المغترب "يوسف شمس الدين العقباني"، الذي عاصر جيل الثورة السورية الكبرى وحفظت ذاكرته الكثير من أحداثها، حفظ الكثير من الشعر العامي، وقال في بداية حياته قصيدته التي كان لها قصة فيها من الغرابة ما يوجب الذكر، فهذه القصيدة هي سبب عودة عمه من المهجر، وسبب سفره وسبب تلبية قائد الثورة السورية الكبرى المغفور له "سلطان باشا الأطرش" الدعوة لزيارته.

هو رجل التصق فكره بتراب هذا الوطن، ولم تنسه سنوات الاغتراب الطويلة أيامه العتيقة التي مازال يحدثك عنها بشغف ومحبة، فترى أيام الحصاد وكيفية زراعة الأرض والعناية بها حاضرة دائما في حديثه، ويشغل منصب رئيس "النادي العربي الاسباني" في "أسبانيا". eSuweda التقى السيد "يوسف" وكان له معه الحوار التالي:

  • دعنا نبدأ من أول العمر وكيف دخلت فكرة السفر إلى ذهنك؟
  • ** أنا شخص ولدت في أسرة تمتهن الزراعة شأنها شأن أغلب الأسر التي كانت تسكن محافظة "السويداء"، وكان البيت في وقتها ورشة عمل كاملة فكنت ترى الحظيرة التي فيها بعض الماشية من الابقار والماعز وترى الناس تذهب إلى العمل بالأرض، لتقوم بزراعتها وحصادها وتأمين مؤونة البيت من القمح لصناعة الخبز وتأمين مؤونة الماشية التي كانت جزءاً أساسياً من الحياة لأنها تعطي الحليب الذي يصنع منه اللبن والجبن والسمن والذي كان الغذاء الرئيسي للسكان، وكنت استمتع بهذا العمل وأذكر جيدا تلك الأيام التي كنا نغني فيها ونحن نحصد القمح ونحرث الأرض، ولكن الطموح كان يسكنني لتحقيق نجاح خاص، وكان أبناء الجبل وقتها يسافرون إلى أميركا اللاتينية وخاصة "فنزويلا" ويعودون ليحدثوك عن أشياء جديدة وأعمال أخرى فيها مكاسب مالية، لذلك كان هاجسي هو السفر إلى فنزويلا لأجرب حظي وأحقق طموحي.

  • طالما كنت تفكر بالسفر إلى فنزويلا فلماذا اخترت أسبانيا؟
  • ** عندما كنت في العشرين من عمري تزوجت من السيدة "ترفة محمد الملحم" وهي ابنة لمغترب من البلدة في "اسبانيا" وكان قد مضى على غيابه في المهجر مدة 22 عاما، وذات مرة قررت أن أكتب قصيدة أمدح فيها قائد الثورة السورية الكبرى وأدعوه من خلالها لزيارتي في البيت وفعلا كتبت تلك القصيدة وأرسلت منها نسخة لعمي في "اسبانيا" ويبدو أن القصيدة قد أثارت شجونه ما دعاه إلى العودة لزيارة بلده، وفعلا فقد عاد مع أحد ابنائه وبعد مجيئه دارت الكثير من الأحاديث، وقلت له إنني أنوي السفر إلى "فنزويلا"، فما كان منه إلا أن طلب مني أن أسافر مع زوجتي التي هي ابنته إلى "أسبانيا" حيث يعمل، وقد وافقت على ذلك مقابل أن اترك "اسبانيا" متجها إلى "فنزويلا" في حال لم يرق لي الوضع ولم أوفق في تحقيق طموحي في "أسبانيا"، وفعلا كان السفر إلى "أسبانيا" عام 1959».

  • ماذا بعد وصولك إلى اسبانيا؟
  • ** عندما وصلت إلى أسبانيا "منطقة جزر الكناري" استضافني عمي لمدة ستة أشهر وكنت أعمل فيها معه في المحل التجاري الذي يملكه وخلال هذه الفترة تمكنت من إتقان الكثير من الكلمات الإسبانية التي تجعلني أُيسّر أموري هناك دون حاجة إلى مترجم، وطرحت على عمي فكرة الانفصال عنه في العمل لكي أشق طريقي بنفسي، وبعد جهد وافق على ذلك وساعدني في البحث عن بلدة أبدأ منها مشواري وفعلاً وصلنا إلى منطقة تدعى "صني كولاس" حيث أعجبني جوها وطريقة تعامل سكانها، وكان أول مشروع بدأته فيها هو محل تجاري صغير أبيع فيه الملابس، وفعلا حققت نجاحا جيدا هناك وخاصة في "مهرجانات التسوق" التي كانت البلدة تشتهر بها.

  • بعدها كيف وسعت عملك وتجارتك؟
  • ** في هذه الفترة توجهت أيضا بالإضافة إلى عملي للعمل في تجارة العقارات، أشتري وأبيع وبعد ثماني سنوات فكرت في التوسع، وذلك عبر التوجه من الريف إلى المدينة لأن العمل في المدينة أوسع، ومجال النجاح فيه أفضل، وفعلا انتقلت إلى مدينة "لاس بالمس" وهي عاصمة "جزر الكناري"، وقمت باستئجار محل تجاري في بناء كبير وعلى أثر التصميم والجد استطعت أن أشتري البناء كله وهنا حصلت على لقب رجل أعمال بعد أن كنت تاجرا صغيرا.

  • ماذا عن النادي العربي- الاسباني الذي تشغل أنت منصب رئيسه حاليا؟
  • ** أثناء وجودي في "اسبانيا" لم أغفل النشاط الاجتماعي طبعا، وكان لي تواصل دائم مع أبناء الجالية العربية هناك وقمت بالاشتراك بصفة عضو في هذا النادي بعد أن مضى على وجودي في "اسبانيا" مدة ثماني سنوات، وكان في النادي قانون يمنح عبر التصويت رئاسته بشكل دوري كل ثلاث سنوات لأحد المغتربين العرب شرط أن يكون في كل دورة من دولة عربية غير الدولة التي كان رئيس النادي منها في الدورة السابقة، وفعلا فقد انتخبت رئيسا للنادي عن الجالية السورية في عام 1973.

  • ما ماهية عمل النادي ونشاطاته؟
  • ** النادي "اجتماعي ثقافي" يهدف إلى جمع أبناء الجالية العربية وضمان تواصلهم، ونشاطاته هي تعليم اللغة العربية بالإضافة إلى تعليم العادات والتقاليد العربية سواء الدبكات او الأغنيات الشعبية والقصائد الشعرية بالإضافة إلى متابعة كل الأخبار التي تهم العرب والتفاعل معها بما يخدم مصلحة الدول العربية والجالية في المهجر.

  • حسب هذا لم تكن بعيداً عما يحدث في الوطن؟
  • ** بل على العكس فقد كان الوطن حاضرا دائما، وكنا نتابع أخباره بشكل يومي عبر التلفاز والمذياع وذلك عبر المحطات الاسبانية التي تنقل أخبار الدول العربية، وأذكر أنه أثناء قيام "حرب تشرين التحريرية" في عام 1973 وكنت رئيسا للنادي وقتها وكان الدكتور "سامي الدروبي" سفيرنا في "أسبانيا"، وأول ردة فعل قمنا بها كجالية بعد سماع خبر إعلان الحرب هي جمع التبرعات وتقديمها للسفارة مشاركة منا ولو بجزء بسيط لإخواننا في الوطن لمواجهة العدو وهذا أضعف الإيمان، ولم يكن أحد ليتوانى عن تقديم روحه لو كان في الوطن حينها.

  • بما أن رئاسة النادي تنتقل كل ثلاث سنوات إلى شخص من دولة عربية فلماذا احتفظت بها منذ عام 1980 إلى هذا التاريخ؟
  • ** طبعا هذا يجعلني أشكر كل أبناء الجالية الذين منحوني ثقتهم وطلبوا مني أن أبقى رئيسا للنادي وذلك لأنني قد حسنت في بناء النادي فأضفت إليه مكتبة تحتوي على كتب تاريخية وروايات عربية وكنت دائما على تواصل مع الجميع وذلك عبر جمع التبرعات للمريض فيهم أو إقامة الجنازة على الطريقة العربية الإسلامية لمن توافيه المنية في بلد الاغتراب.

  • كمغترب ناجح هل تشعر بالرضا عما فعلت؟
  • ** شعوري بالرضا نابع من الأفعال التي قمت بها لخدمة وطني، فأنا ودون مجاملة كنت مهجوساً دائما بالوطن، وإن كان عملي قد فرض علي عدم العودة بشكل دائم، ولكن الوطن لم يغب للحظة وخاصة في ذكرى أعياده الرسمية فنحن كجالية عربية نحيي كل الاحتفالات الوطنية في المهجر ونتفاعل مع كل ما يصيب ليس فقط سورية بل الأمة العربية بشكل عام لأنها أمتنا، وأذكر أنني قد تعرضت لمحاولة اغتيال بعد القائي خطاباً في إحدى المظاهرات المناصرة للشعب الفلسطيني.

  • ماذا عن هذه المحاولة وأسبابها وكيف نجوت منها؟
  • ** كان ذلك في اليوم الذي خرجنا فيه بمظاهرة كجالية عربية للوقوف مع الشعب الفلسطيني الشقيق في محنته على أثر حصار مدينة "جنين"، وكنت من بين الخطباء الذين ألقوا كلمة في هذه المناسبة وفعلا فقد أثارني ما حدث وقمت في الخطاب بشتم "شارون" وشتم السياسية الإمبريالية التي تقف وراء إسرائيل، وبعد فترة قصيرة وجدت رسالة تحت باب مدخل النادي تقول "السيد العقباني عد للعشرة" ولم أعرها اهتماما، ولكن أثناء عودتي إلى منزلي اعترضني شابان، وقام الأول بضربي برأسه على وجهي وقام الثاني بإشهار سكين بقصد طعني، ولكن مقاومتي لهما عبر ضربي للأول على أسفل بطنه، وصراخي العالي في وجههما جعل الجيران يشعرون بذلك ويستدعون الشرطة، وفعلا وصلت الشرطة وتم نقلي إلى المشفى، والحمد الله تمت معالجتي.

  • كيف عرفت أنهما قاما بذلك على أثر الكلمة التي ألقيتها؟
  • ** طبعا لأنه تبين أن الشابين من الجالية اليهودية الموجودة في "أسبانيا"، وأنا لا أملك أعداء هناك فعلاقتنا مع "الشعب الاسباني" علاقة ممتازة ومتميزة وهم يقفون إلى جانبنا في قضيتنا العادلة، وبعضهم يشاركنا في المظاهرات التي نقيمها لنصرة القضايا العربية، وأنا أغتنم هذه المناسبة لتوجيه الشكر لهذا الشعب الطيب.

  • الشعور بالرضا أهم ما يبتغيه المرء في مشوار حياته، كيف تشعر أنت؟
  • ** أولا الشعور بالرضا أمر وقتي فكل إنسان قد يسر أو يساء كما قال الشاعر:

    فيوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسر

    أما عن مشوار حياتي فأنا راض حكما لأنني أشعر بإنني قد حققت النجاح وعدت إلى وطني شخصاً ناجحاً، وأشعر بالفخر لأنني أعود إليه، وأقول له في نفسي أنت تستحق أبناءك لأنهم مازالوا قادرين على دحر الصعاب وإثبات وجودهم في كل أنحاء هذه المعمورة».

    يذكر أن المغترب "يوسف شمس الدين العقباني" هو من مواليد عام 1927 في بلدة "المزرعة" (12كم إلى الغرب الشمالي من مدينة "السويداء")، متزوج ولديه أربعة أولاد هم "حسين وسليمان وعرفان وإلهام".