبار المطربين والملحنين في الوطن العربي، وعلى تواصل دائم معهم، وخاصة عندما يأتون إلى "أوروبا"».

تحدثت الصحافة العربية والإذاعات المختلفة عن صوته الشجي، وشهد له كبار المطربين العرب بتميزه، فالفنان "نهاد طربيه" وصف صوته بأنه الصوت الذي يطربه حتى الثمالة.

يقول عنه الفنان "سعيد حرب"، الذي درّبه في بداية المشوار: «أثبت "مروان" قدرته وطاقته الفنية منذ الصغر، وصنع نجاحه بيديه من دون أن يساعده أحد، تعلم الغناء والموسيقا في مدينة "شهبا"، وانطلق نحو رحاب الفن بجهود جبارة ليصنع اسمه على الرغم من الفترة الصعبة التي كانت تمر بها الساحة الفنية والمحسوبيات والسياسة، وخاصة في "لبنان"، الذي كان يعدّ مركز الانطلاق لكل موهوب. وأكثر ما يميز شخصيته بعيداً عن الفن والمهنة؛ الإخلاص والوفاء لأصدقائه وأهله ووطنه».