قبل حوالي ثلاثة عقود خرج الأستاذ "محمد الصغير" من قريته "عرمان" التي تبعد عن مدينة "صلخد" ثلاثة كيلو مترات، حاملاً من مضافة والده "فارس" الذي رحل عنه باكراً العادات والتقاليد والأعراف العربية، وإجازة في التجارة والاقتصاد من جامعة دمشق، مقبلاً أيدي والدته الجسورة، وهي تقول له: "الله معك وانظر خلفك" يعني أهلك وبيئتك ووطنك، وهو يرنو بحنو الشجن بعد أن قضى على ترابها أكثر من ثلاثة عقود ليقتسم حياته بين وطنه ودولة "الإمارات".

أكثر من 26 عاماً قضيتها في دولة الإمارات العربية، موثقاً مشاهد اجتماعية وإنسانية ومواقف وطنية تحمل الحنين لأرض الوطن، بهذه الكلمات بدأ الأستاذ "محمد فارس الصغير" حديثه لموقع eSwueda وتابع بالقول: «خرجت من قريتي "عرمان" التي ولدت بها عام 1947، فقد تربيت على بيادرها وكرومها ولعبت بترابها ودرست بها المرحلة الابتدائية، إضافة لمدينة "صلخد" التي نلت منها الإعدادية والثانوية، لأنتقل إلى دمشق الفيحاء وأحصل على إجازة في التجارة والاقتصاد من جامعتها، عام 1974 ثم أخوض الحياة العملية والوظيفية في فرع 14 للإسكان العسكري بالسويداء بشاغر مدير مالي فيها، ولأن والدي كان مغترباً، فقد زار "كوبا والصين وهنغاريا" وغيرها من دول العالم قبل أن يأتي إلى بيروت ويرحل منها نتيجة مرض عضال، رحل عنا صغاراً ونحن نعيش حول أم عشقت الحياة وأحبت صراع الزمن لتشكل الندَية بينها وبين القدرعلى تربية ثلاثة أشقاء وست شقيقات في مضافة استمرت أبوابها مفتوحة للضيوف، وعندما وجدت نفسي غير قادر على الاستمرار في حياة ملأى بالمعاناة من الكسب العيش، ولتحسين الوضع المادي، قررت تقديم استقالتي والسفر إلى "دولة الأمارات العربية"، عاملاً في عدة شركات بها، ابتدأً بديوان ممثل الحاكم في المياه الجوفية، لأستقر في جامعتها مسؤولاً عن الكتب الدراسية، وهي الوظيفة التي من شأنها إقامة علاقات عامة وتكريس ما يحمل المرء معه من عادات وتقاليد تحمل الصدق والسلوك المميز، الأمر الذي جعلني أستمر بالعمل بها لغاية استقالتي منها، من حيث الحفاوة والتكريم اللذان وجدتهما فيها».

هنا حكمة تقول: "الرجال صناديق مقفلة مفاتيحها التجارب"، والأستاذ "محمد الصغير" واحد من الرجال الذين حافظوا على عادات وتقاليد أهلهم، فما أن تصل إلى بيته في الامارات العربية حتى يستقبلك بالترحيب والقهوة المرة، وبيته الذي حاول تصميمه على شكل مضافة ناقلاً ثقافتها ومجسداً قيمها، إذ تربطني به صلة قربى (مصاهرة)، إضافة لعلاقة الطفولة والحياة، وعندما سافرت إلى الامارات لمدة عام كان واحداً ممن لامست به الإصرار والتمسك بالعادات والتقاليد التي اكتسبها من بيئته، فما إن وصلت حتى طلب من الأمين العام للجامعة أن أعمل واصدر قراري، لكنني آثرت العودة على البقاء، وعندما وجدني مصراً على موقفي طلب من الجهة صاحبة القرار تبديل اسمي باسم واحد من الجالية العربية السورية ليعمل معه، فأنا أشعر بموقفه وحماسه وحبه لانتمائه ووطنه، إذ وجدت مبدأ أن السوري يمكن أن يفقد عمله من أجل كلمة خرجت منه لصدقه وأمانته، وهذا ما تحلى به الأخ "محمد الصغير"

إن ارتباط المرء بوطنه، يعني ارتباطه بحياة متجددة في الغربة، فقد وضعت قاعدة أمام عيني "أن كل مغترب هو سفير لبلده أينما ذهب" وتابع الأستاذ "الصغير" بالقول: «لست الوحيد من الجالية العربية السورية التي تحمل تلك الثقافة بل جميعهم يشعرون برغبتهم لأخبار الوطن، إذ كنا نستمتع ونراقب الأحداث والأخبار حتى النشرة الجوية ونقول اليوم في سورية مطر، يعم على سبيل المثال المنطقة الجنوبية أو الشمالية، أو الشرقية الخ..، وكنا نفتخر أن لدينا التعليم وطبابة مجانية والمثال الحي وموجود هو أنني حصلت على إجازة في التجارة والاقتصاد من دمشق، وأن سورية هي الدولة المصنفة عالمياً أو إن صح التعبير تأتي بالمرتبة الثانية بالأمن والاستقرار بين دول العالم، الأهم تجسيد مبادئ العادات والتقاليد والأعراف العربية، من ألفاظ وسلوك التي انتقلت معنا من مضافات قريتي "عرمان" ومجتمعنا وصولاً إلى المواقف الوطنية والقومية التي تميزت سورية، وانعكاس تلك المواقف على رفع معنوية الجالية العربية السورية، وبعد ما يقارب عقود ثلاثة في العمل قررت الاستقالة والعودة إلى مدينتي السويداء، في البداية وقبل عودتي بعامين أرسلت زوجتي وابنتي الوحيدة التي رفضت أن تدرس الجامعة إلا في دمشق لتنال إجازة من كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية، لأبدأ بإجراءات الاستقالة التي تم رفضها في المرة الأولى وعند إصراري عليها كتب الأمين العام لجامعة الأمارات ولأول مرة تحدث العبارة التالية: "وحيث أن المذكور أعلاه من الموظفين المتميزين في عملهم، وتعذر إقناعه عن قراره وتقديرنا لأسبابه الخاصة، فإننا نرجو من سعادتكم الموافقة على طلبه"، والحمد لله تم تكريمي من قبل إدارة الجامعة ومنحي شهادة تقدير على قيمة العمل الذي قمت به خلال وجودي في الجامعة مدة تزيد عن 26 عاماً، وعدت إلى أرض وطني الحبيب لأشتري مجموعة من العقارات السكنية، واستقر في منزلي على المطالعة والقراءة ومتابعة المشهد الثقافي العربي عامة والسوري خاصة عبر وسائل الإعلام والانترنت، ومازال العديد من المدراء أصحاب المواقع المسؤولة في الجامعة الامارات على اتصال معي وبعضهم زارني في السويداء، لهذا أعتبر أن المغترب السوري كرامته في صدق كلمته».

جمال القاضي في منزل المغترب

السيد "جمال القاضي" الصديق القديم للمغترب، وهما اللذان عرفا بعضهما مذ كانا صغيرين زاره في بلاد الاغتراب واتفقا أن يعملا معاً لكنه آثر العودة على البقاء فهو يقول: «هنا حكمة تقول: "الرجال صناديق مقفلة مفاتيحها التجارب"، والأستاذ "محمد الصغير" واحد من الرجال الذين حافظوا على عادات وتقاليد أهلهم، فما أن تصل إلى بيته في الامارات العربية حتى يستقبلك بالترحيب والقهوة المرة، وبيته الذي حاول تصميمه على شكل مضافة ناقلاً ثقافتها ومجسداً قيمها، إذ تربطني به صلة قربى (مصاهرة)، إضافة لعلاقة الطفولة والحياة، وعندما سافرت إلى الامارات لمدة عام كان واحداً ممن لامست به الإصرار والتمسك بالعادات والتقاليد التي اكتسبها من بيئته، فما إن وصلت حتى طلب من الأمين العام للجامعة أن أعمل واصدر قراري، لكنني آثرت العودة على البقاء، وعندما وجدني مصراً على موقفي طلب من الجهة صاحبة القرار تبديل اسمي باسم واحد من الجالية العربية السورية ليعمل معه، فأنا أشعر بموقفه وحماسه وحبه لانتمائه ووطنه، إذ وجدت مبدأ أن السوري يمكن أن يفقد عمله من أجل كلمة خرجت منه لصدقه وأمانته، وهذا ما تحلى به الأخ "محمد الصغير"».

شهادة تقدير من جامعة الأمارات
المغترب محمد فارس الصغير