كان الدخول إلى شبكة التواصل الاجتماعي بالنسبة له مجرد تسلية لمعرفة أحوال الأهل والأصدقاء، ولكن ما لبث أن تحول موقعه إلى مؤسسة قائمة تضمن أكثر من 25 ألف سوري ممن ضمتهم سماء الغربة، ليقوموا بمبادرات إنسانية خلاّقة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاب "ثائر الريشاني" أثناء إجازته في قريته "البثينة" يوم الإثنين الواقع في 23 حزيران 2014، فتحدث عن طفولته ودراسته قبل أن يقرر السفر: «ولدت في قرية "البثينة" في العام 1980 في أسرة متعاونة ومحبة للعلم، وكانت طفولتي بسيطة حيث كنت مولعاً بالرسم والنحت والرياضة التي كنت فيها بطلاً على مستوى القطر في ألعاب القوى، وتحديداً في العشاري، وكانت كل أحلامي تنصب في دخول كلية الفنون الجميلة التي لم يحالفني الحظ في دخولها، فتابعت تعليمي في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية التي تخرجت فيها عام 2003، وكنت خلال هذه الفترة أعمل في بناء ونحت الحجر الذي أحب وأعشق».

هو مثال للشاب المكافح الطموح، وقد عمل جاهداً حتى حصل على شهادة الحقوق، وطرق باب الغربة لتحسين الحالة المادية التي لم تنسه واجبه تجاه أهله وبلده. ونحن نعلم عنه الكثير من خلال موقعه الكبير على شبكة التواصل الاجتماعي، فكان صلة وصل وجسر محبة بين المغتربين والوطن. وكانت المبادرات التي قام بها عن طريق الموقع تصلنا، ونعلم عنها، وفي القرية قمنا بتأسيس مكتبة عامة للقراءة، حيث كان من أول الداعمين لنا

في العام 2004 قرر "ثائر الريشاني" طرق باب الغربة لتحقيق أحلامه البسيطة في بيت آمن وعائلة صغيرة تسودها المحبة والطيبة، وقد وجد فرصته في العمل المصرفي ليبرع فيه منذ البداية، ويؤسس موقعه الإلكتروني. ويتابع: «على الرغم من أن العمل الذي امتهنته في مجال البنوك والمصارف بعيد نسبياً عن دراستي، إلا أن الرغبة في إثبات الذات والتركيز والنجاح جعلني أتفوق على نفسي، وقد تنقلت في هذا العمل في أكثر من مكان لزيادة الخبرة والتجربة، ووصلت إلى ما أريد من الكفاءة في العمل. وبعد أن اشتد جرح الوطن، وبدأت ألسنة الشياطين (شيوخ الفتنة) في محاولة لضرب النسيج الاجتماعي السوري، كنت كغيري أحاول التواصل مع الأهل والأصدقاء عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي، وعندما فاحت روائح الطائفية من أفواه المعتوهين، قررت تصميم موقع إلكتروني يحمل رائحة الوطن، ويضم بين سطوره آلاف السوريين الذين يجمعهم حبل الود والألفة والعلم، وأطلقته في 15 حزيران من العام 2011 ذكرى انطلاق الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي. كنت حريصاً على عدم ذكر اسمي فيه، فقط هو موقع للسوريين الشرفاء، فلا وجود للأسماء الوهمية، ولا للغات الأجنبية، وخاصة العبرية منها. وقد دهشت من ردة فعل الناس على هذه الخطوة، وتفاعلهم غير المحدود، والمواضيع التي يطرحونها، والنقاشات المستفيضة التي تساهم في إطفاء النار. ولذلك كانت المبادرات التي ساهمت بشكل ما في تماسك المغتربين، والتفافهم حول الوطن وعلمه».

السيد شحاذة الريشاني والد ثائر.

وعن كيفية تفاعل المغتربين معه، والمبادرات التي قام بها الموقع، أضاف: «بدأت المبادرات بجائزة "الشاعر الشهيد" التي لم نحصرها بشيء، شرط أن تتكلم عن الشهيد حصراً إن كان مدنياً أو عسكرياً، ولكافة فئات الشعر من النبطي إلى العمودي إلى التفعيلة إلى الشعر النثري. وقد اتفقنا مع عدد من النقاد المختصيّن لتحديد القصائد المناسبة. وكانت المشاركات غير متوقعة، وتفوق الوصف، ووجدنا دعماً من قبل الإعلام السوري الذي وقف وراء المبادرة، والتقى الفائز فيها الشاعر السوري "عيد كوسا"، وفي هذه المسابقة اشترك الناس بالتصويت عبر الموقع لشاعرهم المفضل. وكانت الجائزة عبارة عن شهادة تقدير إلكترونية. وكذلك كانت المسابقة الشعرية الثانية التي فاز بها الشاعر "أيمن درويش". وقد جاءت رسائل إلى الموقع عن عائلات تحتاج إلى الدعم المادي للقيام بعمليات جراحية مكلفة لأحد أبنائها، وكانت الرسائل تأتي من "سورية" مع التقارير الطبية وحالة المريض، حيث قمنا بالتواصل مع الطبيب المختص هاتفياً للتأكد من الحالة، وعند القيام بنشرها على الموقع تنهال التبرعات بسرعة قياسية إلى صاحب العلاقة مباشرة، وهنا يكمن التكافل الذي لا يتمتع به غير السوريين الحريصين على الوطن وأبنائه، حيث كنا نطلب من الجميع التوقف عن التبرع لأن المبلغ المطلوب قد اكتمل، ولكن الأمر يستمر حتى من داخل البلد. وهذا الأمر حفزنا على دعم الجمعيات الأهلية التي تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، والتواصل المباشر معهم، وكذلك قمنا بدعم الرياضيين السوريين الذين يبذلون جهوداً جبارة من أجل رفع العلم العربي السوري في المحافل الدولية. كل ذلك وأكثر كان يحثنا على التواصل مع أبناء الوطن من أجل هذه الحالات التي نثبت من خلالها قدرة المغتربين السوريين من كافة الطوائف ومن كافة المحافظات على ترسيخ الإرث الحضاري الذي لم يأت من فراغ».

مع انتهاء إجازته السنوية يعود "ثائر الريشاني" إلى متابعة العمل في دولة الإمارات العربية، وإلى موقعه الذي لم يكن في إجازة فعلية، وهو يعكف الآن على تنقيح كتابه الأول الذي استقى فكرته من نفس الواقع، وأطلق عليه (السويداء تاريخ وحضارة)، حيث أوضح: «هذا الكتاب نتيجة جهد كبير ساعدني في إنجازه العديد من الأصدقاء والمهتمين بالتاريخ، وكبار السن، واستعنت بالمراجع المتوافرة في المكتبات العربية للتأكد من كل كلمة وتوثيقها قبل نشرها، وأعترف أن الموقع يأخذ مني الكثير من الجهد والتعب والوقت لكوني أعمل فيه وحدي، إضافة إلى عملي الذي يحتاج إلى التركيز الدائم، ولكني أعتبر أن ما أقوم به هو جزء بسيط من الواجب تجاه البلد، ولا أبتغي من كل ذلك شهرة أو غاية».

مع ابنته في نادي "شهبا".

يحتل "ثائر" مكانة متميزة في قلوب الشباب، وفي قريته التي يحب، تحدث الشاب "عهد نصر" من أهالي قرية "البثينة" عن بعض خصاله بالقول: «هو مثال للشاب المكافح الطموح، وقد عمل جاهداً حتى حصل على شهادة الحقوق، وطرق باب الغربة لتحسين الحالة المادية التي لم تنسه واجبه تجاه أهله وبلده. ونحن نعلم عنه الكثير من خلال موقعه الكبير على شبكة التواصل الاجتماعي، فكان صلة وصل وجسر محبة بين المغتربين والوطن. وكانت المبادرات التي قام بها عن طريق الموقع تصلنا، ونعلم عنها، وفي القرية قمنا بتأسيس مكتبة عامة للقراءة، حيث كان من أول الداعمين لنا».

الشاب عهد نصر.